مُجَاهِدٌ: ﴿ثَانِيَ عِطْفِهِ﴾ مُسْتَكْبِرًا فِي نَفْسِهِ، عِطْفُهُ رَقَبَتُهُ) وَصَلَهُ الْفِرْيَابِيُّ، عَنْ وَرْقَاءَ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ فِي قَوْلِهِ - تَعَالَى - ﴿ثَانِيَ عِطْفِهِ﴾ قَالَ: رَقَبَتُهُ، وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ مِنْ طَرِيقِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ ﴿ثَانِيَ عِطْفِهِ﴾ قَالَ: مُسْتَكْبِرًا فِي نَفْسِهِ، وَمَنْ طَرِيقِ قَتَادَةَ قَالَ: لَاوِي عُنُقَهُ. وَمِنْ طَرِيقِ السُّدِّيِّ ﴿ثَانِيَ عِطْفِهِ﴾ أَيْ مُعْرِضٌ مِنَ الْعَظَمَةِ. وَمَنْ طَرِيقِ أَبِي صُخَرٍ الْمَدَنِيِّ، قَالَ: كَانَ مُحَمَّدُ بْنُ كَعْبٍ يَقُولُ: هُوَ الرَّجُلُ يَقُولُ: هَذَا شَيْءٌ ثَنَيْتُ عَلَيْهِ رِجْلِي، فَالْعِطْفُ هُوَ الرِّجْلُ، قَالَ أَبُو صَخْرٍ: وَالْعَرَبُ تَقُولُ الْعِطْفُ الْعُنُقُ. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ مُجَاهِدٍ أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي النَّضْرِ بْنِ الْحَارِثِ. ثم ذكر فيه حديثين: أحدهما حَدِيثُ حَارِثَةَ بْنِ وَهْبٍ، وَقَدْ تَقَدَّمَ شَرْحُهُ فِي تَفْسِيرِ سُورَةِ ن، وَالْغَرَضُ مِنْهُ وَصْفُ الْمُسْتَكْبِرِ بِأَنَّهُ مِنْ أَهْلِ النَّارِ. وَقَوْلُهُ: أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِأَهْلِ الْجَنَّةِ؟ كُلُّ ضَعِيفٍ. هُوَ بِرَفْعِ كُلُّ لِأَنَّ التَّقْدِيرَ هُمْ كُلُّ ضَعِيفٍ إِلَخْ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ بَدَلًا مِنْ أَهْلِ.
ثَانِيهِمَا حَدِيثُ أَنَسٍ:
قَوْلُهُ: (وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى) أَيِ ابْنُ أَبِي نَجِيحٍ الْمَعْرُوفُ بِابْنِ الطَّبَّاعِ بِمُهْمَلَةٍ مَفْتُوحَةٍ وَمُوَحَّدَةٍ ثَقِيلَةٍ، وَهُوَ أَبُو جَعْفَرٍ الْبَغْدَادِيُّ نَزِيلُ أَذَنَه بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَالْمُعْجَمَةِ وَالنُّونِ، وَهُوَ ثِقَةٌ عَالِمٌ بِحَدِيثِ هُشَيْمٍ حَتَّى قَالَ عَلِيُّ بْنُ الْمَدِينِيِّ: سَمِعْتُ يَحْيَى الْقَطَّانَ، وَابْنَ مَهْدِيٍّ يَسْأَلَانِهِ عَنْ حَدِيثِ هُشَيْمٍ، وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى بْنِ الطَّبَّاعِ الثِّقَةُ الْمَأْمُونُ، وَرَجَّحَهُ عَلَى أَخِيهِ إِسْحَاقَ بْنِ عِيسَى، وَإِسْحَاقُ أَكْبرُ مِنْ مُحَمَّدٍ. قَالَ أَبُو دَاوُدَ: كَانَ يَتَفَقَّهُ، وَكَانَ يَحْفَظُ نَحْوَ أَرْبَعِينَ أَلْفَ حَدِيثٍ، وَمَاتَ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَعِشْرِينَ وَمِائَتَيْنِ، وَحَدَّثَ عَنْهُ أَبُو دَاوُدَ بِلَا وَاسِطَةٍ. وَأَخْرَجَ التِّرْمِذِيُّ فِي الشَّمَائِلِ وَالنَّسَائِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِهِ بِوَاسِطَةٍ، وَلَمْ أَرَ لَهُ فِي الْبُخَارِيِّ سِوَى هَذَا الْمَوْضِعِ وَمَوْضِعٍ آخَرَ فِي الْحَجِّ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى: حَدَّثَنَا، قَالَ حَمَّادٌ: وَلَمْ أَرَ فِي شَيْءٍ مِنْ نُسَخِ الْبُخَارِيِّ تَصْرِيحَهُ عَنْهُ بِالتَّحْدِيثِ، وَقَدْ قَالَ أَبُو نُعَيْمٍ بَعْدَ تَخْرِيجِهِ ذَكَرَهُ الْبُخَارِيُّ بِلَا رِوَايَةٍ، وَأَمَّا الْإِسْمَاعِيلِيُّ فَإِنَّهُ قَالَ: قَالَ الْبُخَارِيُّ: قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى فَذَكَرَهُ وَلَمْ يُخَرِّجْ لَهُ سَنَدًا، وَقَدْ ضَاقَ مَخْرَجُهُ عَلَى أَبِي نُعَيْمٍ أَيْضًا، فَسَاقَهُ فِي مُسْتَخْرَجِهِ مِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ، وَغَفَلَ عَنْ كَوْنِهِ فِي مُسْنَدِ أَحْمَدَ.
وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ، عَنْ هُشَيْمٍ شَيْخِ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى فِيهِ، وَإِنَّمَا عَدَلَ الْبُخَارِيُّ عَنْ تَخْرِيجِهِ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ لِتَصْرِيحِ حُمَيْدٍ فِي رِوَايَةِ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى بِالتَّحْدِيثِ، فَإِنَّهُ عِنْدَهُ عَنْ هُشَيْمٍ: أَنْبَأَنَا حُمَيْدٌ، عَنْ أَنَسٍ وَحُمَيْدٌ مُدَلِّسٌ، وَالْبُخَارِيُّ يُخَرِّجُ لَهُ مَا صَرَّحَ فِيهِ بِالتَّحْدِيثِ.
قَوْلُهُ: (فَتَنْطَلِقُ بِهِ حَيْثُ شَاءَتْ) فِي رِوَايَةِ أَحْمَدَ فَتَنْطَلِقُ بِهِ فِي حَاجَتِهَا، وَلَهُ مِنْ طَرِيقِ عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ أَنَسٍ: إِنْ كَانَتِ الْوَلِيدَةُ مِنْ وَلَائِدِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ لَتَجِيءُ فَتَأْخُذُ بِيَدِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، فَمَا يَنْزِعُ يَدَهُ مِنْ يَدِهَا حَتَّى تَذْهَبَ بِهِ حَيْثُ شَاءَتْ. وَأَخْرَجَهُ ابْنُ مَاجَهْ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ، وَالْمَقْصُودُ مِنَ الْأَخْذِ بِالْيَدِ لَازِمُهُ وَهُوَ الرِّفْقُ وَالِانْقِيَادُ. وَقَدِ اشْتَمَلَ عَلَى أَنْوَاعٍ مِنَ الْمُبَالَغَةِ فِي التَّوَاضُعِ لِذِكْرِهِ الْمَرْأَةَ دُونَ الرَّجُلِ، وَالْأَمَةَ دُونَ الْحُرَّةِ، وَحَيْثُ عَمَّمَ بِلَفْظِ الْإِمَاءِ أَيَّ أَمَةٍ كَانَتْ، وَبِقَوْلِهِ حَيْثُ شَاءَتْ أَيْ مِنَ الْأَمْكِنَةِ. وَالتَّعْبِيرُ بِالْأَخْذِ بِالْيَدِ إِشَارَةٌ إِلَى غَايَةِ التَّصَرُّفِ حَتَّى لَوْ كَانَتْ حَاجَتُهَا خَارِجَ الْمَدِينَةِ، وَالْتَمَسَتْ مِنْهُ مُسَاعَدَتَهَا فِي تِلْكَ الْحَاجَةِ لساعد عَلَى ذَلِكَ، وَهَذَا دَالٌّ عَلَى مَزِيدِ تَوَاضُعِهِ وَبَرَاءَتِهِ مِنْ جَمِيعِ أَنْوَاعِ الْكِبْرِ ﷺ. وَقَدْ وَرَدَ فِي ذَمِّ الْكِبْرِ وَمَدْحِ التَّوَاضُعِ أَحَادِيثُ، مِنْ أَصَحِّهَا مَا أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ: قَالَ لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ مِنْ كِبْرٍ.
فَقِيلَ: إِنَّ الرَّجُلَ يُحِبُّ أَنْ يَكُونَ ثَوْبُهُ حَسَنًا وَنَعْلُهُ حَسَنًا، قَالَ: الْكِبْرُ بَطَرُ الْحَقِّ وَغَمْطُ النَّاسِ، وَالْغَمْطُ بِفَتْحِ الْمُعْجَمَةِ وَسُكُونِ الْمِيمِ بَعْدَهَا مُهْمَلَةٌ هُوَ الِازْدِرَاءُ وَالِاحْتِقَارُ، وَقَدْ أَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ بِلَفْظٍ الْكِبْرُ مَنْ بَطِرَ الْحَقَّ وَازْدَرَى النَّاسَ، وَالسَّائِلُ الْمَذْكُورُ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ ثَابِتَ بْنَ قَيْسٍ؛ فَقَدْ رَوَى الطَّبَرَانِيُّ بِسَنَدٍ حَسَنٍ عَنْهُ أَنَّهُ سَأَلَ عَنْ ذَلِكَ، وَكَذَا أَخْرَجَ مِنْ حَدِيثِ سَوَادِ بْنِ عَمْرٍو أَنَّهُ سَأَلَ عَنْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute