٥٤٤٩ - حَدَّثَنَا ابْنُ مُقَاتِلٍ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ، أَخْبَرَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ ﵄ قَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَأْكُلُ الرُّطَبَ بِالْقِثَّاءِ.
قَوْلُهُ (بَابُ جَمْعِ اللَّوْنَيْنِ، أَوِ الطَّعَامَيْنِ، بِمَرَّةٍ) أَيْ فِي حَالَةٍ وَاحِدَةٍ، وَرَأَيْتُ فِي بَعْضِ الشُّرُوحِ بِمَرَّةٍ مَرَّةٍ وَلَمْ أَرَ التَّكْرَارَ فِي الْأُصُولِ، وَلَعَلَّ الْبُخَارِيَّ لَمَّحَ إِلَى تَضْعِيفِ حَدِيثِ أَنَسٍ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ أُتِيَ بِإِنَاءٍ - أَوْ بِقَعْبٍ - فِيهِ لَبَنٌ وَعَسَلٌ فَقَالَ: أدْمَانِ فِي إِنَاءٍ، لَا آكُلُهُ وَلَا أُحَرِّمُهُ أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ وَفِيهِ رَاوٍ مَجْهُولٌ.
قَوْلُهُ (عَبْدُ اللَّهِ) هُوَ ابْنُ الْمُبَارَكِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ إِخْرَاجُ الْبُخَارِيِّ لِهَذَا الْحَدِيثِ قَبْلَ هَذَا الْبَابِ سَوَاءً وَكَذَا فِيمَا قَبْلَهُ بِأَبْوَابٍ بِأَعْلَى مِنْ هَذَا دَرَجَةً وَالسَّبَبُ فِي ذَلِكَ أَنَّ مَدَارَهُ عَلَى إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ، قَالَ التِّرْمِذِيُّ صَحِيحٌ غَرِيبٌ لَا نَعْرِفُهُ إِلَّا مِنْ حَدِيثِهِ.
قَوْلُهُ (يَأْكُلُ الرُّطَبَ بِالْقِثَّاءِ) وَقَعَ فِي رِوَايَةِ الطَّبَرَانِيِّ كَيْفِيَّةُ أَكْلِهِ لَهُمَا، فَأَخْرَجَ فِي الْأَوْسَطِ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ قَالَ رَأَيْتُ فِي يَمِينِ النَّبِيِّ ﷺ قِثَّاءً وَفِي شِمَالِهِ رُطَبًا وَهُوَ يَأْكُلُ مِنْ ذَا مَرَّةً وَمِنْ ذَا مَرَّةً وَفِي سَنَدِهِ ضَعْفٌ، وَأَخْرَجَ فِيهِ وَهُوَ فِي الطِّبِّ لِأَبِي نُعَيْمٍ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ كَانَ يَأْخُذُ الرُّطَبَ بِيَمِينِهِ وَالْبِطِّيخَ بِيَسَارِهِ، فَيَأْكُلُ الرُّطَبَ بِالْبِطِّيخِ، وَكَانَ أَحَبَّ الْفَاكِهَةِ إِلَيْهِ وَسَنَدُهُ ضَعِيفٌ أَيْضًا، وَأَخْرَجَ النَّسَائِيُّ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ عَنْ حُمَيْدٍ، عَنْ أَنَسٍ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَجْمَعُ بَيْنَ الرُّطَبِ وَالْخِرْبِزِ وَهُوَ بِكَسْرِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَسُكُونِ الرَّاءِ وَكَسْرِ الْمُوَحَّدَةِ بَعْدَهَا زَايٌ نَوْعٌ مِنَ الْبِطِّيخِ الْأَصْفَرِ، وَقَدْ تَكْبُرُ الْقِثَّاءُ فَتَصْفَرُّ مِنْ شِدَّةِ الْحَرِّ فَتَصِيرُ كَالْخِرْبِزِ كَمَا شَاهَدْتُهُ كَذَلِكَ بِالْحِجَازِ، وَفِي هَذَا تَعَقُّبٌ عَلَى مَنْ زَعَمَ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْبِطِّيخِ فِي الْحَدِيثِ الْأَخْضَرُ، وَاعْتَلَّ بِأَنَّ فِي الْأَصْفَرِ حَرَارَةً كَمَا فِي الرُّطَبِ، وَقَدْ وَرَدَ التَّعْلِيلُ بِأَنَّ أَحَدَهُمَا يُطْفِئُ حَرَارَةَ الْآخَرِ، وَالْجَوَابُ عَنْ ذَلِكَ بِأَنَّ فِي الْأَصْفَرِ بِالنِّسْبَةِ لِلرُّطَبِ بُرُودَةً وَإِنْ كَانَ فِيهِ - لِحَلَاوَتِهِ - طَرَفُ حَرَارَةٍ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَفِي النَّسَائِيِّ أَيْضًا بِسَنَدٍ صَحِيحٍ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ أَكَلَ الْبِطِّيخَ بِالرُّطَبِ وَفِي رِوَايَةٍ لَهُ جَمَعَ بَيْنَ الْبِطِّيخَ وَالرُّطَبِ جَمِيعًا، وَأَخْرَجَ ابْنُ مَاجَهْ عَنْ عَائِشَةَ أَرَادَتْ أُمِّي تُعَالِجُنِي لِلسُّمْنَةِ لِتُدْخِلَنِي عَلَى النَّبِيِّ ﷺ فَمَا اسْتَقَامَ لَهَا ذَلِكَ حَتَّى أَكَلْتُ الرُّطَبَ بِالْقِثَّاءِ فَسَمِنْتُ كَأَحْسَنَ سُمْنَةٍ وَلِلنَّسَائِيِّ مِنْ حَدِيثِهَا لَمَّا تَزَوَّجَنِي النَّبِيُّ ﷺ عَالَجُونِي بِغَيْرِ شَيْءٍ، فَأَطْعَمُونِي الْقِثَّاءَ بِالتَّمْرِ فَسَمِنْتُ عَلَيْهِ كَأَحْسَنِ الشَّحْمِ وَعِنْدَ أَبِي نُعَيْمٍ فِي الطِّبِّ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ أَمَرَ أَبَوَيْهَا بِذَلِكَ وَلِابْنِ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ بُسْرٍ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ كَانَ يُحِبُّ الزُّبْدَ وَالتَّمْرَ الْحَدِيثَ، وَلِأَحْمَدَ مِنْ طَرِيقِ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ دَخَلْتُ عَلَى رَجُلٍ وَهُوَ يَتَمَجَّعُ لَبَنًا بِتَمْرٍ فَقَالَ: ادْنُ، فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ سَمَّاهُمَا الْأَطْيَبَيْنِ وَإِسْنَادُهُ قَوِيٌّ.
قَالَ النَّوَوِيُّ: فِي حَدِيثِ الْبَابِ جَوَازُ أَكْلِ الشَّيْئَيْنِ مِنَ الْفَاكِهَةِ وَغَيْرِهَا مَعًا وَجَوَازُ أَكْلِ طَعَامَيْنِ مَعًا، وَيُؤْخَذُ مِنْهُ جَوَازُ التَّوَسُّعِ فِي الْمَطَاعِمِ، وَلَا خِلَافَ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ فِي جَوَازِ ذَلِكَ. وَمَا نُقِلَ عَنِ السَّلَفِ مِنْ خِلَافِ هَذَا مَحْمُولٌ عَلَى الْكَرَاهَةِ مَنْعًا لِاعْتِيَادِ التَّوَسُّعِ وَالتَّرَفُّهِ وَالْإِكْثَارِ لِغَيْرِ مَصْلَحَةٍ دِينِيَّةٍ، وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ، يُؤْخَذُ مِنْهُ جَوَازُ مُرَاعَاةِ صِفَاتِ الْأَطْعِمَةِ وَطَبَائِعِهَا وَاسْتِعْمَالِهَا عَلَى الْوَجْهِ اللَّائِقِ بِهَا عَلَى قَاعِدَةِ الطِّبِّ، لِأَنَّ فِي الرُّطَبِ حَرَارَةً وَفِي الْقِثَّاءِ بُرُودَةً، فَإِذَا أُكِلَا مَعًا اعْتَدَلَا، وَهَذَا أَصْلٌ كَبِيرٌ فِي الْمُرَكَّبَاتِ مِنَ الْأَدْوِيَةِ. وَتَرْجَمَ أَبُو نُعَيْمٍ فِي الطِّبِّ بَابُ الْأَشْيَاءِ الَّتِي تُؤْكَلُ مَعَ الرُّطَبِ لِيَذْهَبَ ضَرَرُهُ فَسَاقَ هَذَا الْحَدِيثَ، لَكِنْ لَمْ يَذْكُرِ الزِّيَادَةَ الَّتِي تَرْجَمَ بِهَا، وَهِيَ عِنْدَ أَبِي دَاوُدَ فِي حَدِيثِ عَائِشَةَ بِلَفْظِ كَانَ يَأْكُلُ الْبِطِّيخَ بِالرُّطَبِ فَيَقُولُ: يُكْسَرُ حَرُّ هَذَا بِبَرْدِ هَذَا وَبَرْدُ هَذَا بِحَرِّ هَذَا وَالطِّبِّيخُ بِتَقْدِيمِ الطَّاءِ لُغَةً فِي الْبِطِّيخِ بِوَزْنِهِ، وَالْمُرَادُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute