للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

قَالَ الْحَنَفِيَّةُ وَابْنُ وَهْبٍ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ وَخَالَفَ الطَّحَاوِيُّ أَصْحَابَهُ فَوَافَقَ الْجُمْهُورَ.

قَوْلُهُ: (رَبَّ هَذِهِ الدَّعْوَةِ) بِفَتْحِ الدَّالِ، زَادَ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ عَوْنٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ عَيَّاشٍ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ بِحَقِّ هَذِهِ الدَّعْوَةِ التَّامَّةِ وَالْمُرَادُ بِهَا دَعْوَةُ التَّوْحِيدِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿لَهُ دَعْوَةُ الْحَقِّ﴾ وَقِيلَ: لِدَعْوَةِ التَّوْحِيدِ تَامَّةٌ لِأَنَّ الشَّرِكَةَ نَقْصٌ. أَوِ التَّامَّةُ الَّتِي لَا يَدْخُلُهَا تَغْيِيرٌ وَلَا تَبْدِيلٌ، بَلْ هِيَ بَاقِيَةٌ إِلَى يَوْمِ النُّشُورِ، أَوْ لِأَنَّهَا هِيَ الَّتِي تَسْتَحِقُّ صِفَةَ التَّمَامِ وَمَا سِوَاهَا فَمُعَرَّضٌ لِلْفَسَادِ. وَقَالَ ابْنُ التِّينِ: وُصِفَتْ بِالتَّامَّةِ لِأَنَّ فِيهَا أَتَمَّ الْقَوْلِ وَهُوَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ. وَقَالَ الطِّيبِيُّ: مِنْ أَوَّلِهِ إِلَى قَوْلِهِ: مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ هِيَ الدَّعْوَةُ التَّامَّةِ، وَالْحَيْعَلَةُ هِيَ الصَّلَاةُ الْقَائِمَةِ فِي قَوْلِهِ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِالصَّلَاةِ الدُّعَاءُ وَبِالْقَائِمَةِ الدَّائِمَةُ مِنْ قَامَ عَلَى الشَّيْءِ إِذَا دَاوَمَ عَلَيْهِ، وَعَلَى هَذَا فَقَوْلُهُ: وَالصَّلَاةِ الْقَائِمَةِ بَيَانٌ لِلدَّعْوَةِ التَّامَّةِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِالصَّلَاةِ الْمَعْهُودَةِ الْمَدْعُوِّ إِلَيْهَا حِينَئِذٍ وَهُوَ أَظْهَرُ.

قَوْلُهُ: (الْوَسِيلَةَ) هِيَ مَا يُتَقَرَّبُ بِهِ إِلَى الْكَبِيرِ، يُقَالُ: تَوَسَّلْتُ أَيْ: تَقَرَّبْتُ، وَتُطْلَقُ عَلَى الْمَنْزِلَةِ الْعَلِيَّةِ، وَوَقَعَ ذَلِكَ فِي حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو عِنْدَ مُسْلِمٍ بِلَفْظِ فَإِنَّهَا مَنْزِلَةٌ فِي الْجَنَّةِ لَا تَنْبَغِي إِلَّا لِعَبْدٍ مِنْ عِبَادِ اللَّهِ الْحَدِيثَ، وَنَحْوُهُ لِلْبَزَّارِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَيُمْكِنُ رَدُّهَا إِلَى الْأَوَّلِ بِأَنَّ الْوَاصِلَ إِلَى تِلْكَ الْمَنْزِلَةِ قَرِيبٌ مِنَ اللَّهِ فَتَكُونُ كَالْقُرْبَةِ الَّتِي يُتَوَسَّلُ بِهَا.

قَوْلُهُ: (وَالْفَضِيلَةَ) أَيِ الْمَرْتَبَةَ الزَّائِدَةَ عَلَى سَائِرِ الْخَلَائِقِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ مَنْزِلَةً أُخْرَى أَوْ تَفْسِيرًا لِلْوَسِيلَةِ.

قَوْلُهُ: (مَقَامًا مَحْمُودًا) أَيْ يُحْمَدُ الْقَائِمُ فِيهِ، وَهُوَ مُطْلَقٌ فِي كُلِّ مَا يَجْلِبُ الْحَمْدَ مِنْ أَنْوَاعِ الْكَرَامَاتِ، وَنُصِبَ عَلَى الظَّرْفِيَّةِ، أَيِ ابْعَثْهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَأَقِمْهُ مَقَامًا مَحْمُودًا، أَوْ ضَمَّنَ ابْعَثْهُ مَعْنَى أَقِمْهُ، أَوْ عَلَى أَنَّهُ مَفْعُولٌ بِهِ وَمَعْنَى ابْعَثْهُ أَعْطِهِ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ حَالًا أَيِ ابْعَثْهُ ذَا مَقَامٍ مَحْمُودٍ. قَالَ النَّوَوِيُّ: ثَبَتَتِ الرِّوَايَةُ بِالتَّنْكِيرِ وَكَأَنَّهُ حِكَايَةٌ لِلَفْظِ الْقُرْآنِ، وَقَالَ الطِّيبِيُّ: إِنَّمَا نَكَّرَهُ لِأَنَّهُ أَفْخَمُ وَأَجْزَلُ، كَأَنَّهُ قِيلَ: مَقَامًا أَيْ: مَقَامًا مَحْمُودًا بِكُلِّ لِسَانٍ.

قُلْتُ: وَقَدْ جَاءَ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ بِعَيْنِهَا مِنْ رِوَايَةِ عَلِيِّ بْنِ عَيَّاشٍ شَيْخِ الْبُخَارِيِّ فِيهِ بِالتَّعْرِيفِ عِنْدَ النَّسَائِيِّ، وَهِيَ فِي صَحِيحِ ابْنِ خُزَيْمَةَ، وَابْنِ حِبَّانَ أَيْضًا، وَفِي الطَّحَاوِيِّ، وَالطَّبَرَانِيِّ فِي الدُّعَاءِ وَالْبَيْهَقِيِّ، وَفِيهِ تَعَقُّبٌ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ ذَلِكَ كَالنَّوَوِيِّ.

قَوْلُهُ: (الَّذِي وَعَدْتَهُ) زَادَ فِي رِوَايَةِ الْبَيْهَقِيِّ ﴿إِنَّكَ لا تُخْلِفُ الْمِيعَادَ﴾ وَقَالَ الطِّيبِيُّ: الْمُرَادُ بِذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا﴾ وَأُطْلِقَ عَلَيْهِ الْوَعْدُ لِأَنَّ عَسَى مِنَ اللَّهِ وَاقِعٌ كَمَا صَحَّ عَنِ ابْنِ عُيَيْنَةَ وَغَيْرِهِ، وَالْمَوْصُولُ إِمَّا بَدَلٌ أَوْ عَطْفُ بَيَانٍ أَوْ خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ وَلَيْسَ صِفَةً لِلنَّكِرَةِ، وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ النَّسَائِيِّ، وَابْنِ خُزَيْمَةَ وَغَيْرِهِمَا: الْمَقَامُ الْمَحْمُودُ بِالْأَلِفِ وَاللَّامِ فَيَصِحُّ وَصْفُهُ بِالْمَوْصُولِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ: وَالْأَكْثَرُ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالْمَقَامِ الْمَحْمُودِ الشَّفَاعَةُ، وَقِيلَ: إِجْلَاسُهُ عَلَى الْعَرْشِ، وَقِيلَ: عَلَى الْكُرْسِيِّ، وَحَكَى كُلًّا مِنَ الْقَوْلَيْنِ عَنْ جَمَاعَةٍ، وَعَلَى تَقْدِيرِ الصِّحَّةِ لَا يُنَافِي الْأَوَّلَ؛ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ الْإِجْلَاسُ عَلَامَةَ الْإِذْنِ فِي الشَّفَاعَةِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِالْمَقَامِ الْمَحْمُودِ الشَّفَاعَةُ كَمَا هُوَ مَشْهُورٌ، وَأَنْ يَكُونَ الْإِجْلَاسُ هِيَ الْمَنْزِلَةُ الْمُعَبَّرُ عَنْهَا بِالْوَسِيلَةِ أَوِ الْفَضِيلَةِ. وَوَقَعَ فِي صَحِيحِ ابْنِ حِبَّانَ مِنْ حَدِيثِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ مَرْفُوعًا يَبْعَثُ اللَّهُ النَّاسَ، فَيَكْسُونِي رَبِّي حُلَّةً خَضْرَاءَ، فَأَقُولُ: مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ أَقُولَ فَذَلِكَ الْمَقَامُ الْمَحْمُودُ، وَيَظْهَرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْقَوْلِ الْمَذْكُورِ هُوَ الثَّنَاءُ الَّذِي يُقَدِّمُهُ بَيْنَ يَدَيِ الشَّفَاعَةِ. وَيَظْهَرُ أَنَّ الْمَقَامَ الْمَحْمُودَ هُوَ مَجْمُوعُ مَا يَحْصُلُ لَهُ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ، وَيُشْعِرُ قَوْلُهُ فِي آخِرِ الْحَدِيثِ حَلَّتْ لَهُ شَفَاعَتِي بِأَنَّ الْأَمْرَ الْمَطْلُوبَ لَهُ الشَّفَاعَةُ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

قَوْلُهُ: (حَلَّتْ لَهُ) أَيِ اسْتَحَقَّتْ وَوَجَبَتْ أَوْ نَزَلَتْ عَلَيْهِ، يُقَالُ: حَلَّ يَحُلُّ بِالضَّمِّ إِذَا نَزَلَ، وَاللَّامُ بِمَعْنَى عَلَى، وَيُؤَيِّدُهُ رِوَايَةُ مُسْلِمٍ حَلَّتْ عَلَيْهِ. وَوَقَعَ فِي الطَّحَاوِيِّ من حَدِيثُ ابْنِ مَسْعُودٍ وَجَبَتْ لَهُ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ حَلَّتْ مِنَ