للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

قَوْلُهُ: (قَالَ الْأَعْمَشُ) هُوَ مَقُولُ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ وَلَيْسَ بِتَعْلِيقٍ، وَهُوَ نَحْوُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ رِوَايَةِ عَلِيِّ بْنِ مُسْهِرٍ.

قَوْلُهُ: (عَنْ عَائِشَةَ ذُكِرَ عِنْدَهَا) أَيْ: أَنَّهُ ذُكِرَ عِنْدَهَا. وَقَوْلُهُ الْكَلْبُ إِلَخْ فِيهِ حَذْفٌ، وَبَيَانُهُ فِي رِوَايَةِ عَلِيِّ بْنِ مُسْهِرٍ: ذُكِرَ عِنْدَهَا مَا يَقْطَعُ الصَّلَاةَ، فَقَالُوا: يَقْطَعُهَا، وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ طَرِيقِ أَبِي بَكْرِ بْنِ حَفْصٍ عَنْ عُرْوَةَ قَالَ: قَالَتْ عَائِشَةُ: مَا يَقْطَعُ الصَّلَاةَ؟ فَقُلْتُ: الْمَرْأَةُ وَالْحِمَارُ، وَلِسَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ: قَالَتْ عَائِشَةُ: يَا أَهْلَ الْعِرَاقِ قَدْ عَدَلْتُمُونَا الْحَدِيثَ. وَكَأَنَّهَا أَشَارَتْ بِذَلِكَ إِلَى مَا رَوَاهُ أَهْلُ الْعِرَاقِ عَنْ أَبِي ذَرٍّ وَغَيْرِهِ فِي ذَلِكَ مَرْفُوعًا، وَهُوَ عِنْدَ مُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الصَّامِتِ، عَنْ أَبِي ذَرٍّ، وَقَيَّدَ الْكَلْبَ فِي رِوَايَتِهِ بِالْأَسْوَدِ، وَعِنْدَ ابْنِ مَاجَهْ مِنْ طَرِيقِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُغَفَّلٍ، وَعِنْدَ الطَّبَرَانِيِّ مِنْ طَرِيقِ الْحَسَنِ أَيْضًا، عَنِ الْحَكَمِ بْنِ عُمَرَ نَحْوَهُ مِنْ غَيْرِ تَقْيِيدٍ، وَعِنْدَ مُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ كَذَلِكَ، وَعِنْدَ أَبِي دَاوُدَ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ مِثْلَهُ، لَكِنْ قَيَّدَ الْمَرْأَةَ بِالْحَائِضِ، وَأَخْرَجَهُ ابْنُ مَاجَهْ كَذَلِكَ وَفِيهِ تَقْيِيدُ الْكَلْبِ أَيْضًا بِالْأَسْوَدِ.

وَقَدِ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي الْعَمَلِ بِهَذِهِ الْأَحَادِيثِ، فَمَالَ الطَّحَاوِيُّ وَغَيْرُهُ إِلَى أَنَّ حَدِيثَ أَبِي ذَرٍّ وَمَا وَافَقَهُ مَنْسُوخٌ بِحَدِيثِ عَائِشَةَ وَغَيْرِهَا، وَتُعُقِّبُ بِأَنَّ النَّسْخَ لَا يُصَارُ إِلَيْهِ إِلَّا إِذَا عُلِمَ التَّارِيخُ وَتَعَذَّرَ الْجَمْعُ، وَالتَّارِيخُ هُنَا لَمْ يَتَحَقَّقْ، وَالْجَمْعُ لَمْ يَتَعَذَّرْ.

وَمَالَ الشَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ إِلَى تَأْوِيلِ الْقَطْعِ فِي حَدِيثِ أَبِي ذَرٍّ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِهِ نَقْصُ الْخُشُوعِ لَا الْخُرُوجُ مِنَ الصَّلَاةِ، وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ أَنَّ الصَّحَابِيَّ رَاوِيَ الْحَدِيثِ سَأَلَ عَنِ الْحِكْمَةِ فِي التَّقْيِيدِ بِالْأَسْوَدِ، فَأُجِيبَ بِأَنَّهُ شَيْطَانٌ. وَقَدْ عُلِمَ أَنَّ الشَّيْطَانَ لَوْ مَرَّ بَيْنَ يَدَيِ الْمُصَلِّي لَمْ تَفْسُدْ صَلَاتُهُ كَمَا سَيَأْتِي فِي الصَّحِيحِ: إِذَا ثُوِّبَ بِالصَّلَاةِ أَدْبَرَ الشَّيْطَانُ، فَإِذَا قَضَى التَّثْوِيبَ أَقْبَلَ حَتَّى يَخْطِرَ بَيْنَ الْمَرْءِ وَنَفَسِهِ الْحَدِيثَ، وَسَيَأْتِي فِي بَابِ الْعَمَلِ فِي الصَّلَاةِ حَدِيثُ: إِنَّ الشَّيْطَانَ عَرَضَ لِي فَشَدَّ عَلَيَّ الْحَدِيثَ.

وَلِلنَّسَائِيِّ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ: فَأَخَذْتُهُ فَصَرَعْتُهُ فَخَنَقْتُهُ، وَلَا يُقَالُ قَدْ ذَكَرَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّهُ جَاءَ لِيَقْطَعَ صَلَاتَهُ؛ لِأَنَّا نَقُولُ: قَدْ بَيَّنَ فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ سَبَبَ الْقَطْعِ، وَهُوَ أَنَّهُ جَاءَ بِشِهَابٍ مِنْ نَارٍ لِيَجْعَلهُ فِي وَجْهِهِ، وَأَمَّا مُجَرَّدُ الْمُرُورِ فَقَدْ حَصَلَ وَلَمْ تَفْسُدْ بِهِ الصَّلَاةُ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: حَدِيثُ أَبِي ذَرٍّ مُقَدَّمٌ؛ لِأَنَّ حَدِيثَ عَائِشَةَ عَلَى أَصْلِ الْإِبَاحَةِ. انْتَهَى. وَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّهُمَا مُتَعَارِضَانِ، وَمَعَ إِمْكَانِ الْجَمْعِ الْمَذْكُورِ لَا تَعَارُضَ.

وَقَالَ أَحْمَدُ: يَقْطَعُ الصَّلَاةَ الْكَلْبُ الْأَسْوَدُ، وَفِي النَّفْسِ مِنَ الْحِمَارِ وَالْمَرْأَةِ شَيْءٌ. وَوَجَّهَهُ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ وَغَيْرُهُ بِأَنَّهُ لَمْ يَجِدْ فِي الْكَلْبِ الْأَسْوَدِ مَا يُعَارِضُهُ، وَوَجَدَ فِي الْحِمَارِ حَدِيثَ ابْنِ عَبَّاسٍ، يَعْنِي الَّذِي تَقَدَّمَ فِي مُرُورِهِ وَهُوَ رَاكِبٌ بِمِنًى، وَوَجَدَ فِي الْمَرْأَةِ حَدِيثَ عَائِشَةَ، يَعْنِي: حَدِيثَ الْبَابِ، وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ فِي دَلَالَتِهِ عَلَى ذَلِكَ بَعْدُ.

قَوْلُهُ: (شَبَّهْتُمُونَا) هَذَا اللَّفْظُ رِوَايَةُ مَسْرُوقٍ، وَرِوَايَةُ الْأَسْوَدِ عَنْهَا: أَعَدَلْتُمُونَا، وَالْمَعْنَى وَاحِدٌ.

وَتَقَدَّمَ مِنْ طَرِيقِ عَلِيِّ بْنِ مُسْهِرٍ بِلَفْظِ: جَعَلْتُمُونَا كِلَابًا، وَهَذَا عَلَى سَبِيلِ الْمُبَالَغَةِ. قَالَ ابْنُ مَالِكٍ: فِي هَذَا الْحَدِيثِ جَوَازُ تَعَدِّي الْمُشَبَّهِ بِهِ بِالْبَاءِ، وَأَنْكَرَهُ بَعْضُ النَّحْوِيِّينَ حَتَّى بَالَغَ فَخَطَّأَ سِيبَوَيْهِ فِي قَوْلِهِ: شَبَّهَ كَذَا بِكَذَا، وَزَعَمَ أَنَّهُ لَا يُوجَدُ فِي كَلَامِ مَنْ يُوثَقُ بِعَرَبِيَّتِهِ، وَقَدْ وُجِدَ فِي كَلَامِ مَنْ هُوَ فَوْقَ ذَلِكَ وَهِيَ عَائِشَةُ قَالَ: وَالْحَقُّ أَنَّهُ جَائِزٌ وَإِنْ كَانَ سُقُوطُهَا أَشْهَرَ فِي كَلَامِ الْمُتَقَدِّمِينَ وَثُبُوتُهَا لَازِمٌ فِي عُرْفِ الْعُلَمَاءِ الْمُتَأَخِّرِينَ.

قَوْلُهُ: (فَأَكْرَهُ أَنْ أَجْلِسَ فَأُوذِيَ النَّبِيَّ ) اسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى أَنَّ التَّشْوِيشَ بِالْمَرْأَةِ وَهِيَ قَاعِدَةٌ يَحْصُلُ مِنْهُ مَا لَا يَحْصُلُ بِهَا وَهِيَ رَاقِدَةٌ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ ذَلِكَ مِنْ جِهَةِ الْحَرَكَةِ وَالسُّكُونِ، وَعَلَى هَذَا فَمُرُورُهَا أَشَدُّ.

وَفِي النَّسَائِيِّ مِنْ طَرِيقِ شُعْبَةَ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنِ الْأُسُودِ عَنْهَا فِي هَذَا الْحَدِيثِ: فَأَكْرَهُ أَنْ أَقُومَ فَأَمُرَّ بَيْنَ يَدَيْهِ، فَأَنْسَلُّ انْسِلَالًا فَالظَّاهِرُ أَنَّ عَائِشَةَ إِنَّمَا أَنْكَرَتْ إِطْلَاقَ كَوْنِ الْمَرْأَةِ تَقْطَعُ الصَّلَاةَ فِي جَمِيعِ الْحَالَاتِ، لَا الْمُرُورَ بِخُصُوصِهِ.

قَوْلُهُ: (فَأَنْسَلُّ) بِرَفْعِ