للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

أَنَّ ذَلِكَ كَانَ فِي سَنَةِ خَمْسٍ وَسِتِّينَ مِنَ الْهِجْرَةِ، وَكَانَ الْخَوَارِجُ قَدْ حَاصَرُوا أَهْلَ الْبَصْرَةِ مَعَ نَافِعِ بْنِ الْأَزْرَقِ حَتَّى قُتِلَ وَقُتِلَ مِنْ أُمَرَاءِ الْبَصْرَةِ جَمَاعَةٌ إِلَى أَنْ وَلَّى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ، الْحَارِثَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي رَبِيعَةَ الْمَخْزُومِيَّ عَلَى الْبَصْرَةِ، وَوَلَّى الْمُهَلَّبَ بْنَ أَبِي صُفْرَةَ عَلَى قِتَالِ الْخَوَارِجِ، وَكَذَا ذَكَرَ الْمُبَرِّدُ فِي الْكَامِلِ نَحْوَهُ. وَهُوَ يُعَكِّرُ عَلَى مَنْ أَرَّخَ وَفَاةَ أَبِي بَرْزَةَ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَسِتِّينَ أَوْ قَبْلَهَا.

قَوْلُهُ: (عَلَى جُرُفِ نَهْرٍ) هُوَ بِضَمِّ الْجِيمِ وَالرَّاءِ بَعْدَهَا فَاءٌ، وَقَدْ تَسْكُنُ الرَّاءُ، وَهُوَ الْمَكَانُ الَّذِي أَكَلَهُ السَّيْلُ. وَلِلْكُشْمِيهَنِيِّ بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ الرَّاءِ؛ أَيْ جَانِبِهِ، وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ، عَنِ الْأَزْرَقِ فِي الْأَدَبِ: كُنَّا عَلَى شَاطِئِ نَهْرٍ قَدْ نَضَبَ عَنْهُ الْمَاءُ؛ أَيْ زَالَ، وَهُوَ يُقَوِّي رِوَايَةَ الْكُشْمِيهَنِيِّ، وَفِي رِوَايَةِ مَهْدِيِّ بْنِ مَيْمُونٍ، عَنِ الْأَزْرَقِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ قُدَامَةَ: كُنْتُ فِي ظِلِّ قَصْرِ مِهْرَانَ بِالْأَهْوَازِ عَلَى شَاطِئِ دُجَيْلٍ. وَعُرِفَ بِهَذَا تَسْمِيَةُ النَّهْرِ الْمَذْكُورِ، وَهُوَ بِالْجِيمِ مُصَغَّر.

قَوْلُهُ: (إِذَا رَجُلٌ) فِي رِوَايَةِ الْحَمَوِيِّ، وَالْكُشْمِيهَنِيِّ: إِذْ جَاءَ رَجُلٌ.

قَوْلُهُ: (قَالَ شُعْبَةُ هُوَ أَبُو بَرْزَةَ الْأَسْلَمِيُّ) أَيِ الرَّجُلُ الْمُصَلِّي، وَظَاهِرُهُ أَنَّ الْأَزْرَقَ لَمْ يُسَمِّهِ لِشُعْبَةَ، وَلَكِنْ رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ فِي مُسْنَدِهِ عَنْ شُعْبَةَ، فَقَالَ فِي آخِرِهِ: فَإِذَا هُوَ أَبُو بَرْزَةَ الْأَسْلَمِيُّ. وَفِي رِوَايَةِ عَمْرِو بْنِ مَرْزُوقٍ عِنْدَ الْإِسْمَاعِيلِيِّ:. فَجَاءَ أَبُو بَرْزَةَ. وَفِي رِوَايَةِ حَمَّادٍ فِي الْأَدَبِ: فَجَاءَ أَبُو بَرْزَةَ الْأَسْلَمِيُّ عَلَى فَرَسٍ، فَصَلَّى وَخَلَّاهَا، فَانْطَلَقَتْ فَاتَّبَعَهَا. وَرَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الْأَزْرَقِ بْنِ قَيْسٍ: إِنَّ أَبَا بَرْزَةَ الْأَسْلَمِيَّ مَشَى إِلَى دَابَّتِهِ وَهُوَ فِي الصَّلَاةِ، الْحَدِيثَ. وَبَيَّنَ مَهْدِيُّ بْنُ مَيْمُونٍ فِي رِوَايَتِهِ أَنَّ تِلْكَ الصَّلَاةَ كَانَتْ صَلَاةَ الْعَصْرِ، وَفِي رِوَايَةِ عَمْرِو بْنِ مَرْزُوقٍ عِنْدَ الْإِسْمَاعِيلِيِّ فَمَضَتِ الدَّابَّةُ فِي قِبْلَتِهِ، فَانْطَلَقَ فَأَخَذَهَا، ثُمَّ رَجَعَ الْقَهْقَرَى.

قَوْلُهُ: (فَجَعَلَ رَجُلٌ مِنَ الْخَوَارِجِ يَقُولُ: اللَّهُمَّ افْعَلْ بِهَذَا الشَّيْخِ) فِي رِوَايَةِ الطَّيَالِسِيِّ: فَإِذَا بِشَيْخٍ يُصَلِّي قَدْ عَمَدَ إِلَى عِنَانِ دَابَّتِهِ، فَجَعَلَهُ فِي يَدِهِ، فَنَكَصَتِ الدَّابَّةُ، فَنَكَصَ مَعَهَا، وَمَعَنَا رَجُلٌ مِنَ الْخَوَارِجِ فَجَعَلَ يَسُبُّهُ. وَفِي رِوَايَةِ مَهْدِيٍّ أَنَّهُ قَالَ: أَلَا تَرَى إِلَى هَذَا الْحِمَارِ، وَفِي رِوَايَةِ حَمَّادٍ: فَقَالَ: انْظُرُوا إِلَى هَذَا الشَّيْخِ، تَرَكَ صَلَاتَهُ مِنْ أَجْلِ فَرَسٍ.

قَوْلُهُ: (أَوْ ثَمَانِيًا) كَذَا لِلْكُشْمِيهَنِيِّ، وَفِي رِوَايَةِ غَيْرِهِ: أَوْ ثَمَانِيَ بِغَيْرِ أَلِفٍ وَلَا تَنْوِينٍ، وَقَالَ ابْنُ مَالِكٍ فِي شَرْحِ التَّسْهِيلِ: الْأَصْلُ أَوْ ثَمَانِيَ غَزَوَاتٍ، فَحَذَفَ الْمُضَافَ، وَأَبْقَى الْمُضَافَ إِلَيْهِ عَلَى حَالِهِ، وَقَدْ رَوَاهُ عَمْرُو بْنُ مَرْزُوقٍ بِلَفْظِ: سَبْعَ غَزَوَاتٍ بِغَيْرِ شَكٍّ.

قَوْلُهُ: (وَشَهِدْتُ تَيْسِيرَهُ) كَذَا فِي جَمِيعِ الْأُصُولِ وَفِي جَمِيعِ الطُّرُقِ: مِنَ التَّيْسِيرِ، وَحَكَى ابْنُ التِّينِ، عَنِ الدَّاوُدِيِّ أَنَّهُ وَقَعَ عِنْدَهُ: وَشَهِدْتُ تُسْتَرَ بِضَمِّ الْمُثَنَّاةِ وَسُكُونِ الْمُهْمَلَةِ، وَفَتْحِ الْمُثَنَّاةِ، وَقَالَ: مَعْنَى شَهِدْتُ تُسْتَرَ؛ أَيْ فَتْحَهَا، وَكَانَ فِي زَمَنِ عُمَرَ. انْتَهَى. وَلَمْ أَرَ ذَلِكَ فِي شَيْءٍ مِنَ الْأُصُولِ، وَمُقْتَضَاهُ، أَنْ لَا يَبْقَى فِي الْقِصَّةِ شَائِبَةُ رَفْعٍ، بِخِلَافِ الرِّوَايَةِ الْمَحْفُوظَةِ، فَإِنَّ فِيهَا إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ ذَلِكَ كَانَ مِنْ شَأْنِ النَّبِيِّ تَجْوِيزُ مِثْلِهِ، وَزَادَ عَمْرُو بْنُ مَرْزُوقٍ فِي آخِرِهِ: قَالَ: فَقُلْتُ لِلرَّجُلِ: مَا أَرَى اللَّهَ إِلَّا مُخْزِيكَ، شَتَمْتَ رَجُلًا مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ . وَفِي رِوَايَةِ مَهْدِيِّ بْنِ مَيْمُونٍ: فَقُلْتُ: اسْكُتْ، فَعَلَ اللَّهُ بِكَ، هَلْ تَدْرِي مَنْ هَذَا؟ هُوَ أَبُو بَرْزَةَ صَاحِبُ رَسُولِ اللَّهِ . وَلَمْ أَقِفْ فِي شَيْءٍ مِنَ الطَّرْقِ عَلَى تَسْمِيَةِ الرَّجُلِ الْمَذْكُورِ.

وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ مِنَ الْفَوَائِدِ جَوَازُ حِكَايَةِ الرَّجُلِ مَنَاقِبَهُ إِذَا احْتَاجَ إِلَى ذَلِكَ، وَلَمْ يَكُنْ فِي سِيَاقِ الْفَخْرِ، وَأَشَارَ أَبُو بَرْزَةَ بِقَوْلِهِ: وَرَأَيْتُ تَيْسِيرَهُ. إِلَى الرَّدِّ عَلَى مَنْ شَدَّدَ عَلَيْهِ فِي أَنْ يَتْرُكَ دَابَّتَهُ تَذْهَبُ، وَلَا يَقْطَعُ صَلَاتَهُ، وَفِيهِ حُجَّةٌ لِلْفُقَهَاءِ فِي قَوْلِهِمْ: إنَّ كُلَّ شَيْءٍ يُخْشَى إِتْلَافُهُ مِنْ مَتَاعٍ وَغَيْرِهِ يَجُوزُ قَطْعُ الصَّلَاةِ لِأَجْلِهِ.

وَقَوْلُهُ: مَأْلَفِهَا يَعْنِي الْمَوْضِعَ الَّذِي أَلِفَتْهُ وَاعْتَادَتْهُ، وَهَذَا بِنَاءً عَلَى غَالِبِ أَمْرِهَا، وَمِنَ الْجَائِزِ أَنْ لَا تَرْجِعَ إِلَى مَأْلَفِهَا، بَلْ تَتَوَجَّهُ إِلَى حَيْثُ لَا يَدْرِي بِمَكَانِهَا، فَيَكُونُ فِيهِ تَضْيِيعُ الْمَالِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ.

(تَنْبِيهٌ): ظَاهِرُ سِيَاقِ هَذِهِ الْقِصَّةِ أَنَّ أَبَا