للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

بِكَثْرَةِ الْمَسَاجِدِ. (تَنْبِيهٌ): قَوْلُهُ: ثُمَّ لَا يَعْمُرُونَهَا الْمُرَادُ بِهِ عِمَارَتُهَا بِالصَّلَاةِ وَذِكْرِ اللَّهِ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِهِ بُنْيَانَهَا، بِخِلَافِ مَا يَأْتِي فِي تَرْجَمَةِ الْبَابِ الَّذِي بَعْدَهُ.

قَوْلُهُ: (وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: لَتُزَخْرِفُنَّهَا) بِفَتْحِ اللَّامِ وَهِيَ لَامُ الْقَسَمِ وَضَمِّ الْمُثَنَّاةِ وَفَتْحِ الزَّايِ وَسُكُونِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَكَسْرِ الرَّاءِ وَضَمِّ الْفَاءِ وَتَشْدِيدِ النُّونِ وَهِيَ نُونُ التَّأْكِيدِ، وَالزَّخْرَفَةُ الزِّينَةُ، وَأَصْلُ الزُّخْرُفِ الذَّهَبُ، ثُمَّ اسْتُعْمِلَ فِي كُلِّ مَا يُتَزَيَّنُ بِهِ. وَهَذَا التَّعْلِيقُ وَصَلَهُ أَبُو دَاوُدَ، وَابْنُ حِبَّانَ مِنْ طَرِيقِ يَزِيدَ بْنِ الْأَصَمِّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ هَكَذَا مَوْقُوفًا، وَقَبْلَهُ حَدِيثٌ مَرْفُوعٌ وَلَفْظُهُ: مَا أُمِرْتُ بِتَشْيِيدِ الْمَسَاجِدِ، وَظَنَّ الطِّيبِيُّ فِي شَرْحِ الْمِشْكَاةِ أَنَّهُمَا حَدِيثٌ وَاحِدٌ فَشَرَحَهُ عَلَى أَنَّ اللَّامَ فِي لَتُزَخْرِفُنَّهَا مَكْسُورَةٌ وَهِيَ لَامُ التَّعْلِيلِ لِلْمَنْفِيِّ قَبْلَهُ، وَالْمَعْنَى: مَا أُمِرْتُ بِالتَّشْيِيدِ لِيُجْعَلَ ذَرِيعَةً إِلَى الزَّخْرَفَةِ، قَالَ: وَالنُّونُ فِيهِ لِمُجَرَّدِ التَّأْكِيدِ، وَفِيهِ نَوْعُ تَوْبِيخٍ وَتَأْنِيبٍ، ثُمَّ قَالَ: وَيَجُوزُ فَتْحُ اللَّامِ عَلَى أَنَّهَا جَوَابُ الْقَسَمِ. قُلْتُ: وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ، وَالْأَوَّلُ لَمْ تَثْبُتْ بِهِ الرِّوَايَةُ أَصْلًا فَلَا يُغْتَرُّ بِهِ، وَكَلَامُ ابْنِ عَبَّاسٍ فِيهِ مَفْصُولٌ مِنْ كَلَامِ النَّبِيِّ ﷺ فِي الْكُتُبِ الْمَشْهُورَةِ وَغَيْرِهَا، وَإِنَّمَا لَمْ يَذْكُرِ الْبُخَارِيُّ الْمَرْفُوعَ مِنْهُ لِلِاخْتِلَافِ عَلَى يَزِيدَ بْنِ الْأَصَمِّ فِي وَصْلِهِ وَإِرْسَالِهِ، قَالَ الْبَغَوِيُّ: التَّشْيِيدُ رَفْعُ الْبِنَاءِ وَتَطْوِيلُهُ، وَإِنَّمَا زَخْرَفَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى مَعَابِدَهَا حِينَ حَرَّفُوا كُتُبَهُمْ وَبَدَّلُوهَا.

٤٤٦ - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ صَالِحِ بْنِ كَيْسَانَ قَالَ: حَدَّثَنَا نَافِعٌ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ أَخْبَرَهُ أَنَّ الْمَسْجِدَ كَانَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ مَبْنِيًّا بِاللَّبِنِ وَسَقْفُهُ الْجَرِيدُ وَعُمُدُهُ خَشَبُ النَّخْلِ، فَلَمْ يَزِدْ فِيهِ أَبُو بَكْرٍ شَيْئًا، وَزَادَ فِيهِ عُمَرُ وَبَنَاهُ عَلَى بُنْيَانِهِ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ بِاللَّبِنِ وَالْجَرِيدِ، وَأَعَادَ عُمُدَهُ خَشَبًا، ثُمَّ غَيَّرَهُ عُثْمَانُ فَزَادَ فِيهِ زِيَادَةً كَثِيرَةً، وَبَنَى جِدَارَهُ بِالْحِجَارَةِ الْمَنْقُوشَةِ وَالْقَصَّةِ، وَجَعَلَ عُمُدَهُ مِنْ حِجَارَةٍ مَنْقُوشَةٍ، وَسَقَفَهُ بِالسَّاجِ.

قَوْلُهُ: (حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ) زَادَ الْأَصِيلِيُّ، ابْنُ سَعْدٍ. وَرِوَايَةُ صَالِحِ بْنِ كَيْسَانَ، عَنْ نَافِعٍ مِنْ رِوَايَةِ الْأَقْرَانِ؛ لِأَنَّهُمَا مَدَنِيَّانِ ثِقَتَانِ تَابِعِيَّانِ مِنْ طَبَقَةٍ وَاحِدَةٍ، وَعَبْدُ اللَّهِ هُوَ ابْنُ عُمَرَ.

قَوْلُهُ: (بِاللَّبِنِ) بِفَتْحِ اللَّامِ وَكَسْرِ الْمُوَحَّدَةِ.

قَوْلُهُ: (وَعَمَدَهُ) بِفَتْحِ أَوَّلِهِ وَثَانِيهِ وَيَجُوزُ ضَمُّهَمَا، وَكَذَا قَوْلُهُ خَشَبٌ.

قَوْلُهُ: (وَزَادَ فِيهِ عُمَرُ وَبَنَاهُ عَلَى بُنْيَانِهِ) أَيْ: بِجِنْسِ الْآلَاتِ الْمَذْكُورَةِ وَلَمْ يُغَيِّرْ شَيْئًا مِنْ هَيْئَتِهِ إِلَّا تَوْسِيعَهُ.

قَوْلُهُ: (ثُمَّ غَيَّرَهُ عُثْمَانُ)، أَيْ مِنَ الْوَجْهَيْنِ: التَّوْسِيعُ، وَتَغْيِيرُ الْآلَاتِ.

قَوْلُهُ: (بِالْحِجَارَةِ الْمَنْقُوشَةِ) أَيْ بَدَلَ اللَّبِنِ، وَلِلْحَمَوِيِّ، وَالْمُسْتَمْلِي بِحِجَارَةٍ مَنْقُوشَةٍ.

قَوْلُهُ: (وَالْقَصَّةُ) بِفَتْحِ الْقَافِ وَتَشْدِيدِ الصَّادِ الْمُهْمَلَةِ وَهِيَ الْجَصُّ بِلُغَةِ أَهْلِ الْحِجَازِ، وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ: تُشْبِهُ الْجَصَّ وَلَيْسَتْ بِهِ.

قَوْلُهُ: (وَسَقَفَهُ) بِلَفْظِ الْمَاضِي عَطْفًا عَلَى جَعَلَ، وَبِإِسْكَانِ الْقَافِ عَلَى عُمُدِهِ، وَالسَّاجُ نَوْعٌ مِنَ الْخَشَبِ مَعْرُوفٌ يُؤْتَى بِهِ مِنَ الْهِنْدِ، وَقَالَ ابْنُ بَطَّالٍ وَغَيْرُهُ: هَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ السُّنَّةَ فِي بُنْيَانِ الْمَسْجِدِ الْقَصْدُ وَتَرْكُ الْغُلُوِّ فِي تَحْسِينِهِ، فَقَدْ كَانَ عُمَرُ مَعَ كَثْرَةِ الْفُتُوحِ فِي أَيَّامِهِ وَسَعَةِ الْمَالِ عِنْدَهُ لَمْ يُغَيِّرِ الْمَسْجِدَ عَمَّا كَانَ عَلَيْهِ، وَإِنَّمَا احْتَاجَ إِلَى تَجْدِيدِهِ؛ لِأَنَّ جَرِيدَ النَّخْلِ كَانَ قَدْ نَخِرَ فِي أَيَّامِهِ، ثُمَّ كَانَ عُثْمَانُ وَالْمَالُ فِي زَمَانِهِ أَكْثَرَ، فَحَسَّنَهُ بِمَا لَا يَقْتَضِي الزَّخْرَفَةَ، وَمَعَ ذَلِكَ فَقَدْ أَنْكَرَ بَعْضُ الصَّحَابَةِ عَلَيْهِ كَمَا سَيَأْتِي بَعْدَ قَلِيلٍ.

وَأَوَّلُ مَنْ زَخْرَفَ الْمَسَاجِدَ الْوَلِيدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مَرْوَانَ، وَذَلِكَ فِي أَوَاخِرِ عَصْرِ الصَّحَابَةِ، وَسَكَتَ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ عَنْ إِنْكَارِ ذَلِكَ خَوْفًا مِنَ الْفِتْنَةِ، وَرَخَّصَ فِي