ثُمَّ رَفَعَ يَدَيْهِ، فَقَالَ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِعُبَيْدٍ أَبِي عَامِرٍ، وَرَأَيْتُ بَيَاضَ إِبْطَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: اللَّهُمَّ اجْعَلْهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَوْقَ كَثِيرٍ مِنْ خَلْقِكَ مِنْ النَّاسِ، فَقُلْتُ: وَلِي فَاسْتَغْفِرْ، فَقَالَ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ قَيْسٍ ذَنْبَهُ
وَأَدْخِلْهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مُدْخَلًا كَرِيمًا. قَالَ أَبُو بُرْدَةَ: إِحْدَاهُمَا لِأَبِي عَامِرٍ، وَالْأُخْرَى لِأَبِي مُوسَى.
قَوْلُهُ: (بَابُ غَزْوَةِ أَوْطَاسٍ) قَالَ عِيَاضٌ: هُوَ وَادٍ فِي دَارِ هَوَازِنَ، وَهُوَ مَوْضِعُ حَرْبِ حُنَيْنٍ انْتَهَى. وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ ذَهَبَ إِلَيْهِ بَعْضُ أَهْلِ السِّيَرِ، وَالرَّاجِحُ أَنَّ وَادِيَ أَوْطَاسٍ غَيْرُ وَادِي حُنَيْنٍ، وَيُوَضِّحُ ذَلِكَ مَا ذَكَرَ ابْنُ إِسْحَاقَ أَنَّ الْوَقْعَةَ كَانَتْ فِي وَادِي حُنَيْنٍ، وَأَنَّ هَوَازِنَ لَمَّا انْهَزَمُوا صَارَتْ طَائِفَةٌ مِنْهم إِلَى الطَّائِفِ وَطَائِفَةٌ إِلَى بَجِيلَةَ وَطَائِفَةٌ إِلَى أَوْطَاسٍ، فَأَرْسَلَ النَّبِيُّ ﷺ عَسْكَرًا مُقَدَّمُهُمْ أَبُو عَامِرٍ الْأَشْعَرِيُّ إِلَى مَنْ مَضَى إِلَى أَوْطَاسٍ كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ حَدِيثُ الْبَابِ، ثُمَّ تَوَجَّهَ هُوَ وَعَسَاكِرُهُ إِلَى الطَّائِفِ. وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ الْبَكْرِيُّ: أَوْطَاسٌ وَادٍ فِي دِيَارِ هَوَازِنَ، وَهُنَاكَ عَسْكَرُوا هُمْ وَثَقِيفٌ ثُمَّ الْتَقَوْا بِحُنَيْنٍ.
قَوْلُهُ: (بَعَثَ أَبَا عَامِرٍ) هُوَ عُبَيْدُ بْنُ سُلَيْمِ بْنِ حِضَارٍ الْأَشْعَرِيِّ، وَهُوَ عَمُّ أَبِي مُوسَى. وَقَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: هُوَ ابْنُ عَمِّهِ. وَالْأَوَّلُ أَشْهَرُ.
قَوْلُهُ: (فَلَقِيَ دُرَيْدَ بْنَ الصِّمَّةِ فَقُتِلَ دُرَيْدٌ) أَمَّا الصِّمَّةُ فَهُوَ بِكَسْرِ الْمُهْمَلَةِ وَتَشْدِيدِ الْمِيمِ أَيِ ابْنُ بَكْرِ بْنِ عَلْقَمَةَ - وَيُقَالُ: ابْنُ الْحَارِثِ بْنِ بَكْرِ بْنِ عَلْقَمَةَ - الْجُشَمِيُّ بِضَمِّ الْجِيمِ وَفَتْحِ الْمُعْجَمَةِ مِنْ بَنِي جُشَمَ بْنِ مُعَاوِيَةَ بْنِ بَكْرِ بْنِ هَوَازِنَ، فَالصِّمَّةُ لَقَبٌ لِأَبِيهِ وَاسْمُهُ الْحَارِثُ، وَقَوْلُهُ فَقُتِلَ رُوِّينَاهُ عَلَى الْبِنَاءِ لِلْمَجْهُولِ، وَاخْتُلِفَ فِي قَاتِلِهِ فَجَزَمَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ بِأَنَّهُ رَبِيعَةُ بْنُ رُفَيْعٍ بِفَاءٍ مُصَغَّرٌ ابْنِ وَهْبَانَ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ السُّلَمِيُّ وَكَانَ يُقَالُ لَهُ: ابْنُ الذَّعِنَّةِ بِمُعْجَمَةٍ ثُمَّ مُهْمَلَةٍ، وَيُقَالُ بِمُهْمَلَةٍ ثُمَّ مُعْجَمَةٍ، وَهِيَ أُمُّهُ، وَقَالَ ابْنُ هِشَامٍ: يُقَالُ: اسْمُهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ قُبَيْعِ بْنِ أُهْبَانَ، وَسَاقَ بَقِيَّةَ نَسَبِهِ.
