للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

الثَّوَابَ الْمَذْكُورَ عَلَى الْمَجْمُوعِ مِنَ النِّيَّةِ وَشَغْلِ الْبُقْعَةِ بِالْعِبَادَةِ، لَكِنْ لِلْمَذْكُورِ ثَوَابٌ يَخُصُّهُ، وَلَعَلَّ هَذَا هُوَ السِّرُّ فِي إِيرَادِ الْمُصَنِّفِ الْحَدِيثَ الَّذِي يَلِيهِ وَفِيهِ: وَرَجُلٌ قَلْبُهُ مُعَلَّقٌ فِي الْمَسَاجِدِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ فِي الطَّهَارَةِ عَلَى مَعْنَى قَوْلِهِ مَا لَمْ يُحْدِثْ وَفِيهِ زِيَادَةٌ عَلَى مَا هُنَا، وَأَنَّ الْمُرَادَ بِالْحَدَثِ حَدَثُ الْفَرْجِ، لَكِنْ يُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّ اجْتِنَابَ حَدَثِ الْيَدِ وَاللِّسَانِ مِنْ بَابِ الْأَوْلَى، لِأَنَّ الْأَذَى مِنْهُمَا يَكُونُ أَشَدَّ، أَشَارَ إِلَى ذَلِكَ ابْنُ بَطَّالٍ. وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى بَاقِي فَوَائِدِهِ فِي بَابِ فَضْلِ صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ وَيُؤْخَذُ مِنْ قَوْلِهِ فِي مُصَلَّاهُ الَّذِي صَلَّى فِيهِ أَنَّ ذَلِكَ مُقَيَّدٌ بِمَنْ صَلَّى ثُمَّ انْتَظَرَ صَلَاةً أُخْرَى، وَبِتَقْيِيدِ الصَّلَاةِ الْأُولَى بِكَوْنِهَا مُجْزِئَةً، أَمَّا لَوْ كَانَ فِيهَا نَقْصٌ فَإِنَّهَا تُجْبَرُ بِالنَّافِلَةِ كَمَا ثَبَتَ فِي الْخَبَرِ الْآخَرِ.

قَوْلُهُ: (اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَهُ، اللَّهُمَّ ارْحَمْهُ) هُوَ مُطَابِقٌ لِقولِهِ تَعَالَى: ﴿وَالْمَلائِكَةُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَنْ فِي الأَرْضِ﴾ قِيلَ: السِّرُّ فِيهِ أَنَّهُمْ يَطَّلِعُونَ عَلَى أَفْعَالِ بَنِي آدَمَ وَمَا فِيهَا مِنَ الْمَعْصِيَةِ وَالْخَلَلِ فِي الطَّاعَةِ فَيَقْتَصِرُونَ عَلَى الِاسْتِغْفَارِ لَهُمْ مِنْ ذَلِكَ، لِأَنَّ دَفْعَ الْمَفْسَدَةِ مُقَدَّمٌ عَلَى جَلْبِ الْمَصْلَحَةِ، وَلَوْ فُرِضَ أَنَّ فِيهِمْ مَنْ تَحَفَّظَ مِنْ ذَلِكَ فَإِنَّهُ يُعَوَّضُ مِنَ الْمَغْفِرَةِ بِمَا يُقَابِلُهَا مِنَ الثَّوَابِ.

٦٦٠ - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ بُنْدَارٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ، قَالَ: حَدَّثَنِي خُبَيْبُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ حَفْصِ بْنِ عَاصِمٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنْ النَّبِيِّ قَالَ: سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمْ اللَّهُ فِي ظِلِّهِ، يَوْمَ لَا ظِلَّ إِلَّا ظِلُّهُ: الْإِمَامُ الْعَادِلُ، وَشَابٌّ نَشَأَ فِي عِبَادَةِ رَبِّهِ، وَرَجُلٌ قَلْبُهُ مُعَلَّقٌ فِي الْمَسَاجِدِ، وَرَجُلَانِ تَحَابَّا فِي اللَّهِ، اجْتَمَعَا عَلَيْهِ وَتَفَرَّقَا عَلَيْهِ، وَرَجُلٌ طَلَبَتْهُ امْرَأَةٌ ذَاتُ مَنْصِبٍ وَجَمَالٍ فَقَالَ: إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ، وَرَجُلٌ تَصَدَّقَ، أَخْفَى حَتَّى لَا تَعْلَمَ شِمَالُهُ مَا تُنْفِقُ يَمِينُهُ، وَرَجُلٌ ذَكَرَ اللَّهَ خَالِيًا فَفَاضَتْ عَيْنَاهُ.

[الحديث ٦٦٠ - أطرافه في: ٦٨٠٦، ٦٤٧٩، ١٤٢٣]

قَوْلُهُ: (حَدَّثَنَا يَحْيَى) هُوَ الْقَطَّانُ، وَعُبَيْدُ اللَّهِ هُوَ ابْنُ عُمَرَ الْعُمَرِيُّ، وَخُبَيْبٌ بِضَمِّ الْمُعْجَمَةِ وَهُوَ خَالُ عُبَيْدِ اللَّهِ الرَّاوِي عَنْهُ، وَحَفْصُ بْنُ عَاصِمٍ هُوَ ابْنُ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَهُوَ جَدُّ عُبَيْدِ اللَّهِ الْمَذْكُورِ لِأَبِيهِ.

قَوْلُهُ: (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ) لَمْ تَخْتَلِفِ الرُّوَاةُ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ فِي ذَلِكَ، وَرَوَاهُ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأِ عَنْ خُبَيْبٍ فَقَالَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ عَلَى الشَّكِّ، وَرَوَاهُ أَبُو قُرَّةَ، عَنْ مَالِكٍ بِوَاوِ الْعَطْفِ فَجَعَلَهُ عَنْهُمَا، وَتَابَعَهُ مُصْعَبٌ الزُّبَيْرِيُّ، وَشَذَّا فِي ذَلِكَ عَنْ أَصْحَابِ مَالِكٍ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ عُبَيْدَ اللَّهِ حَفِظَهُ لِكَوْنِهِ لَمْ يَشُكَّ فِيهِ وَلِكَوْنِهِ مِنْ رِوَايَةِ خَالِهِ وَجَدِّهِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

قَوْلُهُ: (سَبْعَةٌ) ظَاهِرُهُ اخْتِصَاصُ الْمَذْكُورِينَ بِالثَّوَابِ الْمَذْكُورِ، وَوَجَّهَهُ الْكِرْمَانِيُّ بِمَا مُحَصِّلُهُ أَنَّ الطَّاعَةَ إِمَّا أَنْ تَكُونَ بَيْنَ الْعَبْدِ وَبَيْنَ الرَّبِّ أَوْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْخَلْقِ، فَالْأَوَّلُ بِاللِّسَانِ وَهُوَ الذِّكْرُ، أَوْ بِالْقَلْبِ وَهُوَ الْمُعَلَّقُ بِالْمَسْجِدِ، أَوْ بِالْبَدَنِ وَهُوَ النَّاشِئُ فِي الْعِبَادَةِ. وَالثَّانِي عَامٌّ وَهُوَ الْعَادِلُ، أَوْ خَاصٌّ بِالْقَلْبِ وَهُوَ التَّحَابُّ، أَوْ بِالْمَالِ وَهُوَ الصَّدَقَةُ، أَوْ بِالْبَدَنِ وَهُوَ الْعِفَّةُ. وَقَدْ نَظَمَ السَّبْعَةَ الْعَلَّامَةُ أَبُو شَامَةَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ إِسْمَاعِيلَ فِيمَا أَنَشَدَنَاهُ أَبُو إِسْحَاقَ التَّنُوخِيُّ إِذْنًا عَنْ أَبِي الْهُدَى أَحْمَدَ بْنِ أَبِي شَامَةَ عَنْ أَبِيهِ سَمَاعًا مِنْ لَفْظِهِ قَالَ:

وَقَالَ النَّبِيُّ الْمُصْطَفَى إِنَّ سَبْعَةً … يُظِلُّهُمُ اللَّهُ الْكَرِيمُ بِظِلِّهِ

مُحِبٌّ عَفِيفٌ نَاشِئٌ مُتَصَدِّقٌ … وَبَاكٍ مُصَلٍّ وَالْإِمَامُ بِعَدْلِهِ