ذَكَرَتَا كَنِيسَةً رَأَيْنَهَا بِالْحَبَشَةِ فِيهَا تَصَاوِيرُ فَذَكَرَتَا لِلنَّبِيِّ ﷺ فَقَالَ: إِنَّ أُولَئِكَ إِذَا كَانَ فِيهِمْ الرَّجُلُ الصَّالِحُ فَمَاتَ بَنَوْا عَلَى قَبْرِهِ مَسْجِدًا وَصَوَّرُوا فِيهِ تِلْكَ الصُّوَرَ، فَأُولَئِكَ شِرَارُ الْخَلْقِ عِنْدَ اللَّهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ.
[الحديث ٤٢٧ - أطرافه في: ٣٨٧٨، ١٣٤١، ٤٣٤]
٤٢٨ - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ قَالَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ عَنْ أَبِي التَّيَّاحِ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ قَدِمَ النَّبِيُّ ﷺ الْمَدِينَةَ فَنَزَلَ أَعْلَى الْمَدِينَةِ فِي حَيٍّ يُقَالُ لَهُمْ بَنُو عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ فَأَقَامَ النَّبِيُّ ﷺ فِيهِمْ أَرْبَعَ عَشْرَةَ لَيْلَةً ثُمَّ أَرْسَلَ إِلَى بَنِي النَّجَّارِ فَجَاءُوا مُتَقَلِّدِي السُّيُوفِ كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى النَّبِيِّ ﷺ عَلَى رَاحِلَتِهِ وَأَبُو بَكْرٍ رِدْفُهُ وَمَلَا بَنِي النَّجَّارِ حَوْلَهُ حَتَّى أَلْقَى بِفِنَاءِ أَبِي أَيُّوبَ وَكَانَ يُحِبُّ أَنْ يُصَلِّيَ حَيْثُ أَدْرَكَتْهُ الصَّلَاةُ وَيُصَلِّي فِي مَرَابِضِ الْغَنَمِ وَأَنَّهُ أَمَرَ بِبِنَاءِ الْمَسْجِدِ فَأَرْسَلَ إِلَى مَلَا مِنْ بَنِي النَّجَّارِ فَقَالَ يَا بَنِي النَّجَّارِ ثَامِنُونِي بِحَائِطِكُمْ هَذَا قَالُوا لَا وَاللَّهِ لَا نَطْلُبُ ثَمَنَهُ إِلاَّ إِلَى اللَّهِ فَقَالَ أَنَسٌ فَكَانَ فِيهِ مَا أَقُولُ لَكُمْ قُبُورُ الْمُشْرِكِينَ وَفِيهِ خَرِبٌ وَفِيهِ نَخْلٌ فَأَمَرَ النَّبِيُّ ﷺ بِقُبُورِ الْمُشْرِكِينَ فَنُبِشَتْ ثُمَّ بِالْخَرِبِ فَسُوِّيَتْ وَبِالنَّخْلِ فَقُطِعَ فَصَفُّوا النَّخْلَ قِبْلَةَ الْمَسْجِدِ وَجَعَلُوا عِضَادَتَيْهِ الْحِجَارَةَ وَجَعَلُوا يَنْقُلُونَ الصَّخْرَ وَهُمْ يَرْتَجِزُونَ وَالنَّبِيُّ ﷺ مَعَهُمْ وَهُوَ يَقُولُ:
اللَّهُمَّ لَا خَيْرَ إِلاَّ خَيْرُ الْآخِرَهْ … فَاغْفِرْ لِلْأَنْصَارِ وَالْمُهَاجِرَهْ
قَوْلُهُ: (بَابُ هَلْ تُنْبَشُ قُبُورُ مُشْرِكِي الْجَاهِلِيَّةِ) أَيْ دُونَ غَيْرِهَا مِنْ قُبُورِ الْأَنْبِيَاءِ وَأَتْبَاعِهِمْ لِمَا فِي ذَلِكَ مِنَ الْإِهَانَةِ لَهُمْ، بِخِلَافِ الْمُشْرِكِينَ فَإِنَّهُمْ لَا حُرْمَةَ لَهُمْ. وَأَمَّا قَوْلُهُ: لِقَوْلِ النَّبِيِّ ﷺ إِلَخْ فَوَجْهُ التَّعْلِيلِ أَنَّ الْوَعِيدَ عَلَى ذَلِكَ يَتَنَاوَلُ مَنِ اتَّخَذَ قُبُورَهُمْ مَسَاجِدَ تَعْظِيمًا وَمُغَالَاةً كَمَا صَنَعَ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ وَجَرَّهُمْ ذَلِكَ إِلَى عِبَادَتِهِمْ، وَيَتَنَاوَلُ مَنِ اتَّخَذَ أَمْكِنَةَ قُبُورِهِمْ مَسَاجِدَ بِأَنْ تُنْبَشَ وَتُرْمَى عِظَامُهُمْ، فَهَذَا يَخْتَصُّ بِالْأَنْبِيَاءِ وَيَلْتَحِقُ بِهِمْ أَتْبَاعُهُمْ، وَأَمَّا الْكَفَرَةُ فَإِنَّهُ لَا حَرَجَ فِي نَبْشِ قُبُورِهِمْ، إِذْ لَا حَرَجَ فِي إِهَانَتِهِمْ.
وَلَا يَلْزَمُ مِنِ اتِّخَاذِ الْمَسَاجِدِ فِي أَمْكِنَتِهَا تَعْظِيمٌ، فَعُرِفَ بِذَلِكَ أَنْ لَا تَعَارُضَ بَيْنَ فِعْلِهِ ﷺ فِي نَبْشِ قُبُورِ الْمُشْرِكِينَ وَاتِّخَاذِ مَسْجِدِهِ مَكَانَهَا وَبَيْنَ لَعْنِهِ ﷺ مَنِ اتَّخَذَ قُبُورَ الْأَنْبِيَاءِ مَسَاجِدَ لِمَا تَبَيَّنَ مِنْ الْفَرْقِ، وَالْمَتْنِ الَّذِي أَشَارَ إِلَيْهِ وَصَلَهُ فِي بَابِ الْوَفَاةِ فِي أَوَاخِرِ الْمَغَازِي مِنْ طَرِيقِ هِلَالٍ، عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ بِهَذَا اللَّفْظِ وَفِيهِ قِصَّةٌ، وَوَصَلَهُ فِي الْجَنَائِزِ مِنْ طَرِيقٍ أُخْرَى عَنْ هِلَالٍ وَزَادَ فِيهِ وَالنَّصَارَى، وَذَكَرَهُ فِي عِدَّةِ مَوَاضِعَ مِنْ طَرِيقٍ أُخْرَى بِالزِّيَادَةِ.
قَوْلُهُ: (وَمَا يُكْرَهُ مِنَ الصَّلَاةِ فِي الْقُبُورِ) يَتَنَاوَلُ مَا إِذَا وَقَعَتِ الصَّلَاةُ عَلَى الْقَبْرِ أَوْ إِلَى الْقَبْرِ أَوْ بَيْنَ الْقَبْرَيْنِ. وَفِي ذَلِكَ حَدِيثٌ رَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ طَرِيقِ أَبِي مِرْثَدٍ الْغَنَوِيِّ مَرْفُوعًا: لَا تَجْلِسُوا عَلَى الْقُبُورِ وَلَا تُصَلُّوا إِلَيْهَا أَوْ عَلَيْهَا. قُلْتُ: وَلَيْسَ هُوَ عَلَى شَرْطِ الْبُخَارِيِّ فَأَشَارَ إِلَيْهِ فِي التَّرْجَمَةِ، وَأَوْرَدَ مَعَهُ أَثَرَ عُمَرَ الدَّالَّ عَلَى أَنَّ النَّهْيَ عَنْ ذَلِكَ لَا يَقْتَضِي فَسَادَ الصَّلَاةِ، وَالْأَثَرُ الْمَذْكُورُ عَنْ عُمَرَ رَوَيْنَاهُ مَوْصُولًا فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ لِأَبِي نُعَيْمٍ شَيْخِ الْبُخَارِيِّ وَلَفْظُهُ بَيْنَمَا أَنَسٌ يُصَلِّي إِلَى قَبْرٍ نَادَاهُ عُمَرُ: الْقَبْرَ الْقَبْرَ، فَظَنَّ أَنَّهُ يَعْنِي الْقَمَرَ، فَلَمَّا رَأَى أَنَّهُ يَعْنِي الْقَبْرَ جَازَ الْقَبْرَ وَصَلَّى وَلَهُ طُرُقٌ أُخْرَى بَيَّنْتُهَا فِي تَعْلِيقِ التَّعْلِيقِ مِنْهَا مِنْ طَرِيقِ حُمَيْدٍ، عَنْ أَنَسٍ نَحْوَهُ وَزَادَ فِيهِ فَقَالَ بَعْضُ مَنْ يَلِينِي إِنَّمَا يَعْنِي الْقَبْرَ فَتَنَحَّيْتُ عَنْهُ، وَقَوْلُهُ: الْقَبْرَ الْقَبْرَ بِالنَّصْبِ فِيهِمَا عَلَى التَّحْذِيرِ.
وَقَوْلُهُ: (وَلَمْ يَأْمُرْهُ بِالْإِعَادَةِ)
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute