نَعْلَمُ أَحَدًا سَمَّاهُ عَنْ جَابِرٍ إِلَّا ابْنَ جَابِرٍ، اهـ. وَقَدْ رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ فِي السُّنَنِ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ طَالِبٍ، فَجَعَلَهُ عَنِ ابْنِ جَابِرٍ، عَنْ حَزْمٍ صَاحِبِ الْقِصَّةِ، وَابْنُ جَابِرٍ لَمْ يُدْرِكْ حَزْمًا.
وَوَقَعَ عِنْدَهُ: صَلَاةُ الْمَغْرِبِ وَهُوَ نَحْوُ مَا تَقَدَّمَ مِنَ الِاخْتِلَافِ فِي رِوَايَةِ مُحَارِبٍ، وَرَوَاهُ ابْنُ لَهِيعَةَ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ فَسَمَّاهُ حَازِمًا وَكَأَنَّهُ صَحَّفَهُ، أَخْرَجَهُ ابْنُ شَاهِينَ مِنْ طَرِيقِهِ، وَرَوَاهُ أَحْمَدُ، وَالنَّسَائِيُّ، وَأَبُو يَعْلَى، وَابْنُ السَّكَنِ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ صُهَيْبٍ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ: كَانَ مُعَاذٌ يَؤُمُّ قَوْمَهُ، فَدَخَلَ حَرَامٌ، وَهُوَ يُرِيدُ أَنْ يَسْقِيَ نَخْلَهُ، الْحَدِيثَ، كَذَا فِيهِ بِرَاءٍ بَعْدَهَا أَلِفٌ، وَظَنَّ بَعْضُهُمْ أَنَّهُ حَرَامُ بْنُ مِلْحَانَ خَالُ أَنَسٍ، وَبِذَلِكَ جَزَمَ الْخَطِيبُ فِي الْمُبْهَمَاتِ، لَكِنْ لَمْ أَرَهُ مَنْسُوبًا فِي الرِّوَايَةِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ تَصْحِيفًا مِنْ حَزْمٍ فَتَجْتَمِعُ هَذِهِ الرِّوَايَاتُ، وَإِلَى ذَلِكَ يُومِئُ صَنِيعُ ابْنِ عَبْدِ الْبَرِّ؛ فَإِنَّهُ ذَكَرَ فِي الصَّحَابَةِ حَرَامَ بْنَ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ وَذَكَرَ لَهُ هَذِهِ الْقِصَّةَ، وَعَزَا تَسْمِيَتَهُ لِرِوَايَةِ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ صُهَيْبٍ، عَنْ أَنَسٍ، وَلَمْ أَقِفْ فِي رِوَايَةِ عَبْدِ الْعَزِيزِ عَلَى تَسْمِيَةِ أَبِيهِ، وَكَأَنَّهُ بَنَى عَلَى أَنَّ اسْمَهُ تَصَحَّفَ وَالْأَبُ وَاحِدٌ، سَمَّاهُ جَابِرٌ وَلَمْ يُسَمِّهِ أَنَسٌ.
وَجَاءَ فِي تَسْمِيَتِهِ قَوْلٌ آخَرُ، أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ أَيْضًا مِنْ رِوَايَةِ مُعَاذِ بْنِ رِفَاعَةَ عَنْ رَجُلٍ مِنْ بَنِي سَلِمَةَ يُقَالُ لَهُ: سُلَيْمٌ، أَنَّهُ أَتَى النَّبِيَّ ﷺ فَقَالَ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ إِنَّا نَظَلُّ فِي أَعْمَالِنَا، فَنَأْتِي حِينَ نُمْسِي فَنُصَلِّي، فَيَأْتِي مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ فَيُنَادِي بِالصَّلَاةِ، فَنَأْتِيهِ فَيُطَوِّلُ عَلَيْنَا، الْحَدِيثَ، وَفِيهِ أَنَّهُ اسْتُشْهِدَ بِأُحُدٍ، وَهَذَا مُرْسَلٌ؛ لِأَنَّ مُعَاذَ بْنَ رِفَاعَةَ لَمْ يُدْرِكْهُ، وَقَدْ رَوَاهُ الطَّحَاوِيُّ، وَالطَّبَرَانِيُّ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ عَنْ مُعَاذِ بْنِ رِفَاعَةَ أَنَّ رَجُلًا مِنْ بَنِي سَلِمَةَ، فَذَكَرَهُ مُرْسَلًا، وَرَوَاهُ الْبَزَّارُ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ جَابِرٍ، وَسَمَّاهُ سُلَيْمًا أَيْضًا، لَكِنْ وَقَعَ عِنْدَ ابْنِ حَزْمٍ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ أَنَّ اسْمَهُ سَلْمٌ بِفَتْحِ أَوَّلِهِ وَسُكُونِ اللَّامِ، وَكَأَنَّهُ تَصْحِيفٌ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَجَمَعَ بَعْضُهُمْ بَيْنَ هَذَا الِاخْتِلَافِ بِأَنَّهُمَا وَاقِعَتَانِ، وَأَيَّدَ ذَلِكَ بِالِاخْتِلَافِ فِي الصَّلَاةِ هَلْ هِيَ الْعِشَاءُ أَوِ الْمَغْرِبُ، وَبِالِاخْتِلَافِ فِي السُّورَةِ هَلْ هِيَ الْبَقَرَةُ أَوِ اقْتَرَبَتْ، وَبِالِاخْتِلَافِ فِي عُذْرِ الرَّجُلِ هَلْ هُوَ لِأَجْلِ التَّطْوِيلِ فَقَطْ؛ لِكَوْنِهِ جَاءَ مِنَ الْعَمَلِ وَهُوَ تَعْبَانٌ، أَوْ لِكَوْنِهِ أَرَادَ أَنْ يَسْقِيَ نَخْلَهُ إِذْ ذَاكَ، أَوْ لِكَوْنِهِ خَافَ عَلَى الْمَاءِ فِي النَّخْلِ كَمَا فِي حَدِيثِ بُرَيْدَةَ.
وَاسْتُشْكِلَ هَذَا الْجَمْعُ؛ لِأَنَّهُ لَا يُظَنُّ بِمُعَاذٍ أَنَّهُ ﷺ يَأْمُرُهُ بِالتَّخْفِيفِ ثُمَّ يَعُودُ إِلَى التَّطْوِيلِ، وَيُجَابُ عَنْ ذَلِكَ بِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ قَرَأَ أَوَّلًا بِالْبَقَرَةِ، فَلَمَّا نَهَاهُ قَرَأَ اقْتَرَبَتْ وَهِيَ طَوِيلَةٌ بِالنِّسْبَةِ إِلَى السُّوَرِ الَّتِي أَمَرَهُ أَنْ يَقْرَأَ بِهَا، كَمَا سَيَأْتِي، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ النَّهْيُ أَوَّلًا وَقَعَ لِمَا يُخْشَى مِنْ تَنْفِيرِ بَعْضِ مَنْ يَدْخُلُ فِي الْإِسْلَامِ، ثُمَّ لَمَّا اطْمَأَنَّتْ نُفُوسُهُمْ بِالْإِسْلَامِ ظَنَّ أَنَّ الْمَانِعَ زَالَ فَقَرَأَ بِاقْتَرَبَتْ؛ لِأَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ ﷺ يَقْرَأُ فِي الْمَغْرِبِ بِالطُّورِ فَصَادَفَ صَاحِبَ الشُّغْلِ، وَجَمَعَ النَّوَوِيُّ بِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ قَرَأَ فِي الْأُولَى بِالْبَقَرَةِ فَانْصَرَفَ رَجُلٌ، ثُمَّ قَرَأَ اقْتَرَبَتْ فِي الثَّانِيَةِ فَانْصَرَفَ آخَرُ. وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ أَبِي الزُّبَيْرِ عِنْدَ مُسْلِمٍ: فَانْطَلَقَ رَجُلٌ مِنَّا وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ كَانَ مِنْ بَنِي سَلِمَةَ، وَيُقَوِّي رِوَايَةَ مَنْ سَمَّاهُ سُلَيْمًا، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
قَوْلُهُ: (فَانْصَرَفَ الرَّجُلُ) اللَّامُ فِيهِ لِلْعَهْدِ الذِّهْنِيِّ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرَادَ بِهِ الْجِنْسُ، فَكَأَنَّهُ قَالَ: وَاحِدٌ مِنَ الرِّجَالِ؛ لِأَنَّ الْمُعَرَّفَ تَعْرِيفَ الْجِنْسِ كَالنَّكِرَةِ فِي مُؤَدَّاهُ. وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ الْإِسْمَاعِيلِيِّ: فَقَامَ رَجُلٌ فَانْصَرَفَ، وَفِي رِوَايَةِ سُلَيْمِ بْنِ حَيَّانَ: فَتَجَوَّزَ رَجُلٌ فَصَلَّى صَلَاةً خَفِيفَةً، وَلِابْنِ عُيَيْنَةَ عِنْدَ مُسْلِمٍ: فَانْحَرَفَ رَجُلٌ فَسَلَّمَ ثُمَّ صَلَّى وَحْدَهُ، وَهُوَ ظَاهِرٌ فِي أَنَّهُ قَطَعَ الصَّلَاةَ، لَكِنْ ذَكَرَ الْبَيْهَقِيُّ أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ عَبَّادٍ شَيْخَ مُسْلِمٍ تَفَرَّدَ عَنِ ابْنِ عُيَيْنَةَ بِقَوْلِهِ: ثُمَّ سَلَّمَ، وَأَنَّ الْحُفَّاظَ مِنْ أَصْحَابِ ابْنِ عُيَيْنَةَ وَكَذَا مِنْ أَصْحَابِ شَيْخِهِ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ وَكَذَا مِنْ أَصْحَابِ جَابِرٍ لَمْ يَذْكُرُوا السَّلَامَ، وَكَأَنَّهُ فَهِمَ أَنَّ هَذِهِ اللَّفْظَةَ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ الرَّجُلَ قَطَعَ الصَّلَاةَ؛ لِأَنَّ السَّلَامَ يُتَحَلَّلُ بِهِ مِنَ الصَّلَاةِ، وَسَائِرُ الرِّوَايَاتِ تَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ قَطَعَ الْقُدْوَةَ فَقَطْ وَلَمْ يَخْرُجْ مِنَ الصَّلَاةِ بَلِ اسْتَمَرَّ فِيهَا مُنْفَرِدًا.
قَالَ الرَّافِعِيُّ فِي شَرْحِ الْمُسْنَدِ فِي الْكَلَامِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute