للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

رَسُولَ اللَّهِ فِي مَوْعِظَةٍ أَشَدَّ غَضَبًا مِنْهُ يَوْمَئِذٍ ثُمَّ قَالَ: إِنَّ مِنْكُمْ مُنَفِّرِينَ فَأَيُّكُمْ مَا صَلَّى بِالنَّاسِ فَلْيَتَجَوَّزْ فَإِنَّ فِيهِمُ الضَّعِيفَ وَالْكَبِيرَ وَذَا الْحَاجَةِ.

قَوْلُهُ: (بَابُ تَخْفِيفِ الْإِمَامِ فِي الْقِيَامِ وَإِتْمَامِ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ) قَالَ الْكِرْمَانِيُّ: الْوَاوُ بِمَعْنَى مَعَ كَأَنَّهُ قَالَ: بَابُ التَّخْفِيفِ بِحَيْثُ لَا يَفُوتُهُ شَيْءٌ مِنَ الْوَاجِبَاتِ، فَهُوَ تَفْسِيرٌ لِقَوْلِهِ فِي الْحَدِيثِ: فَلْيَتَجَوَّزْ؛ لِأَنَّهُ لَا يَأْمُرُ بِالتَّجَوُّزِ الْمُؤَدِّي إِلَى فَسَادِ الصَّلَاةِ، قَالَ ابْنُ الْمُنِيرِ وَتَبِعَهُ ابْنُ رَشِيدٍ وَغَيْرُهُ: خُصَّ التَّخْفِيفُ فِي التَّرْجَمَةِ بِالْقِيَامِ مَعَ أَنَّ لَفْظَ الْحَدِيثِ أَعَمُّ حَيْثُ قَالَ: فَلْيَتَجَوَّزْ؛ لِأَنَّ الَّذِي يَطُولُ فِي الْغَالِبِ إِنَّمَا هُوَ الْقِيَامُ، وَمَا عَدَاهُ لَا يَشُقُّ إِتْمَامُهُ عَلَى أَحَدٍ، وَكَأَنَّهُ حَمَلَ حَدِيثَ الْبَابِ عَلَى قِصَّةِ مُعَاذٍ؛ فَإِنَّ الْأَمْرَ بِالتَّخْفِيفِ فِيهَا مُخْتَصٌّ بِالْقِرَاءَةِ. انْتَهَى مُلَخَّصًا.

وَالَّذِي يَظْهَرُ لِي أَنَّ الْبُخَارِيَّ أَشَارَ بِالتَّرْجَمَةِ إِلَى بَعْضِ مَا وَرَدَ فِي بَعْضِ طُرُقِ الْحَدِيثِ كَعَادَتِهِ، وَأَمَّا قِصَّةُ مُعَاذٍ فَمُغَايِرَةٌ لِحَدِيثِ الْبَابِ؛ لِأَنَّ قِصَّةَ مُعَاذٍ كَانَتْ فِي الْعِشَاءِ، وَكَانَ الْإِمَامُ فِيهَا مُعَاذًا وَكَانَتْ فِي مَسْجِدِ بَنِي سَلِمَةَ، وَهَذِهِ كَانَتْ فِي الصُّبْحِ وَكَانَتْ فِي مَسْجِدِ قُبَاءٍ، وَوَهِمَ مَنْ فَسَّرَ الْإِمَامَ الْمُبْهَمَ هُنَا بِمُعَاذٍ، بَلِ الْمُرَادُ بِهِ أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ، كَمَا أَخْرَجَهُ أَبُو يَعْلَى بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ مِنْ رِوَايَةِ عِيسَى بْنِ جَارِيَةَ - وَهُوَ بِالْجِيمِ - عَنْ جَابِرٍ قَالَ: كَانَ أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ يُصَلِّي بِأَهْلِ قُبَاءَ، فَاسْتَفْتَحَ سُورَةً طَوِيلَةً، فَدَخَلَ مَعَهُ غُلَامٌ مِنَ الْأَنْصَارِ فِي الصَّلَاةِ، فَلَمَّا سَمِعَهُ اسْتَفْتَحَهَا انْفَتَلَ مِنْ صَلَاتِهِ، فَغَضِبَ أُبَيٌّ فَأَتَى النَّبِيَّ يَشْكُو الْغُلَامَ، وَأَتَى الْغُلَامُ يَشْكُو أُبَيًّا، فَغَضِبَ النَّبِيُّ حَتَّى عُرِفَ الْغَضَبُ فِي وَجْهِهِ، ثُمَّ قَالَ: إِنَّ مِنْكُمْ مُنَفِّرِينَ، فَإِذَا صَلَّيْتُمْ فَأَوْجِزُوا؛ فَإِنَّ خَلْفَكُمُ الضَّعِيفَ وَالْكَبِيرَ وَالْمَرِيضَ وَذَا الْحَاجَةِ فَأَبَانَ هَذَا الْحَدِيثُ أَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِ فِي حَدِيثِ الْبَابِ: مِمَّا يُطِيلُ بِنَا فَلَانٌ أَيْ: فِي الْقِرَاءَةِ، وَاسْتُفِيدَ مِنْهُ أَيْضًا تَسْمِيَةُ الْإِمَامِ وَبِأَيِّ مَوْضِعٍ كَانَ. وَفِي الطَّبَرَانِيِّ مِنْ حَدِيثِ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ: مَنْ أَمَّنَا فَلْيُتِمَّ الرُّكُوعَ وَالسُّجُودَ.

وَفِي قَوْلِ ابْنِ الْمُنِيرِ: إِنَّ الرُّكُوعَ وَالسُّجُودَ لَا يَشُقُّ إِتْمَامُهُمَا نَظَرٌ؛ فَإِنَّهُ إِنْ أَرَادَ أَقَلَّ مَا يُطْلَقُ عَلَيْهِ اسْمُ تَمَامٍ فَذَاكَ لَا بُدَّ مِنْهُ، وَإِنْ أَرَادَ غَايَةَ التَّمَامِ فَقَدْ يَشُقُّ، فَسَيَأْتِي حَدِيثُ الْبَرَاءِ قَرِيبًا أَنَّهُ كَانَ قِيَامُهُ وَرُكُوعُهُ وَسُجُودُهُ قَرِيبًا مِنَ السَّوَاءِ.

قَوْلُهُ: (حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ) هُوَ ابْنُ مُعَاوِيَةَ الْجُعْفِيُّ، وَإِسْمَاعِيلُ هُوَ ابْنُ أَبِي خَالِدٍ، وَقَيْسُ هُوَ ابْنُ أَبِي حَازِمٍ، وَأَبُو مَسْعُودٍ هُوَ الْأَنْصَارِيُّ الْبَدْرِيُّ، وَالْإِسْنَادُ كُلُّهُ كُوفِيُّونَ.

قَوْلُهُ: (أَنَّ رَجُلًا) لَمْ أَقِفْ عَلَى اسْمِهِ، وَوَهِمَ مَنْ زَعَمَ أَنَّهُ حَزْمُ بْنُ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ؛ لِأَنَّ قِصَّتَهُ كَانَتْ مَعَ مُعَاذٍ لَا مَعَ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ.

قَوْلُهُ: (إِنِّي لَأَتَأَخَّرُ عَنْ صَلَاةِ الْغَدَاةِ) أَيْ: فَلَا أَحْضُرُهَا مَعَ الْجَمَاعَةِ لِأَجْلِ التَّطْوِيلِ، وَفِي رِوَايَةِ ابْنِ الْمُبَارَكِ فِي الْأَحْكَامِ: وَاللَّهِ إِنِّي لَأَتَأَخَّرُ بِزِيَادَةِ الْقَسَمِ، وَفِيهِ جَوَازُ مِثْلِ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِ، وَتَقَدَّمَ فِي كِتَابِ الْعِلْمِ فِي بَابِ الْغَضَبِ فِي الْعِلْمِ بِلَفْظِ إِنِّي لَا أَكَادُ أُدْرِكُ الصَّلَاةَ وَتَقَدَّمَ تَوْجِيهُهُ. وَيُحْتَمَلُ أَيْضًا أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ أَنَّ الَّذِي أَلِفَهُ مِنْ تَطْوِيلِهِ اقْتَضَى لَهُ أَنْ يَتَشَاغَلَ عَنِ الْمَجِيءِ فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ وُثُوقًا بِتَطْوِيلِهِ، بِخِلَافِ مَا إِذَا لَمْ يَكُنْ يُطَوِّلُ فَإِنَّهُ كَانَ يَحْتَاجُ إِلَى الْمُبَادَرَةِ إِلَيْهِ أَوَّلَ الْوَقْتِ، وَكَأَنَّهُ يَعْتَمِدُ عَلَى تَطْوِيلِهِ فَيَتَشَاغَلُ بِبَعْضِ شُغْلِهِ، ثُمَّ يَتَوَجَّهُ فَيُصَادِفُ أَنَّهُ تَارَةً يُدْرِكُهُ وَتَارَةً لَا يُدْرِكُهُ، فَلِذَلِكَ قَالَ لَا أَكَادُ أُدْرِكُ مِمَّا يُطَوِّلُ بِنَا أَيْ: بِسَبَبِ تَطْوِيلِهِ. وَاسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى تَسْمِيَةِ الصُّبْحِ بِذَلِكَ، وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ سُفْيَانَ الْآتِيَةِ قَرِيبًا: عَنِ الصَّلَاةِ فِي الْفَجْرِ وَإِنَّمَا خَصَّهَا بِالذِّكْرِ؛ لِأَنَّهَا تُطَوَّلُ فِيهَا الْقِرَاءَةُ غَالِبًا؛ وَلِأَنَّ الِانْصِرَافَ مِنْهَا وَقْتَ التَّوَجُّهِ لِمَنْ لَهُ حِرْفَةٌ إِلَيْهَا.

قَوْلُهُ: (أَشَدَّ) بِالنَّصْبِ وَهُوَ نَعْتٌ لِمَصْدَرٍ مَحْذُوفٍ، أَيْ: غَضَبًا أَشَدَّ، وَسَبَبُهُ إِمَّا لِمُخَالَفَةِ الْمَوْعِظَةِ، أَوْ لِلتَّقْصِيرِ فِي تَعَلُّمِ مَا يَنْبَغِي تَعَلُّمُهُ، كَذَا قَالَهُ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ،