(ثُمَّ يُدْخِلُ) إِنَّمَا ذَكَرَهُ بِلَفْظِ الْمُضَارِعِ، وَمَا قَبْلَهُ مَذْكُورٌ بِلَفْظِ الْمَاضِي - وَهُوَ الْأَصْلُ - لِإِرَادَةِ اسْتِحْضَارِ صُورَةِ الْحَالِ لِلسَّامِعِينَ.
قَوْلُهُ: (ثَلَاثَ غُرَفٍ) بِضَمِّ الْمُعْجَمَةِ وَفَتْحِ الرَّاءِ جَمْعُ غُرْفَةٍ وَهِيَ قَدْرُ مَا يُغْرَفُ مِنَ الْمَاءِ بِالْكَفِّ، ولِلْكُشْمِيهَنِيِّ ثَلَاثَ غُرُفَاتٍ وَهُوَ الْمَشْهُورُ فِي جَمْعِ الْقِلَّةِ، وَفِيهِ اسْتِحْبَابُ التَّثْلِيثِ فِي الْغُسْلِ، قَالَ النَّوَوِيُّ: وَلَا نَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا إِلَّا مَا تَفَرَّدَ بِهِ الْمَاوَرْدِيُّ فَإِنَّهُ قَالَ: لَا يُسْتَحَبُّ التَّكْرَارُ فِي الْغُسْلِ، قُلْتُ: وَكَذَا قَالَ الشَّيْخُ أَبُو عَلِيٍّ السِّنْجِيُّ فِي شَرْحِ الْفُرُوعِ وَكَذَا قَالَ الْقُرْطُبِيُّ، وَحَمَلَ التَّثْلِيثَ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ عَلَى رِوَايَةِ الْقَاسِمِ عَنْ عَائِشَةَ الْآتِيَةِ قَرِيبًا فَإِنَّ مُقْتَضَاهَا أَنَّ كُلَّ غُرْفَةٍ كَانَتْ فِي جِهَةٍ مِنْ جِهَاتِ الرَّأْسِ، وَسَيَأْتِي فِي آخِرِ الْكَلَامِ عَلَى حَدِيثِ مَيْمُونَةَ زِيَادَةٌ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ.
قَوْلُهُ: (ثُمَّ يُفِيضُ) أَيْ يُسِيلُ، وَالْإِفَاضَةُ الْإِسَالَةُ، وَاسْتَدَلَّ بِهِ مَنْ لَمْ يَشْتَرِطِ الدَّلْكَ وَهُوَ ظَاهِرٌ، وَقَالَ الْمَازِرِيُّ: لَا حُجَّةَ فِيهِ ; لِأَنَّ أَفَاضَ بِمَعْنَى غَسَلَ، وَالْخِلَافُ فِي الْغَسْلِ قَائِمٌ، قُلْتُ: وَلَا يَخْفَى مَا فِيهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَقَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ: لَمْ يَأْتِ فِي شَيْءٍ مِنَ الرِّوَايَاتِ فِي وُضُوءِ الْغُسْلِ ذِكْرُ التَّكْرَارِ، قُلْتُ: بَلْ وَرَدَ ذَلِكَ مِنْ طَرِيقٍ صَحِيحَةٍ أَخْرَجَهَا النَّسَائِيُّ، وَالْبَيْهَقِيُّ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا وَصَفَتْ غُسْلَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ مِنَ الْجَنَابَةِ .. الْحَدِيثَ، وَفِيهِ ثُمَّ يَتَمَضْمَضُ ثَلَاثًا وَيَسْتَنْشِقُ ثَلَاثًا وَيَغْسِلُ وَجْهَهُ ثَلَاثًا وَيَدَيْهِ ثَلَاثًا ثُمَّ يُفِيضُ عَلَى رَأْسِهِ ثَلَاثًا.
قَوْلُهُ: (عَلَى جِلْدِهِ كُلِّهِ) هَذَا التَّأْكِيدُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ عَمَّمَ جَمِيعَ جَسَدِهِ بِالْغُسْلِ بَعْدَ مَا تَقَدَّمَ، وَهُوَ يُؤَيِّدُ الِاحْتِمَالَ الْأَوَّلَ أَنَّ الْوُضُوءَ سُنَّةٌ مُسْتَقِلَّةٌ قَبْلَ الْغُسْلِ، وَعَلَى هَذَا فَيَنْوِي الْمُغْتَسِلُ الْوُضُوءَ إِنْ كَانَ مُحْدِثًا وَإِلَّا فَسُنَّةُ الْغُسْلِ، وَاسْتُدِلَّ بِهَذَا الْحَدِيثِ عَلَى اسْتِحْبَابِ إِكْمَالِ الْوُضُوءِ قَبْلَ الْغُسْلِ، وَلَا يُؤَخِّرُ غَسْلَ الرِّجْلَيْنِ إِلَى فَرَاغِهِ وَهُوَ ظَاهِرٌ مِنْ قَوْلِهَا كَمَا يَتَوَضَّأُ لِلصَّلَاةِ وَهَذَا هُوَ الْمَحْفُوظُ فِي حَدِيثِ عَائِشَةَ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ، لَكِنْ رَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي مُعَاوِيَةَ، عَنْ هِشَامٍ فَقَالَ فِي آخِرِهِ ثُمَّ أَفَاضَ عَلَى سَائِرِ جَسَدِهِ، ثُمَّ غَسَلَ رِجْلَيْهِ، وَهَذِهِ الزِّيَادَةُ تَفَرَّدَ بِهَا أَبُو مُعَاوِيَةَ دُونَ أَصْحَابِ هِشَامٍ، قَالَ الْبَيْهَقِيُّ هِيَ غَرِيبَةٌ صَحِيحَةٌ، قُلْتُ: لَكِنْ فِي رِوَايَةِ أَبِي مُعَاوِيَةَ، عَنْ هِشَامٍ مَقَالٌ، نَعَمْ لَهُ شَاهِدٌ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ عَائِشَةَ أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدُ الطَّيَالِسِيُّ فَذَكَرَ حَدِيثَ الْغُسْلِ كَمَا تَقَدَّمَ عِنْدَ النَّسَائِيِّ وَزَادَ فِي آخِرِهِ: فَإِذَا فَرَغَ غَسَلَ رِجْلَيْهِ فإَمَّا أَنْ تُحْمَلَ الرِّوَايَاتُ عَنْ عَائِشَةَ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهَا وُضُوءَهُ لِلصَّلَاةِ أَيْ أَكْثَرُهُ وَهُوَ مَا سِوَى الرِّجْلَيْنِ، أَوْ يُحْمَلَ عَلَى ظَاهِرِهِ، وَيُسْتَدَلُّ بِرِوَايَةِ أَبِي مُعَاوِيَةَ عَلَى جَوَازِ تَفْرِيقِ الْوُضُوءِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ فِي رِوَايَةِ أَبِي مُعَاوِيَةَ ثُمَّ غَسَلَ رِجْلَيْهِ أَيْ أَعَادَ غَسْلَهُمَا لِاسْتِيعَابِ الْغَسْلِ بَعْدَ أَنْ كَانَ غَسَلَهُمَا فِي الْوُضُوءِ فَيُوَافِقُ قَوْلَهُ فِي حَدِيثِ الْبَابِ ثُمَّ يُفِيضُ عَلَى جِلْدِهِ كُلِّهِ.
٢٤٩ - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ الْأَعْمَشِ، عَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ، عَنْ كُرَيْبٍ، عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنْ مَيْمُونَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَتْ: تَوَضَّأَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ وُضُوءَهُ لِلصَّلَاةِ غَيْرَ رِجْلَيْهِ، وَغَسَلَ فَرْجَهُ وَمَا أَصَابَهُ مِنْ الْأَذَى، ثُمَّ أَفَاضَ عَلَيْهِ الْمَاءَ ثُمَّ نَحَّى رِجْلَيْهِ فَغَسَلَهُمَا، هَذِهِ غُسْلُهُ مِنْ الْجَنَابَةِ.
[الحديث ٢٤٩ - أطرافه ٢٨١، ٢٧٦، ٢٧٤، ٢٦٦، ٢٦٥، ٢٦٠، ٢٥٩، ٢٥٧]
قَوْلُهُ: (حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ) هُوَ الْفِرْيَابِيُّ، وَسُفْيَانُ هُوَ الثَّوْرِيُّ، وَجَزَمَ الْكِرْمَانِيُّ بِأَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ يُوسُفَ هُوَ الْبِيكَنْدِيُّ، وَسُفْيَانُ هُوَ ابْنُ عُيَيْنَةَ، وَلَا أَدْرِي مِنْ أَيْنَ لَهُ ذَلِكَ.
قَوْلُهُ: (وُضُوءَهُ لِلصَّلَاةِ غَيْرَ رِجْلَيْهِ) فِيهِ التَّصْرِيحُ بِتَأْخِيرِ الرِّجْلَيْنِ فِي وُضُوءِ الْغُسْلِ إِلَخْ وَهُوَ مُخَالِفٌ لِظَاهِرِ رِوَايَةِ عَائِشَةَ، وَيُمْكِنُ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا إِمَّا بِحَمْلِ رِوَايَةِ عَائِشَةَ