للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

النَّبِيِّ ، وَهُوَ اخْتِيَارُ الْحَاكِمِ، وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ، وَالْخَطِيبُ وَغَيْرُهُمَا: هُوَ مَوْقُوفٌ. وَالْحَقُّ أَنَّهُ مَوْقُوفٌ لَفْظًا مَرْفُوعٌ حُكْمًا؛ لِأَنَّ الصَّحَابِيَّ أَوْرَدَهُ فِي مَقَامِ الِاحْتِجَاجِ، فَيُحْمَلُ عَلَى أَنَّهُ أَرَادَ كَوْنَهُ فِي زَمَنِ النَّبِيِّ . وَقَدْ رَوَى ابْنُ الْمُبَارَكِ هَذَا الْحَدِيثَ عَنْ مَالِكٍ، فَقَالَ فِيهِ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ يُصَلِّي الْعَصْرَ الْحَدِيثَ، أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ. قَالَ النَّوَوِيُّ: قَالَ الْعُلَمَاءُ: كَانَتْ مَنَازِلُ بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ عَلَى مِيلَيْنِ مِنَ الْمَدِينَةِ، وَكَانُوا يُصَلُّونَ الْعَصْرَ فِي وَسَطِ الْوَقْتِ؛ لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَشْتَغِلُونَ بِأَعْمَالِهِمْ وَحُرُوثِهِمْ، فَدَلَّ هَذَا الْحَدِيثُ عَلَى تَعْجِيلِ النَّبِيِّ بِصَلَاةِ الْعَصْرِ فِي أَوَّلِ وَقْتِهَا، وَسَيَأْتِي فِي طَرِيقِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ أَنَسٍ أَنَّ الرَّجُلَ كَانَ يَأْتِيهِمْ وَالشَّمْسُ مُرْتَفِعَةٌ.

قَوْلُهُ: (سَمِعْتُ أَبَا أُمَامَةَ) هُوَ أَسْعَدُ بْنُ سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ، وَهُوَ عَمُّ الرَّاوِي عَنْهُ. وَفِي الْقِصَّةِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ كَانَ يُصَلِّي الصَّلَاةَ فِي آخِرِ وَقْتِهَا تَبَعًا لِسَلَفِهِ، إِلَى أَنْ أَنْكَرَ عَلَيْهِ عُرْوَةُ فَرَجَعَ إِلَيْهِ كَمَا تَقَدَّمَ، وَإِنَّمَا أَنْكَرَ عَلَيْهِ عُرْوَةُ فِي الْعَصْرِ دُونَ الظُّهْرِ؛ لِأَنَّ وَقْتَ الظُّهْرِ لَا كَرَاهَةَ فِيهِ بِخِلَافِ وَقْتِ الْعَصْرِ. وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى صَلَاةِ الْعَصْرِ فِي أَوَّلِ وَقْتِهَا أَيْضًا، وَهُوَ عِنْدَ انْتِهَاءِ وَقْتِ الظُّهْرِ، وَلِهَذَا تَشَكَّكَ أَبُو أُمَامَةَ فِي صَلَاةِ أَنَسٍ أَهِيَ الظُّهْرُ أَوِ الْعَصْرُ، فَيَدُلُّ أَيْضًا عَلَى عَدَمِ الْفَاصِلَةِ بَيْنَ الْوَقْتَيْنِ. وَقَوْلُهُ لَهُ يَا عَمُّ هُوَ عَلَى سَبِيلِ التَّوْقِيرِ، وَلِكَوْنِهِ أَكْبَرَ سِنًّا مِنْهُ مَعَ أَنَّ نَسَبَهُمَا مُجْتَمِعٌ فِي الْأَنْصَارِ، لَكِنَّهُ لَيْسَ عَمَّهُ عَلَى الْحَقِيقَةِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

قَوْلُهُ: (بَابُ وَقْتِ الْعَصْرِ) كَذَا وَقَعَ فِي رِوَايَةِ الْمُسْتَمْلِي دُونَ غَيْرَةِ، وَهُوَ خَطَأٌ لِأَنَّهُ تَكْرَارٌ بِلَا فَائِدَةٍ.

٥٥٠ - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، عَنْ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ يُصَلِّي الْعَصْرَ وَالشَّمْسُ مُرْتَفِعَةٌ حَيَّةٌ، فَيَذْهَبُ الذَّاهِبُ إِلَى الْعَوَالِي فَيَأْتِيهِمْ وَالشَّمْسُ مُرْتَفِعَةٌ، وَبَعْضُ الْعَوَالِي مِنْ الْمَدِينَةِ عَلَى أَرْبَعَةِ أَمْيَالٍ أَوْ نَحْوِهِ.

٥٥١ - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنْ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: كُنَّا نُصَلِّي الْعَصْرَ، ثُمَّ يَذْهَبُ الذَّاهِبُ مِنَّا إِلَى قُبَاءٍ فَيَأْتِيهِمْ وَالشَّمْسُ مُرْتَفِعَةٌ.

قَوْلُهُ (وَالشَّمْسُ مُرْتَفِعَةٌ حَيَّةٌ) فِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى بَقَاءِ حَرِّهَا وَضَوْئِهَا كَمَا تَقَدَّمَ. وَقَوْلُهُ بَعْدَ ذَلِكَ (فَيَأْتِيهِمْ وَالشَّمْسُ مُرْتَفِعَةٌ) أَيْ دُونَ ذَلِكَ الِارْتِفَاعِ. لَكِنَّهَا لَمْ تَصِلْ إِلَى الْحَدِّ الَّذِي تُوصَفُ بِهِ بِأَنَّهَا مُنْخَفِضَةٌ، وَفِي ذَلِكَ دَلِيلٌ عَلَى تَعْجِيلِهِ لِصَلَاةِ الْعَصْرِ لِوَصْفِ الشَّمْسِ بِالِارْتِفَاعِ بَعْدَ أَنْ تَمْضِيَ مَسَافَةَ أَرْبَعَةِ أَمْيَالٍ، وَرَوَى النَّسَائِيُّ، وَالطَّحَاوِيُّ وَاللَّفْظُ لَهُ مِنْ طَرِيقِ أَبِي الْأَبْيَضِ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ يُصَلِّي بِنَا الْعَصْرَ وَالشَّمْسُ بَيْضَاءُ مُحَلِّقَةٌ، ثُمَّ أَرْجِعُ إِلَى قَوْمِي فِي نَاحِيَةِ الْمَدِينَةِ فَأَقُولُ لَهُمْ: قُومُوا فَصَلُّوا فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ قَدْ صَلَّى. قَالَ الطَّحَاوِيُّ: نَحْنُ نَعْلَمُ أَنَّ أُولَئِكَ - يَعْنِي قَوْمَ أَنَسٍ - لَمْ يَكُونُوا يُصَلُّونَهَا إِلَّا قَبْلَ اصْفِرَارِ الشَّمْسِ، فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّهُ كَانَ يُعَجِّلُهَا.

قَوْلُهُ: (وَبَعْضُ الْعَوَالِي) كَذَا وَقَعَ هُنَا أَيْ بَيْنَ بَعْضِ الْعَوَالِي وَالْمَدِينَةِ الْمَسَافَةُ الْمَذْكُورَةُ، وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ حَدِيثَ الْبَابِ مِنْ طَرِيقِ أَبِي بَكْرٍ الصَّغَانِيِّ، عَنْ أَبِي الْيَمَانِيِّ شَيْخِ الْبُخَارِيِّ فِيهِ وَقَالَ فِي آخِرِهِ: وَبُعْدُ الْعَوَالِي بِضَمِّ الْمُوَحَّدَةِ وَبِالدَّالِ الْمُهْمَلَةِ، وَكَذَلِكَ أَخْرَجَهُ الْمُصَنِّفُ فِي الِاعْتِصَامِ تَعْلِيقًا، وَوَصَلَهُ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ طَرِيقِ اللَّيْثِ، عَنْ يُونُسَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، لَكِنْ قَالَ أَرْبَعَةِ أَمْيَالٍ أَوْ ثَلَاثَةٍ، وَرَوَى هَذَا الْحَدِيثَ أَبُو عَوَانَةَ فِي صَحِيحِهِ وَأَبُو الْعَبَّاسِ السَّرَّاجُ جَمِيعًا عَنْ أَحْمَدَ بْنِ الْفَرَجِ أَبِي عُتْبَةَ،