للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

فَرْطُ الْإِنَارَةِ.

قَوْلُهُ: ﴿فَلَمَّا أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهُ﴾ اخْتَصَرَهَا الْمُؤَلِّفُ هُنَاكَ وَنَسَبْتُهَا أَنَا لِتَخْرِيجِ أَحْمَدَ، وَمُسْلِمٍ مِنْ طَرِيقِ هَمَّامٍ وَهِيَ فِي رِوَايَةِ شُعَيْبٍ كَمَا تَرَى، وَكَأَنَّهُ تَبَرَّكَ بِلَفْظِ الْآيَةِ. وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ مَا حَوْلَهَا وَالضَّمِيرُ لِلنَّارِ، وَالْأَوَّلُ لِلَّذِي أَوْقَدَ النَّارَ، وَحَوْلُ الشَّيْءِ جَانِبُهُ الَّذِي يُمْكِنُ أَنْ يَنْتَقِلَ إِلَيْهِ، وَسُمِّيَ بِذَلِكَ إِشَارَةً إِلَى الدَّوَرَانِ، وَمِنْهُ قِيلَ لِلْعَامِ حَوْلٌ.

قَوْلُهُ: (الْفَرَاش) جَزَمَ الْمَازِرِيُّ بِأَنَّهَا الْجَنَادِبُ، وَتَعَقَّبَهُ عِيَاضٌ فَقَالَ: الْجُنْدُبُ هُوَ الصِّرَارُ. قُلْتُ: وَالْحَقُّ أَنَّ الْفَرَاشَ اسْمٌ لِنَوْعٍ مِنَ الطَّيْرِ مُسْتَقِلٌّ لَهُ أَجْنِحَةٌ أَكْبَرُ مِنْ جُثَّتِهِ، وَأَنْوَاعُهُ مُخْتَلِفَةٌ فِي الْكِبَرِ وَالصِّغَرِ، وَكَذَا أَجْنِحَتُهُ، وَعَطْفُ الدَّوَابِّ عَلَى الْفَرَاشِ يُشْعِرُ بِأَنَّهَا غَيْرُ الْجَنَادِبِ وَالْجَرَادِ، وَأَغْرَبَ ابْنُ قُتَيْبَةَ فَقَالَ: الْفَرَاشُ مَا تَهَافَتَ فِي النَّارِ مِنَ الْبَعُوضِ، وَمُقْتَضَاهُ أَنَّ بَعْضَ الْبَعُوضِ هُوَ الَّذِي يَقَعُ فِي النَّارِ وَيُسَمَّى حِينَئِذٍ الْفَرَاشُ، وَقَالَ الْخَلِيلُ: الْفَرَاشُ كَالْبَعُوضِ، وَإِنَّمَا شَبَّهَهُ بِهِ لِكَوْنِهِ يُلْقِي نَفْسَهُ فِي النَّارِ لَا أَنَّهُ يُشَارِكُ الْبَعُوضَ فِي الْقَرْصِ.

قَوْلُهُ: وَهَذِهِ الدَّوَابُّ الَّتِي تَقَعُ فِي النَّارِ يَقَعْنَ فِيهَا الْقَوْلُ فِيهِ كَالْقَوْلِ فِي الَّذِي قَبْلَهُ، اخْتَصَرَهُ هُنَاكَ فَنِسْبَتُهُ لِتَخْرِيجِ أَبِي نُعَيْمٍ، وَهُوَ فِي رِوَايَةِ شُعَيْبٍ كَمَا تَرَى، وَيَدْخُلُ فِيمَا يَقَعُ فِي النَّارِ الْبَعُوضُ وَالْبَرْغَشُ، وَوَقَعَ فِي كَلَامِ بَعْضِ الشُّرَّاحِ الْبَقُّ وَالْمُرَادُ بِهِ الْبَعُوضُ.

قَوْلُهُ: (فَجَعَلَ) فِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ وَجَعَلَ وَمِنْ هَذِهِ الْكَلِمَةِ إِلَى آخِرِ الْحَدِيثِ لَمْ يَذْكُرْهُ الْمُصَنِّفُ هُنَاكَ.

قَوْلُهُ: فَجَعَلَ الرَّجُلُ يَزَعُهُنَّ بِفَتْحِ التَّحْتَانِيَّةِ وَالزَّايِ وَضَمِّ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ أَيْ يَدْفَعُهُنَّ، وَفِي رِوَايَةِ يَنْزِعُهُنَّ بِزِيَادَةِ نُونٍ، وَعِنْدَ مُسْلِمٍ مِنْ طَرِيقِ هَمَّامٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَجَعَلَ يَحْجِزُهُنَّ وَيَغْلِبْنَهُ فَيَتَقَحَّمْنَ فِيهَا.

قَوْلُهُ: فَيَقْتَحِمْنَ فِيهَا أَيْ يَدْخُلْنَ، وَأَصْلُهُ الْقَحْمُ وَهُوَ الْإِقْدَامُ وَالْوُقُوعُ فِي الْأُمُورِ الشَّاقَّةِ مِنْ غَيْرِ تَثَبُّتٍ، وَيُطْلَقُ عَلَى رَمْيِ الشَّيْءِ بَغْتَةً، وَاقْتَحَمَ الدَّارَ هَجَمَ عَلَيْهَا.

قَوْلُهُ: فَأَنَا آخِذٌ قَالَ النَّوَوِيُّ: رُوِيَ بِاسْمِ الْفَاعِلِ، وَيُرْوَى بِصِيغَةِ الْمُضَارَعَةِ مِنَ الْمُتَكَلِّمِ. قُلْتُ: هَذَا فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ، وَالْأَوَّلُ هُوَ الَّذِي وَقَعَ فِي الْبُخَارِيِّ. وَقَالَ الطِّيبِيُّ: الْفَاءُ فِيهِ فَصَيْحَةٌ كَأَنَّهُ لَمَّا قَالَ مَثَلِي وَمَثَلُ النَّاسِ إِلَخْ أَتَى بِمَا هُوَ أَهَمُّ وَهُوَ قَوْلُهُ: فَأَنَا آخِذٌ بِحُجَزِكُمْ، وَمِنْ هَذِهِ الدَّقِيقَةِ الْتَفَتَ مِنَ الْغِيبَةِ فِي قَوْلِهِ: مَثَلُ النَّاسِ إِلَى الْخِطَابِ فِي قَوْلِهِ: بِحُجَزِكُمْ كَمَا أَنَّ مَنْ أَخَذَ فِي حَدِيثِ مَنْ لَهُ بِشَأْنِهِ عِنَايَةٌ وَهُوَ مُشْتَغِلٌ فِي شَيْءٍ يُوَرِّطُهُ فِي الْهَلَاكِ يَجِدُ لِشِدَّةِ حِرْصِهِ عَلَى نَجَاتِهِ أَنَّهُ حَاضِرٌ عِنْدَهُ، وَفِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ الْإِنْسَانَ إِلَى النَّذِيرِ أَحْوَجُ مِنْهُ إِلَى الْبَشِيرِ ; لِأَنَّ جِبِلَّتَهُ مَائِلَةٌ إِلَى الْحَظِّ الْعَاجِلِ دُونَ الْحَظِّ الْآجِلِ، وَفِي الْحَدِيثِ مَا كَانَ فِيهِ مِنَ الرَّأْفَةِ وَالرَّحْمَةِ وَالْحِرْصِ عَلَى نَجَاةِ الْأُمَّةِ، كَمَا قَالَ - تَعَالَى - ﴿حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ﴾

قَوْلُهُ: بِحُجَزِكُمْ بِضَمِّ الْمُهْمَلَةِ وَفَتْحِ الْجِيمِ بَعْدَهَا زَايٌ جَمْعُ حُجْزَةٍ وَهِيَ مَعْقِدُ الْإِزَارِ، وَمِنَ السَّرَاوِيلِ مَوْضِعُ التِّكَّةِ، وَيَجُوزُ ضَمُّ الْجِيمِ فِي الْجَمْعِ.

قَوْلُهُ: (عَنِ النَّارِ) وَضَعَ الْمُسَبَّبَ مَوْضِعَ السَّبَبِ لِأَنَّ الْمُرَادَ أَنَّهُ يَمْنَعُهُمْ مِنَ الْوُقُوعِ فِي الْمَعَاصِي الَّتِي تَكُونُ سَبَبًا لِوُلُوجِ النَّارِ.

قَوْلُهُ: (وَأَنْتُمْ) فِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ وَهُمْ وَعَلَيْهَا شَرْحُ الْكِرْمَانِيِّ فَقَالَ: كَانَ الْقِيَاسُ أَنْ يَقُولَ: وَأَنْتُمْ، وَلَكِنَّهُ قَالَ: وَهُمْ وَفِيهِ الْتِفَاتٌ، وَفِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ مَنْ أَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ بِحُجْزَتِهِ لَا اقْتِحَامَ لَهُ فِيهَا، قَالَ: وَفِيهِ أَيْضًا احْتِرَازٌ عَنْ مُوَاجَهَتِهِمْ بِذَلِكَ. قُلْتُ: وَالرِّوَايَةُ بِلَفْظِ وَأَنْتُمْ ثَابِتَةٌ تَدْفَعُ هَذَا. وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ وَأَنْتُمْ تَفْلِتُونَ بِفَتْحِ أَوَّلِهِ وَالْفَاءِ وَاللَّامِ الثَّقِيلَةِ وَأَصْلُهُ تَتَفَلَّتُونَ، وَبِضَمِّ أَوَّلِهِ وَسُكُونِ الْفَاءِ وَفَتْحِ اللَّامِ ضَبَطُوهُ بِالْوَجْهَيْنِ وَكِلَاهُمَا صَحِيحٌ، تَقُولُ: تَفَلَّتَ مِنِّي وَأَفْلَتَ مِنِّي لِمَنْ كَانَ بِيَدِكَ فَعَالَجَ الْهَرَبَ مِنْكَ حَتَّى هَرَبَ، وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُ هَذَا التَّمْثِيلِ، وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ شَبَّهَ تَهَافُتُ أَصْحَابِ الشَّهَوَاتِ فِي الْمَعَاصِي الَّتِي تَكُونُ سَبَبًا فِي الْوُقُوعِ فِي النَّارِ بِتَهَافُتِ الْفَرَاشِ بِالْوُقُوعِ فِي النَّارِ اتِّبَاعًا لِشَهَوَاتِهَا، وَشَبَّهَ ذَبَّهُ الْعُصَاةَ عَنِ الْمَعَاصِي بِمَا حَذَّرَهُمْ بِهِ وَأَنْذَرَهُمْ بِذَبِّ صَاحِبِ النَّارِ الْفَرَاشَ عَنْهَا. وَقَالَ عِيَاضٌ: شَبَّهَ