وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
قَوْلُهُ: (قَامَ نَبِيُّ اللَّهِ ﷺ إِلَى الصَّلَاةِ فَصَلَّيَا) كَذَا لِلْكُشْمِيهَنِيِّ بِصِيغَةِ التَّثْنِيَةِ، وَلِغَيْرِهِ فَصَلَّيْنَا بِصِيغَةِ الْجَمْعِ وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَى بَقِيَّةِ فَوَائِدِ هَذَا الْحَدِيثِ فِي كِتَابِ الصِّيَامِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. وَاسْتَدَلَّ الْمُصَنِّفُ بِهِ عَلَى أَنَّ أَوَّلَ وَقْتِ الصُّبْحِ طُلُوعُ الْفَجْرِ لِأَنَّهُ الْوَقْتُ الَّذِي يَحْرُمُ فِيهِ الطَّعَامُ وَالشَّرَابُ، وَالْمُدَّةُ الَّتِي بَيْنَ الْفَرَاغِ مِنَ السُّحُورِ وَالدُّخُولِ فِي الصَّلَاةِ - وَهِيَ قِرَاءَةُ الْخَمْسِينَ آيَةً أَوْ نَحْوِهَا - قَدْرُ ثُلُثِ خُمُسِ سَاعَةٍ، وَلَعَلَّهَا مِقْدَارُ مَا يَتَوَضَّأُ. فَأَشْعَرَ ذَلِكَ بِأَنَّ أَوَّلَ وَقْتِ الصُّبْحِ أَوَّلُ مَا يَطْلُعُ الْفَجْرُ.
وَفِيهِ أَنَّهُ ﷺ كَانَ يَدْخُلُ فِيهَا بِغَلَسٍ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
قَوْلُهُ: (عَنْ أَخِيهِ) هُوَ أَبُو بَكْرٍ عَبْدُ الْحَمِيدِ، وَسُلَيْمَانُ هُوَ ابْنُ بِلَالٍ، وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَى حَدِيثِ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ فِي الصِّيَامِ. وَالْغَرَضُ مِنْهُ هُنَا الْإِشَارَةُ إِلَى مُبَادَرَةِ النَّبِيِّ ﷺ بِصَلَاةِ الصُّبْحِ فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ، وَحَدِيثِ عَائِشَةَ تَقَدَّمَ فِي أَبْوَابِ سَتْرِ الْعَوْرَةِ وَلَفْظُهُ أَصْرَحُ فِي مُرَادِهِ فِي هَذَا الْبَابِ مِنْ جِهَةِ التَّغْلِيسِ بِالصُّبْحِ، وَأَنَّ سِيَاقَهُ يَقْتَضِي الْمُوَاظَبَةَ عَلَى ذَلِكَ، وَأَصْرَحُ مِنْهُ مَا أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ ﷺ أَسْفَرَ بِالصُّبْحِ مَرَّةً ثُمَّ كَانَتْ صَلَاتُهُ بَعْدُ بِالْغَلَسِ حَتَّى مَاتَ لَمْ يَعُدْ إِلَى أَنْ يُسْفِرَ، وَأَمَّا مَا رَوَاهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ وَصَحَّحَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ حَدِيثِ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: أَسْفِرُوا بِالْفَجْرِ فَإِنَّهُ أَعْظَمُ لِلْأَجْرِ فَقَدْ حَمَلَهُ الشَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِذَلِكَ تَحَقُّقُ طُلُوعِ الْفَجْرِ، وَحَمَلَهُ الطَّحَاوِيُّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ الْأَمْرُ بِتَطْوِيلِ الْقِرَاءَةِ فِيهَا حَتَّى يَخْرُجَ مِنَ الصَّلَاةِ مُسْفِرًا، وَأَبْعَدَ مَنْ زَعَمَ أَنَّهُ نَاسِخٌ لِلصَّلَاةِ فِي الْغَلَسِ. وَأَمَّا حَدِيثُ ابْنِ مَسْعُودٍ الَّذِي أَخْرَجَهُ الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ أَنَّهُ قَالَ مَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ صلى صلاة فِي غَيْرِ وَقْتِهَا ذَلِكَ الْيَوْمِ يَعْنِي فِي الْفَجْرِ يَوْمَ الْمُزْدَلِفَةِ، فَمَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ دَخَلَ فِيهَا مَعَ طُلُوعِ الْفَجْرِ مِنْ غَيْرِ تَأْخِيرٍ، فَإِنَّ فِي حَدِيثِ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ، وَسَهْلِ بْنِ سَعْدٍ مَا يُشْعِرُ بِتَأْخِيرٍ يَسِيرٍ، لَا أَنَّهُ صَلَّاهَا، قَبْلَ أَنْ يَطْلُعَ الْفَجْرُ.
وَاللَّهُ ﷾ أَعْلَمُ.
قَوْلُهُ فِي حَدِيثِ عَائِشَةَ (كُنَّ) قَالَ الْكِرْمَانِيُّ: هُوَ مِثْلُ أَكَلُونِي الْبَرَاغِيثُ لِأَنَّ قِيَاسَهُ الْإِفْرَادُ وَقَدْ جُمِعَ.
قَوْلُهُ: (نِسَاءُ الْمُؤْمِنَاتِ) تَقْدِيرُهُ نِسَاءُ الْأَنْفُسِ الْمُؤْمِنَاتِ أَوْ نَحْوِهَا ذَلِكَ حَتَّى لَا يَكُونَ مِنْ إِضَافَةِ الشَّيْءِ إِلَى نَفْسِهِ، وَقِيلَ: إِنَّ نِسَاءَ هُنَا بِمَعْنَى الْفَاضِلَاتِ أَيْ فَاضِلَاتُ الْمُؤْمِنَاتِ كَمَا يُقَالُ رِجَالُ الْقَوْمِ أَيْ فُضَلَاؤُهُمْ.
قَوْلُهُ: (يَشْهَدْنَ) أَيْ يَحْضُرْنَ، وَقَوْلُهُ: (لَا يَعْرِفُهُنَّ أَحَدٌ) قَالَ الدَّاوُدِيُّ: مَعْنَاهُ لَا يُعْرَفْنَ أَنِسَاءٌ أَمْ رِجَالٌ، أَيْ لَا يَظْهَرُ لِلرَّائِي إِلَّا الْأَشْبَاحُ خَاصَّةً، وَقِيلَ لَا يُعْرَفُ أَعْيَانُهُنَّ فَلَا يُفَرَّقُ بَيْنَ خَدِيجَةَ وَزَيْنَبَ، وَضَعَّفَهُ النَّوَوِيُّ بِأَنَّ الْمُتَلَفِّعَةَ فِي النَّهَارِ لَا تُعْرَفُ عَيْنُهَا فَلَا يَبْقَى فِي الْكَلَامِ فَائِدَةٌ، وَتُعُقِّبَ بِأَنَّ الْمَعْرِفَةَ إِنَّمَا تَتَعَلَّقُ بِالْأَعْيَانِ، فَلَوْ كَانَ الْمُرَادُ الْأَوَّلُ لَعَبَّرَ بِنَفْيِ الْعِلْمِ، وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ أَنَّ الْمُتَلَفِّعَةَ بِالنَّهَارِ لَا تُعْرَفُ عَيْنُهَا فِيهِ نَظَرٌ، لِأَنَّ لِكُلِّ امْرَأَةٍ هَيْئَةٌ غَيْرُ هَيْئَةِ الْأُخْرَى فِي الْغَالِبِ وَلَوْ كَانَ بَدَنُهَا مُغَطًّى. وَقَالَ الْبَاجِيُّ: هَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُنَّ كُنَّ سَافِرَاتٍ إِذْ لَوْ كُنَّ مُتَنَقِّبَاتٍ لَمَنَعَ تَغْطِيَةُ الْوَجْهِ مِنْ مَعْرِفَتِهِنَّ لَا الْغَلَسُ.
قُلْتُ: وَفِيهِ مَا فِيهِ، لِأَنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى الِاشْتِبَاهِ الَّذِي أَشَارَ إِلَيْهِ النَّوَوِيُّ، وَأَمَّا إِذَا قُلْنَا: إِنَّ لِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ هَيْئَةً غَالِبًا فَلَا يَلْزَمُ مَا ذُكِرَ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
قَوْلُهُ: (مُتَلَفِّعَاتٍ) تَقَدَّمَ شَرْحُهُ، (وَالْمُرُوطُ) جَمْعُ مِرْطٍ بِكَسْرِ الْمِيمِ وَهُوَ كِسَاءٌ مُعَلَّمٌ مِنْ خَزٍّ أَوْ صُوفٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ، وَقِيلَ لَا يُسَمَّى مِرْطًا إِلَّا إِذَا كَانَ أَخْضَرَ وَلَا يَلْبَسُهُ إِلَّا النِّسَاءُ، وَهُوَ مَرْدُودٌ بِقَوْلِهِ مِرْطٌ مِنْ شَعْرٍ أَسْوَدَ.
قَوْلُهُ: (يَنْقَلِبْنَ) أَيْ يَرْجِعْنَ.
قَوْلُهُ: (مِنَ الْغَلَسِ) مِنِ ابْتِدَائِيَّةٌ أَوْ تَعْلِيلِيَّةٌ، وَلَا مُعَارَضَةَ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ حَدِيثِ أبي بَرْزَةَ السَّابِقِ أَنَّهُ كَانَ يَنْصَرِفُ مِنَ الصَّلَاةِ حِينَ يَعْرِفُ الرَّجُلُ جَلِيسَهُ، لِأَنَّ هَذَا إِخْبَارٌ عَنْ رُؤْيَةِ الْمُتَلَفِّعَةِ عَلَى بُعْدٍ، وَذَاكَ إِخْبَارٌ عَنْ رُؤْيَةِ الْجَلِيسِ.
وَفِي الْحَدِيثِ اسْتِحْبَابُ الْمُبَادَرَةِ بِصَلَاةِ الصُّبْحِ فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ وَجَوَازُ خُرُوجِ النِّسَاءِ إِلَى الْمَسَاجِدِ لِشُهُودِ الصَّلَاةِ فِي اللَّيْلِ، وَيُؤْخَذُ مِنْهُ جَوَازُهُ