للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

لَكَ الْحَمْدُ عَقِبَ قَوْلِ الْإِمَامِ: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ فَأَمَّا مَنْعُ الْإِمَامِ مِنْ قَوْلِ: رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ فَلَيْسَ بِشَيْءٍ؛ لِأَنَّهُ ثَبَتَ أَنَّ النَّبِيَّ كَانَ يَجْمَعُ بَيْنَهُمَا، كَمَا سَيَأْتِي فِي بَابِ مَا يَقُولُ عِنْدَ رَفْعِ رَأْسِهِ مِنَ الرُّكُوعِ وَيَأْتِي بَاقِي الْكَلَامِ عَلَيْهِ هُنَاكَ.

قَوْلُهُ: (عَنْ أَنَسٍ) فِي رِوَايَةِ شُعَيْبٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ: أَخْبَرَنِي أَنَسٌ.

قَوْلُهُ: (فَصَلَّى صَلَاةً مِنَ الصَّلَوَاتِ) فِي رِوَايَةِ سُفْيَانَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ فَحَضَرَتِ الصَّلَاةُ وَكَذَا فِي رِوَايَةِ حُمَيْدٍ، عَنْ أَنَسٍ عِنْدَ الْإِسْمَاعِيلِيِّ، قَالَ الْقُرْطُبِيُّ: اللَّامُ لِلْعَهْدِ ظَاهِرًا، وَالْمُرَادُ الْفَرْضُ؛ لِأَنَّهَا الَّتِي عُرِفَ مِنْ عَادَتِهِمْ أَنَّهُمْ يَجْتَمِعُونَ لَهَا بِخِلَافِ النَّافِلَةِ. وَحَكَى عِيَاضٌ، عَنِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهَا كَانَتْ نَفْلًا، وَتُعُقِّبَ بِأَنَّ فِي رِوَايَةِ جَابِرٍ عِنْدَ ابْنِ خُزَيْمَةَ، وَأَبِي دَاوُدَ الْجَزْمُ بِأَنَّهَا فَرْضٌ كَمَا سَيَأْتِي، لَكِنْ لَمْ أَقِفْ عَلَى تَعْيِينِهَا، إِلَّا أَنَّ فِي حَدِيثِ أَنَسٍ: فَصَلَّى بِنَا يَوْمَئِذٍ فَكَأَنَّهَا نَهَارِيَّةٌ، الظُّهْرَ أَوِ الْعَصْرَ.

قَوْلُهُ: (فَصَلَّيْنَا وَرَاءَهُ قُعُودًا) ظَاهِرُهُ يُخَالِفُ حَدِيثَ عَائِشَةَ، وَالْجَمْعُ بَيْنَهُمَا أَنَّ فِي رِوَايَةِ أَنَسٍ هَذِهِ اخْتِصَارًا، وَكَأَنَّهُ اقْتَصَرَ عَلَى مَا آلَ إِلَيْهِ الْحَالُ بَعْدَ أَمْرِهِ لَهُمْ بالْجُلُوسِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي بَابِ الصَّلَاةِ فِي السُّطُوحِ مِنْ رِوَايَةِ حُمَيْدٍ، عَنْ أَنَسٍ بِلَفْظِ فَصَلَّى بِهِمْ جَالِسًا وَهُمْ قِيَامٌ، فَلَمَّا سَلَّمَ قَالَ: إِنَّمَا جُعِلَ الْإِمَامُ، وَفِيهَا أَيْضًا اخْتِصَارٌ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ فِيهِ قَوْلَهُ لَهُمُ: اجْلِسُوا، وَالْجَمْعُ بَيْنَهُمَا أَنَّهُمُ ابْتَدَؤُوا الصَّلَاةَ قِيَامًا، فَأَوْمَأَ إِلَيْهِمْ بِأَنْ يَقْعُدُوا فَقَعَدُوا، فَنَقَلَ كُلٌّ مِنَ الزُّهْرِيِّ، وَحُمَيْدٍ أَحَدَ الْأَمْرَيْنِ، وَجَمَعَتْهُمَا عَائِشَةُ، وَكَذَا جَمَعَهُمَا جَابِرٌ عِنْدَ مُسْلِمٍ، وَجَمَعَ الْقُرْطُبِيُّ بَيْنَ الْحَدِيثَيْنِ بِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ بَعْضُهُمْ قَعَدَ مِنْ أَوَّلِ الْحَالِ وَهُوَ الَّذِي حَكَاهُ أَنَسٌ، وَبَعْضُهُمْ قَامَ حَتَّى أَشَارَ إِلَيْهِ بِالْجُلُوسِ وَهَذَا الَّذِي حَكَتْهُ عَائِشَةُ. وَتُعُقِّبَ بِاسْتِبْعَادِ قُعُودِ بَعْضِهِمْ بِغَيْرِ إِذْنِهِ لِأَنَّهُ يَسْتَلْزِمُ النَّسْخَ بِالِاجْتِهَادِ؛ لِأَنَّ فَرْضَ الْقَادِرِ فِي الْأَصْلِ الْقِيَامُ. وَجَمَعَ آخَرُونَ بَيْنَهُمَا بِاحْتِمَالِ تَعَدُّدِ الْوَاقِعَةِ وَفِيهِ بُعْدٌ؛ لِأَنَّ حَدِيثَ أَنَسٍ إِنْ كَانَتِ الْقِصَّةُ فِيهِ سَابِقَةٌ لَزِمَ مِنْهُ مَا ذَكَرْنَا مِنَ النَّسْخِ بِالِاجْتِهَادِ، وَإِنْ كَانَتْ مُتَأَخِّرَةٌ لَمْ يَحْتَجْ إِلَى إِعَادَةِ قَوْلِ: إِنَّمَا جُعِلَ الْإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ، إِلَخْ لِأَنَّهُمْ قَدِ امْتَثَلُوا أَمْرَهُ السَّابِقَ وَصَلَّوْا قُعُودًا لِكَوْنِهِ قَاعِدًا.

(فَائِدَةٌ): وَقَعَ فِي رِوَايَةِ جَابِرٍ عِنْدَ أَبِي دَاوُدَ أَنَّهُمْ دَخَلُوا يَعُودُونَهُ مَرَّتَيْنِ فَصَلَّى بِهِمْ فِيهِمَا، لَكِنْ بَيَّنَ أَنَّ الْأُولَى كَانَتْ نَافِلَةً وَأَقَرَّهُمْ عَلَى الْقِيَامِ وَهُوَ جَالِسٌ، وَالثَّانِيَةُ كَانَتْ فَرِيضَةً وَابْتَدَؤُوا قِيَامًا فَأَشَارَ إِلَيْهِمْ بِالْجُلُوسِ. وَفِي رِوَايَةِ بِشْرٍ، عَنْ حُمَيْدٍ، عَنْ أَنَسٍ عِنْدَ الْإِسْمَاعِيلِيِّ، نَحْوُهُ.

قَوْلُهُ: (وَإِذَا صَلَّى جَالِسًا) اسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى صِحَّةِ إِمَامَةِ الْجَالِسِ كَمَا تَقَدَّمَ. وَادَّعَى بَعْضُهُمْ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْأَمْرِ أَنْ يَقْتَدِيَ بِهِ فِي جُلُوسِهِ فِي التَّشَهُّدِ وَبَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ؛ لِأَنَّهُ ذَكَرَ ذَلِكَ عَقِبَ ذِكْرِ الرُّكُوعِ وَالرَّفْعِ مِنْهُ وَالسُّجُودِ، قَالَ: فَيُحْمَلُ عَلَى أَنَّهُ لَمَّا جَلَسَ لِلتَّشَهُّدِ قَامُوا تَعْظِيمًا لَهُ، فَأَمَرَهُمْ بِالْجُلُوسِ تَوَاضُعًا، وَقَدْ نَبَّهَ عَلَى ذَلِكَ بِقَوْلِهِ فِي حَدِيثِ جَابِرٍ: إِنْ كِدْتُمْ أَنْ تَفْعَلُوا فِعْلَ فَارِسَ وَالرُّومِ، يَقُومُونَ عَلَى مُلُوكِهِمْ وَهُمْ قُعُودٌ، فَلَا تَفْعَلُوا، وَتَعَقَّبَهُ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ وَغَيْرُهُ بِالِاسْتِبْعَادِ، وَبِأَنَّ سِيَاقَ طُرُقِ الْحَدِيثِ تَأْبَاهُ، وَبِأَنَّهُ لَوْ كَانَ الْمُرَادُ الْأَمْرَ بِالْجُلُوسِ فِي الرُّكْنِ لَقَالَ: وَإِذَا جَلَسَ فَاجْلِسُوا؛ لِيُنَاسِبَ قَوْلَهُ: وَإِذَا سَجَدَ فَاسْجُدُوا، فَلَمَّا عَدَلَ عَلَى ذَلِكَ إِلَى قَوْلِهِ: وَإِذَا صَلَّى جَالِسًا كَانَ كَقَوْلِهِ: وَإِذَا صَلَّى قَائِمًا، فَالْمُرَادُ بِذَلِكَ جَمِيعُ الصَّلَاةِ. وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ قَوْلُ أَنَسٍ: فَصَلَّيْنَا وَرَاءَهُ قُعُودًا.

قَوْلُهُ: (أَجْمَعُونَ) كَذَا فِي جَمِيعِ الطُّرُقِ فِي الصَّحِيحَيْنِ بِالْوَاوِ، إِلَّا أَنَّ الرُّوَاةَ اخْتَلَفُوا فِي رِوَايَةِ هَمَّامٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ كَمَا سَيَأْتِي فِي بَابِ إِقَامَةِ الصَّفِّ فَقَالَ بَعْضُهُمْ: أَجْمَعِينَ بِالْيَاءِ، وَالْأَوَّلُ تَأْكِيدٌ لِضَمِيرِ الْفَاعِلِ فِي قَوْلِهِ: صَلُّوا، وَأَخْطَأَ مَنْ ضَعَّفَهُ؛ فَإِنَّ الْمَعْنَى عَلَيْهِ، وَالثَّانِي نُصِبَ عَلَى الْحَالِ، أَيْ: جُلُوسًا مُجْتَمِعِينَ، أَوْ عَلَى التَّأْكِيدِ لِضَمِيرٍ مُقَدَّرٍ مَنْصُوبٍ، كَأَنَّهُ قَالَ: أَعْنِيكُمْ أَجْمَعِينَ. وَفِي الْحَدِيثِ مِنَ الْفَوَائِدِ غَيْرِ مَا تَقَدَّمَ: مَشْرُوعِيَّةُ رُكُوبِ الْخَيْلِ وَالتَّدَرُّبِ عَلَى أَخْلَاقِهَا وَالتَّأَسِّي لِمَنْ يَحْصُلُ لَهُ سُقُوطٌ وَنَحْوُهُ بِمَا اتَّفَقَ لِلنَّبِيِّ فِي هَذِهِ الْوَاقِعَةِ وَبِهِ الْأُسْوَةُ الْحَسَنَةُ. وَفِيهِ أَنَّهُ يَجُوزُ