للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

نَفْسِهِ. وَيَقْرُبُ مِنْ ذَلِكَ الْخِلَافُ فِي قَوْلِ الْمَأْمُومِ: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ كَمَا سَيَأْتِي فِي مَوْضِعِهِ. وَقَالَ الطِّيبِيُّ: مَعْنَى الْحَيْعَلَتَيْنِ هَلُمَّ بِوَجْهِكَ وَسَرِيرَتِكَ إِلَى الْهُدَى عَاجِلًا وَالْفَوْزِ بِالنَّعِيمِ آجِلًا، فَنَاسَبَ أَنْ يَقُولَ: هَذَا أَمْرٌ عَظِيمٌ لَا أَسْتَطِيعُ مَعَ ضَعْفِي الْقِيَامَ بِهِ إِلَّا إِذَا وَفَّقَنِي اللَّهُ بِحَوْلِهِ وَقُوَّتِهِ. وَمِمَّا لُوحِظَتْ فِيهِ الْمُنَاسَبَةُ مَا نَقَلَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ: حَدَّثْتُ أَنَّ النَّاسَ كَانُوا يُنْصِتُونَ لِلْمُؤَذِّنِ إِنْصَاتَهُمْ لِلْقِرَاءَةِ فَلَا يَقُولُ شَيْئًا إِلَّا قَالُوا مِثْلَهُ، حَتَّى إِذَا قَالَ حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ قَالُوا: لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ وَإِذَا قَالَ: حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ قَالُوا: مَا شَاءَ اللَّهُ. انْتَهَى. وَإِلَى هَذَا صَارَ بَعْضُ الْحَنَفِيَّةِ.

وَرَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ مِثْلَهُ عَنْ عُثْمَانَ، وَرُوِيَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ: يَقُولُ فِي جَوَابِ الْحَيْعَلَةِ: سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا. وَوَرَاءَ ذَلِكَ وُجُوهٌ مِنَ الِاخْتِلَافِ أُخْرَى، قِيلَ: لَا يُجِيبُهُ إِلَّا فِي التَّشَهُّدَيْنِ فَقَطْ، وَقِيلَ: هُمَا وَالتَّكْبِيرُ، وَقِيلَ: يُضِيفُ إِلَى ذَلِكَ الْحَوْقَلَةَ دُونَ مَا فِي آخِرِهِ، وَقِيلَ: مَهْمَا أَتَى بِهِ مِمَّا يَدُلُّ عَلَى التَّوْحِيدِ وَالْإِخْلَاصِ كَفَاهُ وَهُوَ اخْتِيَارُ الطَّحَاوِيِّ، وَحَكَوْا أَيْضًا خِلَافًا: هَلْ يُجِيبُ فِي التَّرْجِيعِ أَوْ لَا، وَفِيمَا إِذَا أَذَّنَ مُؤَذِّنٌ آخَرُ هَلْ يُجِيبُهُ بَعْدَ إِجَابَتِهِ لِلْأَوَّلِ أَوْ لَا. قَالَ النَّوَوِيُّ: لَمْ أَرَ فِيهِ شَيْئًا لِأَصْحَابِنَا. وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: يُجِيبُ كُلَّ وَاحِدٍ بِإِجَابَةٍ لِتَعَدُّدِ السَّبَبِ، وَإِجَابَةُ الْأَوَّلِ أَفْضَلُ، إِلَّا فِي الصُّبْحِ وَالْجُمُعَةِ فَإِنَّهُمَا سَوَاءٌ لِأَنَّهُمَا مَشْرُوعَانِ. وَفِي الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ لَفْظَ الْمِثْلِ لَا يَقْتَضِي الْمُسَاوَاةَ مِنْ كُلِّ جِهَةٍ، لِأَنَّ قَوْلَهُ مِثْلَ مَا يَقُولُ لَا يُقْصَدُ بِهِ رَفْعُ الصَّوْتِ الْمَطْلُوبِ مِنَ الْمُؤَذِّنِ، كَذَا قِيلَ وَفِيهِ بَحْثٌ، لِأَنَّ الْمُمَاثَلَةَ وَقَعَتْ فِي الْقَوْلِ لَا فِي صِفَتِهِ، وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْمُؤَذِّنِ وَالْمُجِيبِ فِي ذَلِكَ أَنَّ الْمُؤَذِّنَ مَقْصُودُهُ الْإِعْلَامُ فَاحْتَاجَ إِلَى رَفْعِ الصَّوْتِ، وَالسَّامِعَ مَقْصُودُهُ ذِكْرُ اللَّهِ فَيَكْتَفِي بِالسِّرِّ أَوِ الْجَهْرِ لَا مَعَ الرَّفْعِ. نَعَمْ لَا يَكْفِيهِ أَنْ يُجْرِيَهُ عَلَى خَاطِرِهِ مِنْ غَيْرِ تَلَفُّظٍ لِظَاهِرِ الْأَمْرِ بِالْقَوْلِ. وَأَغْرَبَ ابْنُ الْمُنِيرِ فَقَالَ: حَقِيقَةُ الْأَذَانِ جَمِيعُ مَا يَصْدُرُ عَنِ الْمُؤَذِّنِ مِنْ قَوْلٍ وَفِعْلٍ وَهَيْئَةٍ.

وَتُعُقِّبَ بِأَنَّ الْأَذَانَ مَعْنَاهُ الْإِعْلَامُ لُغَةً، وَخَصَّهُ الشَّرْعُ بِأَلْفَاظٍ مَخْصُوصَةٍ فِي أَوْقَاتٍ مَخْصُوصَةٍ فَإِذَا وُجِدَتِ الْأَذَانُ، وَمَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ مِنْ قَوْلٍ أَوْ فِعْلٍ أَوْ هَيْئَةٍ يَكُونُ مِنْ مُكَمِّلَاتِهِ (١) وَيُوجَدُ الْأَذَانُ مِنْ دُونِهَا. وَلَوْ كَانَ عَلَى مَا أَطْلَقَ لَكَانَ مَا أَحْدَثَ مِنَ التَّسْبِيحِ قَبْلَ الصُّبْحِ وَقَبْلَ الْجُمُعَةِ وَمِنَ الصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ مِنْ جُمْلَةِ الْأَذَانِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ لَا لُغَةً وَلَا شَرْعًا. وَاسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى جَوَازِ إِجَابَةِ الْمُؤَذِّنِ فِي الصَّلَاةِ عَمَلًا بِظَاهِرِ الْأَمْرِ، وَلِأَنَّ الْمُجِيبَ لَا يَقْصِدُ الْمُخَاطَبَةَ، وَقِيلَ: يُؤَخِّرُ الْإِجَابَةَ حَتَّى يَفْرُغَ لِأَنَّ فِي الصَّلَاةِ شُغْلًا، وَقِيلَ: يُجِيبُ إِلَّا فِي الْحَيْعَلَتَيْنِ لِأَنَّهُمَا كَالْخِطَابِ لِلْآدَمِيِّينَ وَالْبَاقِي مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ فَلَا يَمْنَعُ. لَكِنْ قَدْ يُقَالُ: مَنْ يُبَدِّلُ الْحَيْعَلَةَ بِالْحَوْقَلَةِ لَا يَمْنَعُ، لِأَنَّهَا مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ، قَالَهُ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ.

وَفَرَّقَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ فِي فَتَاوِيهِ بَيْنَ مَا إِذَا كَانَ يَقْرَأُ الْفَاتِحَةَ فَلَا يُجِيبُ بِنَاءً عَلَى وُجُوبِ مُوَالَاتِهَا وَإِلَّا فَيُجِيبُ، وَعَلَى هَذَا إِنْ أَجَابَ فِي الْفَاتِحَةِ اسْتَأْنَفَ، وَهَذَا قَالَهُ بَحْثًا، وَالْمَشْهُورُ فِي الْمَذْهَبِ كَرَاهَةُ الْإِجَابَةِ فِي الصَّلَاةِ بَلْ يُؤَخِّرُهَا حَتَّى يَفْرُغَ، وَكَذَا فِي حَالِ الْجِمَاعِ وَالْخَلَاءِ، لَكِنْ إِنْ أَجَابَ بِالْحَيْعَلَةِ بَطَلَتْ كَذَا أَطْلَقَهُ كَثِيرٌ مِنْهُمْ، وَنَصَّ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ عَلَى عَدَمِ فَسَادِ الصَّلَاةِ بِذَلِكَ، وَاسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى مَشْرُوعِيَّةِ إِجَابَةِ الْمُؤَذِّنِ فِي الْإِقَامَةِ، قَالُوا: إِلَّا فِي كَلِمَتَيِ الْإِقَامَةِ فَيَقُولُ أَقَامَهَا اللَّهُ وَأَدَامَهَا وَقِيَاسُ إِبْدَالِ الْحَيْعَلَةِ بِالْحَوْقَلَةِ فِي الْأَذَانِ أَنْ يَجِيءَ هُنَا، لَكِنْ قَدْ يُفَرَّقُ بِأَنَّ الْأَذَانَ إِعْلَامٌ عَامٌّ فَيَعْسُرُ عَلَى الْجَمِيعِ أَنْ يَكُونُوا دُعَاةً إِلَى الصَّلَاةِ، وَالْإِقَامَةَ إِعْلَامٌ


(١) هذا فيه نظر: والصواب أن ما أحدثه الناس من رفع الصوت بالتسبيح قبل الأذان والصلاة على النبي بعده - كما أشار إليه الشارح - بدعة يجب على ولاة الأمر إنكارها حتى لايدخل في الأذان ماليس منه، وفيما شرعه الله غنية وكفاية عن المحدثات، فتنبه