وَيُقَالُ أَيْضًا: ابْنُ الدَّغِنَّةِ وَلَيْسَ هُوَ ابْنَ الدُّغُنَّةِ الْمَذْكُورُ فِي قِصَّةِ أَبِي بَكْرٍ فِي الْهِجْرَةِ، وَرَوَى الْبَزَّارُ فِي مُسْنَدِ أَنَسٍ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ مَا يُشْعِرُ بِأَنَّ قَاتِلَ دُرَيْدِ بْنِ الصِّمَّةِ هُوَ الزُّبَيْرُ بْنُ الْعَوَّامِ وَلَفْظُهُ لَمَّا انْهَزَمَ الْمُشْرِكُونَ انْحَازَ دُرَيْدُ بْنُ الصِّمَّةِ فِي سِتِّمِائَةِ نَفْسٍ عَلَى أَكْمَةٍ فَرَأَوْا كَتِيبَةً، فَقَالَ: خَلُّوهُمْ لِي، فَخَلَّوْهُمْ، فَقَالَ: هَذِهِ قُضَاعَةُ وَلَا بَأْسَ عَلَيْكُمْ، ثُمَّ رَأَوْا كَتِيبَةً مِثْلَ ذَلِكَ، فَقَالَ: هَذِهِ سُلَيْمٌ، ثُمَّ رَأَوْا فَارِسًا وَحْدَهُ فَقَالَ: خَلُّوهُ لِي، فَقَالُوا مُعْتَجِز بِعِمَامَةٍ سَوْدَاءَ، فَقَالَ: هَذَا الزُّبَيْرُ بْنُ الْعَوَّامِ، وَهُوَ قَاتِلُكُمْ وَمُخْرِجُكُمْ مِنْ مَكَانِكُمْ هَذَا، قَالَ: فَالْتَفَتَ الزُّبَيْرُ فَرَآهُمْ فَقَالَ: عَلَامَ هَؤُلَاءِ هَاهُنَا؟ فَمَضَى إِلَيْهِمْ، وَتَبِعَهُ جَمَاعَةٌ فَقَتَلُوا مِنْهُمْ ثَلَاثَمِائَةٍ، فَحَزَّ رَأْسَ دُرَيْدِ بْنِ الصِّمَّةِ فَجَعَلَهُ بَيْنَ يَدَيْهِ. وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ ابْنُ الدُّغُنَّةِ كَانَ فِي جَمَاعَةِ الزُّبَيْرِ فَبَاشَرَ قَتْلَهُ فَنُسِبَ إِلَى الزُّبَيْرِ مَجَازًا، وَكَانَ دُرَيْدٌ مِنَ الشُّعَرَاءِ الْفُرْسَانِ الْمَشْهُورِينَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، وَيُقَالُ: إِنَّهُ كَانَ لَمَّا قُتِلَ ابْنَ عِشْرِينَ - وَيُقَالُ ابْنَ سِتِّينَ - وَمِائَةِ سَنَةٍ.
قَوْلُهُ: (قَالَ أَبُو مُوسَى: وَبَعَثَنِي) أَيِ النَّبِيُّ ﷺ.
(مَعَ أَبِي عَامِرٍ) أَيْ إِلَى مَنِ الْتَجَأَ إِلَى أَوْطَاسٍ، وَقَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: بَعَثَ النَّبِيُّ ﷺ أَبَا عَامِرٍ الْأَشْعَرِيَّ فِي آثَارِ مَنْ تَوَجَّهَ إِلَى أَوْطَاسٍ، فَأَدْرَكَ بَعْضَ مَنِ انْهَزَمَ فَنَاوَشُوهُ الْقِتَالَ.
قَوْلُهُ: (فَرُمِيَ أَبُو عَامِرٍ فِي رُكْبَتِهِ، رَمَاهُ جُشَمِيٌّ) بِضَمِّ الْجِيمِ وَفَتْحِ الْمُعْجَمَةِ أَيْ رَجُلٌ مِنْ بَنِي جُشَمٍ، وَاخْتُلِفَ فِي اسْمِ هَذَا الْجُشَمِيِّ فَقَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: زَعَمُوا أَنَّ سَلَمَةَ بْنَ دُرَيْدِ بْنِ الصِّمَّةِ هُوَ الَّذِي رَمَى أَبَا عَامِرٍ بِسَهْمٍ فَأَصَابَ رُكْبَتَهُ فَقَتَلَهُ، وَأَخَذَ الرَّايَةَ أَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيُّ فَقَاتَلَهُمْ فَفَتَحَ اللَّهُ عَلَيْهِ، وَقَالَ ابْنُ هِشَامٍ: حَدَّثَنِي مَنْ أَثِقُ بِهِ أَنَّ الَّذِي رَمَى أَبَا عَامِرٍ أَخَوَانِ مِنْ بَنِي جُشْمٍ وَهُمَا أَوْفَى وَالْعَلَاءُ ابْنَا الْحَارِثِ، وَفِي نُسْخَةٍ وَافَى بَدَلَ أَوْفَى، فَأَصَابَ أَحَدُهُمَا رُكْبَتَهُ، وَقَتَلَهُمَا أَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيُّ. وَعِنْدَ ابْنِ عَائِذٍ، وَالطَّبَرَانِيِّ فِي الْأَوْسَطِ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute