أَوْ تَسْرِيحٍ بِإِحْسَانٍ، وَعَلَيْهِ حَمَلَ بَعْضُهُمْ هَذَا الْحَدِيثَ. وَمِنْهَا مَا لَا يُوفَى بِهِ اتِّفَاقًا كَسُؤَالِ طَلَاقِ أُخْتِهَا، وَسَيَأْتِي حُكْمُهُ فِي الْبَابِ الَّذِي يَلِيهِ.
وَمِنْهَا مَا اخْتُلِفَ فِيهِ كَاشْتِرَاطِ أَنْ لَا يَتَزَوَّجَ عَلَيْهَا، أَوْ لَا يَتَسَرَّى أَوْ لَا يَنْقُلَهَا مِنْ مَنْزِلِهَا إِلَى مَنْزِلِهِ. وَعِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ الشُّرُوطُ فِي النِّكَاحِ عَلَى ضَرْبَيْنِ: مِنْهَا مَا يَرْجِعُ إِلَى الصَّدَاقِ فَيَجِبُ الْوَفَاءُ بِهِ، وَمَا يَكُونُ خَارِجًا عَنْهُ فَيَخْتَلِفُ الْحُكْمُ فِيهِ، فَمِنْهُ مَا يَتَعَلَّقُ بِحَقِّ الزَّوْجِ وَسَيَأْتِي بَيَانُهُ، وَمِنْهُ مَا يَشْتَرِطُهُ الْعَاقِدُ لِنَفْسِهِ خَارِجًا عَنِ الصَّدَاقِ وَبَعْضُهُمْ يُسَمِّيهِ الْحُلْوَانُ، فَقِيلَ: هُوَ لِلْمَرْأَةِ مُطْلَقًا وَهُوَ قَوْلُ عَطَاءٍ وَجَمَاعَةٍ مِنَ التَّابِعِينَ، وَبِهِ قَالَ الثَّوْرِيُّ، وَأَبُو عُبَيْدٍ، وَقِيلَ: هُوَ لِمَنْ شَرَطَهُ قَالَهُ مَسْرُوقٌ، وَعَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ، وَقِيلَ: يَخْتَصُّ ذَلِكَ بِالْأَبِ دُونَ غَيْرِهِ مِنَ الْأَوْلِيَاءِ.
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: إِنْ وَقَعَ نَفْسُ الْعَقْدِ وَجَبَ لِلْمَرْأَةِ مَهْرُ مِثْلِهَا، وَإِنْ وَقَعَ خَارِجًا عَنْهُ لَمْ يَجِبْ، وَقَالَ مَالِكٌ: إِنْ وَقَعَ فِي حَالِ الْعَقْدِ فَهُوَ مِنْ جُمْلَةِ الْمَهْرِ، أَوْ خَارِجًا عَنْهُ فَهُوَ لِمَنْ وُهِبَ لَهُ، وَجَاءَ ذَلِكَ فِي حَدِيثٍ مَرْفُوعٍ أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ: أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ: أَيُّمَا امْرَأَةٍ نَكَحَتْ عَلَى صَدَاقٍ أَوْ حَيَاءٍ أَوْ عِدَّةٍ قَبْلَ عِصْمَةِ النِّكَاحِ فَهُوَ لَهَا، فَمَا كَانَ بَعْدَ عِصْمَةِ النِّكَاحِ فَهُوَ لِمَنْ أُعْطِيَهُ، وَأَحَقُّ مَا أَكْرَمَ بِهِ الرَّجُلُ ابْنَتَهُ أَوْ أُخْتَهُ، وَأَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ طَرِيقِ حَجَّاجِ بْنِ أَرْطَاةَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ نَحْوُهُ، وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ بَعْدَ تَخْرِيجِهِ: وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ بَعْضِ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنَ الصَّحَابَةِ مِنْهُمْ عُمَرُ قَالَ: إِذَا تَزَوَّجَ الرَّجُلُ الْمَرْأَةَ، وَشَرَطَ أَنْ لَا يُخْرِجَهَا لَزِمَ، وَبِهِ يَقُولُ الشَّافِعِيُّ، وَأَحْمَدُ، وَإِسْحَاقُ، كَذَا قَالَ، وَالنَّقْلُ فِي هَذَا عَنِ الشَّافِعِيِّ غَرِيبٌ، بَلِ الْحَدِيثُ عِنْدَهُمْ مَحْمُولٌ عَلَى الشُّرُوطِ الَّتِي لَا تُنَافِي مُقْتَضَى النِّكَاحِ بَلْ تَكُونُ مِنْ مُقْتَضَيَاتِهِ وَمَقَاصِدِهِ كَاشْتِرَاطِهِ الْعِشْرَةَ بِالْمَعْرُوفِ، وَالْإِنْفَاقَ، وَالْكِسْوَةَ، وَالسُّكْنَى وَأَنْ لَا يُقَصِّرَ فِي شَيْءٍ مِنْ حَقِّهَا مِنْ قِسْمَةٍ وَنَحْوِهَا، وَكَشَرْطِهِ عَلَيْهَا أَلَّا تَخْرُجَ إِلَّا بِإِذْنِهِ، وَلَا تَمْنَعُهُ نَفْسَهَا، وَلَا تَتَصَرَّفُ فِي مَتَاعِهِ إِلَّا بِرِضَاهُ وَنَحْوُ ذَلِكَ، وَأَمَّا شَرْطٌ يُنَافِي مُقْتَضَى النِّكَاحِ، كَأَنْ لَا يَقْسِمَ لَهَا، أَوْ لَا يَتَسَرَّى عَلَيْهَا، أَوْ لَا يُنْفِقَ أَوْ نَحْوُ
ذَلِكَ فَلَا يَجِبُ الْوَفَاءُ بِهِ؛ بَلْ إِنْ وَقَعَ فِي صُلْبِ الْعَقْدِ كَفَى، وَصَحَّ النِّكَاحُ بِمَهْرِ الْمِثْلِ، وَفِي وَجْهٍ يَجِبُ الْمُسَمَّى وَلَا أَثَرَ لِلشَّرْطِ، وَفِي قَوْلٍ لِلشَّافِعِيِّ يَبْطُلُ النِّكَاحُ.
وَقَالَ أَحْمَدُ وَجَمَاعَةٌ: يَجِبُ الْوَفَاءُ بِالشَّرْطِ مُطْلَقًا. وَقَدِ اسْتَشْكَلَ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ حَمْلَ الْحَدِيثَ عَلَى الشُّرُوطِ الَّتِي هِيَ مِنْ مُقْتَضَيَاتِ النِّكَاحِ قَالَ: تِلْكَ الْأُمُورُ لَا تُؤَثِّرُ الشُّرُوطُ فِي إِيجَابِهَا، فَلَا تَشْتَدُّ الْحَاجَةُ إِلَى تَعْلِيقِ الْحُكْمِ بِاشْتِرَاطِهَا، وَسِيَاقُ الْحَدِيثِ يَقْتَضِي خِلَافَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ لَفْظَ: أَحَقُّ الشُّرُوطِ يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ بَعْضُ الشُّرُوطِ يَقْتَضِي الْوَفَاءَ بِهَا وَبَعْضُهَا أَشَدُّ اقْتِضَاءً، وَالشُّرُوطُ هِيَ مِنْ مُقْتَضَى الْعَقْدِ مُسْتَوِيَةٌ فِي وُجُوبِ الْوَفَاءِ بِهَا. قَالَ التِّرْمِذِيُّ: وَقَالَ عَلِيٌّ: سَبَقَ شَرْطُ اللَّهِ شَرْطَهَا، قَالَ: وَهُوَ قَوْلُ الثَّوْرِيِّ وَبَعْضِ أَهْلِ الْكُوفَةِ، وَالْمُرَادُ فِي الْحَدِيثِ الشُّرُوطُ الْجَائِزَةُ لَا الْمَنْهِيُّ عَنْهَا اهـ.
وَقَدِ اخْتُلِفَ عَنْ عُمَرَ، فَرَوَى ابْنُ وَهْبٍ بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ، عَنْ عُبَيْدِ بْنِ السَّبَّاقِ: أَنَّ رَجُلًا تَزَوَّجَ امْرَأَةً فَشَرَطَ لَهَا أَنْ لَا يُخْرِجَهَا مِنْ دَارِهَا، فَارْتَفَعُوا إِلَى عُمَرَ فَوَضَعَ الشَّرْطَ، وَقَالَ: الْمَرْأَةُ مَعَ زَوْجِهَا قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: تَضَادَّتِ الرِّوَايَاتُ عَنْ عُمَرَ فِي هَذَا، وَقَدْ قَالَ بِالْقَوْلِ الْأَوَّلِ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ، وَمِنَ التَّابِعِينَ طَاوُسٌ، وَأَبُو الشَّعْثَاءِ، وَهُوَ قَوْلُ الْأَوْزَاعِيِّ، وَقَالَ اللَّيْثُ، وَالثَّوْرِيُّ وَالْجُمْهُورُ بِقَوْلِ عَلِيٍّ حَتَّى لَوْ كَانَ صَدَاقُ مِثْلِهَا مِائَةً مَثَلًا فَرَضِيَتْ بِخَمْسِينَ عَلَى أَنْ لَا يُخْرِجَهَا فَلَهُ إِخْرَاجُهَا، وَلَا يَلْزَمُهُ إِلَّا الْمُسَمَّى، وَقَالَتِ الْحَنَفِيَّةُ: لَهَا أَنْ تَرْجِعَ عَلَيْهِ بِمَا نَقَصَتْهُ لَهُ مِنَ الصَّدَاقِ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: يَصِحُّ النِّكَاحُ وَيَلْغُو الشَّرْطُ وَيَلْزَمُهُ مَهْرُ الْمِثْلِ، وَعَنْهُ يَصِحُّ وَتَسْتَحِقُّ الْكُلَّ.
وَقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَالَّذِي نَأْخُذُ بِهِ أَنَّا نَأْمُرُهُ بِالْوَفَاءِ بِشَرْطِهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَحْكُمَ عَلَيْهِ بِذَلِكَ. قَالَ: وَقَدْ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهَا لَوِ اشْتَرَطَتْ عَلَيْهِ أَنْ لَا يَطَأَهَا لَمْ يَجِبِ الْوَفَاءُ بِذَلِكَ الشَّرْطِ فَكَذَلِكَ هَذَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute