يَسْتُرُهُ مِنْ النَّاسِ، فَأَرَادَ شَابٌّ مِنْ بَنِي أَبِي مُعَيْطٍ أَنْ يَجْتَازَ بَيْنَ يَدَيْهِ، فَدَفَعَ أَبُو سَعِيدٍ فِي صَدْرِهِ، فَنَظَرَ الشَّابُّ فَلَمْ يَجِدْ مَسَاغًا إِلَّا بَيْنَ يَدَيْهِ، فَعَادَ لِيَجْتَازَ، فَدَفَعَهُ أَبُو سَعِيدٍ أَشَدَّ مِنْ الْأُولَى، فَنَالَ مِنْ أَبِي سَعِيدٍ، ثُمَّ دَخَلَ عَلَى مَرْوَانَ فَشَكَا إِلَيْهِ مَا لَقِيَ مِنْ أَبِي سَعِيدٍ، وَدَخَلَ أَبُو سَعِيدٍ خَلْفَهُ عَلَى مَرْوَانَ، فَقَالَ: مَا لَكَ وَلِابْنِ أَخِيكَ يَا أَبَا سَعِيدٍ؟ قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ ﷺ يَقُولُ: إِذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ إِلَى شَيْءٍ يَسْتُرُهُ مِنْ النَّاسِ، فَأَرَادَ أَحَدٌ أَنْ يَجْتَازَ بَيْنَ يَدَيْهِ فَلْيَدْفَعْهُ، فَإِنْ أَبَى فَلْيُقَاتِلْهُ فَإِنَّمَا هُوَ شَيْطَانٌ.
[الحديث ٥٠٩ - طرفه- في: ٣٢٧٤]
قَوْلُهُ: (بَابُ يَرُدُّ الْمُصَلِّي مِنْ مَرَّ بَيْنَ يَدَيْهِ) أَيْ: سَوَاءٌ كَانَ آدَمِيًّا أَمْ غَيْرَهُ.
قولُهُ: (وَرَدَّ ابْنُ عُمَرَ فِي التَّشَهُّدِ) أَيْ: رَدَّ الْمَارَّ بَيْنَ يَدَيْهِ فِي حَالِ التَّشَهُّدِ، وَهَذَا الْأَثَرُ وَصَلَهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ، وَعَبْدُ الرَّزَّاقِ، وَعِنْدَهُمَا أَنَّ الْمَارَّ الْمَذْكُورَ هُوَ عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ.
قَوْلُهُ: (وَفِي الْكَعْبَةِ) قَالَ ابْنُ قُرْقُولٍ: وَقَعَ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ: وَفِي الرَّكْعَةِ، وَهُوَ أَشْبَهُ بِالْمَعْنَى.
قُلْتُ: وَرِوَايَةُ الْجُمْهُورِ مُتَّجِهَةٌ، وَتَخْصِيصُ الْكَعْبَةِ بِالذِّكْرِ لِئَلَّا يُتَخَيَّلَ أَنَّهُ يُغْتَفَرُ فِيهَا الْمُرُورُ لِكَوْنِهَا مَحَلَّ الْمُزَاحَمَةِ. وَقَدْ وَصَلَ الْأَثَرَ الْمَذْكُورَ بِذِكْرِ الْكَعْبَةِ فِيهِ أَبُو نُعَيْمٍ شَيْخُ الْبُخَارِيِّ فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ لَهُ مِنْ طَرِيقِ صَالِحِ بْنِ كَيْسَانَ قَالَ: رَأَيْتُ ابْنَ عُمَرَ يُصَلِّي فِي الْكَعْبَةِ فَلَا يَدَعُ أَحَدًا يَمُرُّ بَيْنَ يَدَيْهِ يُبَادِرُهُ قَالَ: أَيْ: يَرُدُّهُ.
قَوْلُهُ: (إِنْ أَبَى) أَيِ: الْمَارُّ، (إِلَّا أَنْ يُقَاتِلَهُ) أَيِ: الْمُصَلِّي، (قَاتَلَهُ) كَذَا لِلْأَكْثَرِ بِصِيغَةِ الْفِعْلِ الْمَاضِي، وَهُوَ عَلَى سَبِيلِ الْمُبَالَغَةِ. وَلِلْكُشْمِيهَنِيِّ: (إِلَّا أَنْ تُقَاتِلَهُ) بِصِيغَةِ الْمُخَاطَبَةِ، (فَقَاتِلْهُ) بِصِيغَةِ الْأَمْرِ. وَهَذِهِ الْجُمْلَةُ الْأَخِيرَةُ مِنْ كَلَامِ ابْنِ عُمَرَ أَيْضًا، وَقَدْ وَصَلَهَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ وَلَفْظُهُ عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: لَا تَدَعْ أَحَدًا يَمُرُّ بَيْنَ يَدَيْكَ وَأَنْتَ تُصَلِّي، فَإِنْ أَبَى إِلَّا أَنْ تُقَاتِلَهُ فَقَاتِلْهُ، وَهَذَا مُوَافِقٌ لِسِيَاقِ الْكُشْمِيهَنِيِّ.
قَوْلُهُ: (يُونُسُ) هُوَ ابْنُ عُبَيْدٍ، وَقَدْ قَرَنَ الْبُخَارِيُّ رِوَايَتَهُ بِرِوَايَةِ سُلَيْمَانَ بْنِ الْمُغِيرَةِ، وَتَبَيَّنَ مِنْ إِيرَادِهِ أَنَّ الْقِصَّةَ الْمَذْكُورَةَ فِي رِوَايَةِ سُلَيْمَانَ لَا فِي رِوَايَةِ يُونُسَ، وَلَفْظُ الْمَتْنِ الَّذِي سَاقَهُ هُنَا هُوَ لَفْظُ سُلَيْمَانَ أَيْضًا لَا لَفْظُ يُونُسَ، وَإِنَّمَا ظَهَرَ لَنَا ذَلِكَ مِنَ الْمُصَنِّفِ حَيْثُ سَاقَ الْحَدِيثَ فِي كِتَابِ بَدْءِ الْخَلْقِ بِالْإِسْنَادِ الْمَذْكُورِ الَّذِي سَاقَهُ هُنَا مِنْ رِوَايَةِ يُونُسَ بِعَيْنِهِ، وَلَفْظُ الْمَتْنِ مُغَايِرٌ لِلَّفْظِ الَّذِي سَاقَهُ هُنَا، وَلَيْسَ فِيهِ تَقْيِيدُ الدَّفْعِ بِمَا إِذَا كَانَ الْمُصَلِّي يُصَلِّي إِلَى سُتْرَةٍ. وَذَكَرَ الْإِسْمَاعِيلِيُّ أَنَّ سُلَيْمَ بْنَ حَيَّانَ تَابَعَ يُونُسَ، عَنْ حُمَيْدٍ عَلَى عَدَمِ التَّقْيِيدِ.
قُلْتُ: وَالْمُطْلَقُ فِي هَذَا مَحْمُولٌ عَلَى الْمُقَيَّدِ؛ لِأَنَّ الَّذِي يُصَلِّي إِلَى غَيْرِ سُتْرَةٍ مُقَصِّرٌ بِتَرْكِهَا، وَلَا سِيَّمَا إِنْ صَلَّى فِي مَشَارِعِ الْمُشَاةِ، وَقَدْ رَوَى عَبْدُ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ التَّفْرِقَةَ بَيْنَ مَنْ يُصَلِّي إِلَى سُتْرَةٍ وَإِلَى غَيْرِ سُتْرَةٍ. وَفِي الرَّوْضَةِ تَبَعًا لِأَصْلِهَا: وَلَوْ صَلَّى إِلَى غَيْرِ سُتْرَةٍ أَوْ كَانَتْ وَتَبَاعَدَ مِنْهَا فَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ الدَّفْعُ لِتَقْصِيرِهِ وَلَا يَحْرُمُ الْمُرُورُ حِينَئِذٍ بَيْنَ يَدَيْهِ (١) ولكن الأولى تركه.
(تَنْبِيهٌ): ذَكَرَ أَبُو مَسْعُودٍ وَغَيْرُهُ أَنَّ الْبُخَارِيَّ لَمْ يُخَرِّجْ لِسُلَيْمَانَ بْنِ الْمُغِيرَةِ شَيْئًا مَوْصُولًا إِلَّا هَذَا الْحَدِيثَ.
قَوْلُهُ: (فَأَرَادَ شَابٌّ مِنْ بَنِي أَبِي مُعَيْطٍ) وَقَعَ فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ لِأَبِي نُعَيْمٍ أَنَّهُ الْوَلِيدُ بْنُ عُقْبَةَ بْنِ أَبِي مُعَيْطٍ، أَخْرَجَهُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَامِرِ الْأَسْلَمِيِّ، عَنْ زَيْدِ بْنِ
(١) في هذا نظر. وظاهر الأحاديث يقتضي تحريم المرور بين يديه، وأنه يشرع له رد المار، اللهم إلا أن يضطر المار الىذلك لعدم وجود متسع إلاما بين يديه، ومتى بعد المار عما بين يدي المصلي إذالم يلق بين يديه سترة سلم من الإثم، لأنه إذابعد عنه عرفا لايسمى مارا بين يديه كالذي يمر من وراء السترة. وانظر ﷺ ٥٨٥