للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وَقَدْ تُكْسَرُ، وَهُوَ عَلَى خِلْقَةِ الْجَرَادَةِ يَصِرُّ فِي اللَّيْلِ صَرَّا شَدِيدًا، وَقِيلَ: إِنَّ ذَكَرَ الْجَرَادِ يُسَمَّى أَيْضًا الْجُنْدُبَ.

قَوْلُهُ: (تَقَعُ فِي النَّارِ) كَذَا فِيهِ، وَإِنَّمَا هُوَ فِي نُسْخَةِ شُعَيْبٍ كَمَا أَخْرَجَهُ أَبُو نُعَيْمٍ فِي الْمُسْتَخْرَجِ: وَهَذِهِ الدَّوَابُّ الَّتِي تَقَعْنَ فِي النَّارِ تَقَعْنَ فِيهَا قَالَ النَّوَوِيُّ: مَقْصُودُ الْحَدِيثِ أَنَّهُ شَبَّهَ الْمُخَالِفِينَ لَهُ بِالْفَرَاشِ وَتَسَاقُطَهُمْ فِي نَارِ الْآخِرَةِ بِتَسَاقُطِ الْفِرَاشِ فِي نَارِ الدُّنْيَا مَعَ حِرْصِهِمْ عَلَى الْوُقُوعِ فِي ذَلِكَ وَمَنْعِهِ إِيَّاهُمْ، وَالْجَامِعُ بَيْنَهُمَا اتِّبَاعُ الْهَوَى وَضَعْفُ التَّمْيِيزِ وَحِرْصُ كُلٍّ مِنَ الطَّائِفَتَيْنِ عَلَى هَلَاكِ نَفْسِهِ. وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرِ بْنُ الْعَرَبِيِّ: هَذَا مَثَلٌ كَثِيرُ الْمَعَانِي، وَالْمَقْصُودُ أَنَّ الْخَلْقَ لَا يَأْتُونَ مَا يَجُرُّهُمْ إِلَى النَّارِ عَلَى قَصْدِ الْهَلَكَةِ، وَإِنَّمَا يَأْتُونَهُ عَلَى قَصْدِ الْمَنْفَعَةِ وَاتِّبَاعِ الشَّهْوَةِ، كَمَا أَنَّ الْفَرَاشَ يَقْتَحِمُ النَّارَ لَا لِيَهْلِكَ فِيهَا بَلْ لِمَا يُعْجِبُهُ مِنَ الضِّيَاءِ. وَقَدْ قِيلَ: إِنَّهَا لَا تُبْصِرُ بِحَالٍ وَهُوَ بَعِيدٌ، وَإِنَّمَا قِيلَ إِنَّهَا تَكُونُ فِي ظُلْمَةٍ فَإِذَا رَأَتِ الضِّيَاءَ اعْتَقَدَتْ أَنَّهَا كُوَّةٌ يَظْهَرُ مِنْهَا النُّورُ فَتَقْصِدُهُ لِأَجْلِ ذَلِكَ فَتَحْتَرِقُ وَهِيَ لَا تَشْعُرُ. وَقِيلَ: إِنَّ ذَلِكَ لِضَعْفِ بَصَرِهَا فَتَظُنُّ أَنَّهَا فِي بَيْتٍ مُظْلِمٍ وَأَنَّ السِّرَاجَ مَثَلًا كُوَّةٌ فَتَرْمِي بِنَفْسِهَا إِلَيْهِ وَهِيَ مِنْ شِدَّةِ طَيَرَانِهَا تُجَاوِزُهُ فَتَقَعُ فِي الظُّلْمَةِ فَتَرْجِعُ إِلَى أَنْ تَحْتَرِقَ. وَقِيلَ: إِنَّهَا تَتَضَرَّرُ بِشِدَّةِ النُّورِ فَتَقْصِدُ إِطْفَاءَهُ فَلِشِدَّةِ جَهْلِهَا تُوَرِّطُ نَفْسَهَا فِيمَا لَا قُدْرَةَ لَهَا عَلَيْهِ، ذَكَرَ مُغَلْطَايْ أَنَّهُ سَمِعَ بَعْضَ مَشَايِخِ الطِّبِّ يَقُولُهُ.

وَقَالَ الْغَزَالِيُّ: التَّمْثِيلُ وَقَعَ عَلَى صُورَةِ الْإِكْبَابِ عَلَى الشَّهَوَاتِ مِنَ الْإِنْسَانِ بِإِكْبَابِ الْفَرَاشِ عَلَى التَّهَافُتِ فِي النَّارِ، وَلَكِنَّ جَهْلَ الْآدَمِيِّ أَشَدُّ مِنْ جَهْلِ الْفَرَاشِ ; لِأَنَّهَا بِاغْتِرَارِهَا بِظَوَاهِرِ الضَّوْءِ إِذَا احْتَرَقَتِ انْتَهَى عَذَابُهَا فِي الْحَالِ، وَالْآدَمِيُّ يَبْقَى فِي النَّارِ مُدَّةً طَوِيلَةً أَوْ أَبْدًا وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ.

قَوْلُهُ: (وَقَالَ كَانَتِ امْرَأَتَانِ) لَيْسَ فِي سِيَاقِ الْبُخَارِيِّ تَصْرِيحٌ بِرَفْعِهِ، وَهُوَ مَرْفُوعٌ عِنْدَهُ عَنْ أَبِي الْيَمَانِ، عَنْ شُعَيْبٍ فِي أَوَاخِرِ كِتَابِ الْفَرَائِضِ أَوْرَدَهُ هُنَاكَ، وَكَذَا هُوَ فِي نُسْخَةِ شُعَيْبٍ عِنْدَ الطَّبَرَانِيِّ وَغَيْرِهِ، وَفِي رِوَايَةِ النَّسَائِيِّ، مِنْ طَرِيقِ عَلِيِّ بْنِ عَيَّاشٍ عَنْ شُعَيْبٍ حَدَّثَنِي أَبُو الزِّنَادِ مِمَّا حَدَّثَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ الْأَعْرَجُ مِمَّا ذَكَرَ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ يُحَدِّثُ بِهِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ قَالَ: بَيْنَمَا امْرَأَتَانِ. قُلْتُ: وَلَمْ أَقِفْ عَلَى اسْمِ وَاحِدَةٍ مِنْ هَاتَيْنِ الْمَرْأَتَيْنِ وَلَا عَلَى اسْمِ وَاحِدٍ مِنَ ابْنَيْهِمَا فِي شَيْءٍ مِنَ الطُّرُقِ.

قَوْلُهُ: (فَتَحَاكَمَا) فِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ فَتَحَاكَمَتَا وَفِي نُسْخَةِ شُعَيْبٍ فَاخْتَصَمَا.

قَوْلُهُ: (فَقَضَى بِهِ لِلْكُبْرَى إِلَخْ) قِيلَ: كَانَ ذَلِكَ عَلَى سَبِيلِ الْفُتْيَا مِنْهُمَا لَا الْحُكْمِ، وَلِذَلِكَ سَاغَ لِسُلَيْمَانَ أَنْ يَنْقُضَهُ. وَتَعَقَّبَهُ الْقُرْطُبِيُّ بِأَنَّ فِي لَفْظِ الْحَدِيثِ أَنَّهُ قَضَى بِأَنَّهُمَا تَحَاكَمَا، وَبِأَنَّ فُتْيَا النَّبِيِّ وَحُكْمَهُ سَوَاءٌ فِي وُجُوبِ تَنْفِيذِ ذَلِكَ. وَقَالَ الدَّاوُدِيُّ: إِنَّمَا كَانَ مِنْهُمَا عَلَى سَبِيلِ الْمُشَاوَرَةِ فَوَضَحَ لِدَاوُدَ صِحَّةُ رَأْيِ سُلَيْمَانَ فَأَمْضَاهُ. وَقَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ: اسْتَوَيَا عِنْدَ دَاوُدَ فِي الْيَدِ، فَقَدَّمَ الْكُبْرَى لِلسِّنِّ. وَتَعَقَّبَهُ الْقُرْطُبِيُّ وَحَكَى أَنَّهُ قِيلَ: كَانَ مِنْ شَرْعِ دَاوُدَ أَنْ يَحْكُمَ لِلْكُبْرَى قَالَ: وَهُوَ فَاسِدٌ لِأَنَّ الْكِبَرَ وَالصِّغَرَ وَصْفٌ طَرْدِيٌّ كَالطُّولِ وَالْقِصَرِ وَالسَّوَادِ وَالْبَيَاضِ، وَلَا أَثَرَ لِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ فِي التَّرْجِيحِ، قَالَ: وَهَذَا مِمَّا يَكَادُ يُقْطَعُ بِفَسَادِهِ.

قَالَ: وَالَّذِي يَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ إِنَّ دَاوُدَ قَضَى بِهِ لِلْكُبْرَى لِسَبَبٍ اقْتَضَى بِهِ عِنْدَهُ تَرْجِيحَ قَوْلِهَا، إِذْ لَا بَيِّنَةَ لِوَاحِدَةٍ مِنْهُمَا، وَكَوْنُهُ لَمْ يُعَيِّنْ فِي الْحَدِيثِ اخْتِصَارًا لَا يَلْزَمُ مِنْهُ عَدَمُ وُقُوعِهِ، فَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ: إِنَّ الْوَلَدَ الْبَاقِيَ كَانَ فِي يَدِ الْكُبْرَى وَعَجَزَتِ الْأُخْرَى عَنْ إِقَامَةِ الْبَيِّنَةِ قَالَ: وَهَذَا تَأْوِيلٌ حَسَنٌ جَارٍ عَلَى الْقَوَاعِدِ الشَّرْعِيَّةِ وَلَيْسَ فِي السِّيَاقِ مَا يَأْبَاهُ وَلَا يَمْنَعُهُ، فَإِنْ قِيلَ فَكَيْفَ سَاغَ لِسُلَيْمَانَ نَقْضُ حُكْمِهِ فَالْجَوَابُ أَنَّهُ لَمْ يَعْمَدْ إِلَى نَقْضِ الْحُكْمِ، وَإِنَّمَا احْتَالَ بِحِيلَةٍ لَطِيفَةٍ أَظْهَرَتْ مَا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ، وَذَلِكَ أَنَّهُمَا لَمَّا أَخْبَرَتَا سُلَيْمَانَ بِالْقِصَّةِ فَدَعَا بِالسِّكِّينِ لِيَشُقَّهُ بَيْنَهُمَا، وَلَمْ يَعْزِمْ عَلَى ذَلِكَ فِي الْبَاطِنِ، وَإِنَّمَا أَرَادَ اسْتِكْشَافَ الْأَمْرِ، فَحَصَلَ مَقْصُودُهُ لِذَلِكَ لِجَزَعِ الصُّغْرَى الدَّالِّ عَلَى عَظِيمِ الشَّفَقَةِ، وَلَمْ يَلْتَفِتْ إِلَى إِقْرَارِهَا بِقَوْلِهَا هُوَ ابْنُ الْكُبْرَى لِأَنَّهُ عَلِمَ أَنَّهَا