للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

أَبِي وَائِلٍ عِنْدَ مُسْلِمٍ، وَسَيَأْتِي مِنْ وَجْهٍ آخَرَ.

قَوْلُهُ: (قَرَأْتُ الْمُفَصَّلَ) تَقَدَّمَ أَنَّهُ مِنْ ق إِلَى آخِرِ الْقُرْآنِ عَلَى الصَّحِيحِ، وَسُمِّيَ مُفَصَّلًا لِكَثْرَةِ الْفَصْلِ بَيْنَ سُوَرِهِ بِالْبَسْمَلَةِ عَلَى الصَّحِيحِ. وَلِقَوْلِ هَذَا الرَّجُلِ قَرَأْتُ الْمُفَصَّلَ سَبَبٌ بَيَّنَهُ مُسْلِمٌ فِي أَوَّلِ حَدِيثِهِ مِنْ رِوَايَةِ وَكِيعٍ، عَنِ الْأَعْمَشِ عَنْ أَبِي وَائِلٍ قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ يُقَالُ لَهُ نَهِيكُ بْنُ سِنَانٍ إِلَى عَبْدِ اللَّهِ فَقَالَ: يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ كَيْفَ تَقْرَأُ هَذَا الْحَرْفَ: ﴿مِنْ مَاءٍ غَيْرِ آسِنٍ﴾ أَوْ غَيْرِ يَاسِنٍ؟ فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ: كُلُّ الْقُرْآنِ أَحْصَيْتُ غَيْرَ هَذَا، قَالَ: إِنِّي لَأَقْرَأُ الْمُفَصَّلَ فِي رَكْعَةٍ.

قَوْلُهُ: (هَذًّا) بِفَتْحِ الْهَاءِ وَتَشْدِيدِ الذَّالِ الْمُعْجَمَةِ، أَيْ سَرْدًا وَإِفْرَاطًا فِي السُّرْعَةِ، وَهُوَ مَنْصُوبٌ عَلَى الْمَصْدَرِ، وَهُوَ اسْتِفْهَامُ إِنْكَارٍ بِحَذْفِ أَدَاةِ الِاسْتِفْهَامِ، وَهِيَ ثَابِتَةٌ فِي رِوَايَةِ مَنْصُورٍ عِنْدَ مُسْلِمٍ، وَقَالَ ذَلِكَ لِأَنَّ تِلْكَ الصِّفَةَ كَانَتْ عَادَتَهُمْ فِي إِنْشَادِ الشِّعْرِ. وَزَادَ فِيهِ مُسْلِمٌ مِنْ رِوَايَةِ وَكِيعٍ أَيْضًا أَنَّ أَقْوَامًا يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ لَا يُجَاوِزُ تَرَاقِيَهُمْ، وَزَادَ أَحْمَدُ، عَنْ أَبِي مُعَاوِيَةَ، وَإِسْحَاقُ، عَنْ عِيسَى بْنِ يُونُسَ، كِلَاهُمَا عَنِ الْأَعْمَشِ فِيهِ: وَلَكِنْ إِذَا وَقَعَ فِي الْقَلْبِ فَرَسَخَ فِيهِ نَفَعَ وَهُوَ فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ دُونَ قَوْلِهِ نَفَعَ (١).

قَوْلُهُ: (لَقَدْ عَرَفْتُ النَّظَائِرَ) أَيِ السُّوَرَ الْمُتَمَاثِلَةَ فِي الْمَعَانِي كَالْمَوْعِظَةِ أَوِ الْحُكْمِ أَوِ الْقَصَصِ، لَا الْمُتَمَاثِلَةَ فِي عَدَدِ الْآيِ، لِمَا سَيَظْهَرُ عِنْدَ تَعْيِينِهَا. قَالَ الْمُحِبُّ الطَّبَرِيُّ: كُنْتُ أَظُنُّ أَنَّ الْمُرَادَ أَنَّهَا مُتَسَاوِيَةٌ فِي الْعَدِّ، حَتَّى اعْتَبَرْتُهَا فَلَمْ أَجِدْ فِيهَا شَيْئًا مُتَسَاوِيًا.

قَوْلُهُ: (يَقْرُنُ) بِضَمِّ الرَّاءِ وَكَسْرِهَا.

قَوْلُهُ: (عِشْرِينَ سُورَةً مِنَ الْمُفَصَّلِ وَسُورَتَيْنِ مِنَ آل حم فِي كُلِّ رَكْعَةٍ) وَقَعَ فِي فَضَائِلِ الْقُرْآنِ مِنْ رِوَايَةِ وَاصِلٍ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ: ثَمَانِي عَشْرَةَ سُورَةً مِنَ الْمُفَصَّلِ وَسُورَتَيْنِ مِنَ آل حم وَبَيَّنَ فِيهِ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي حَمْزَةَ، عَنِ الْأَعْمَشِ أَنَّ قَوْلَهُ عِشْرِينَ سُورَةً إِنَّمَا سَمِعَهُ أَبُو وَائِلٍ مِنْ عَلْقَمَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ وَلَفْظُهُ: فَقَامَ عَبْدُ اللَّهِ وَدَخَلَ عَلْقَمَةُ مَعَهُ ثُمَّ خَرَجَ عَلْقَمَةُ فَسَأَلْنَاهُ فَقَالَ: عِشْرُونَ سُورَةً مِنَ الْمُفَصَّلِ عَلَى تَأْلِيفِ ابْنِ مَسْعُودٍ آخِرُهُنَّ حم الدُّخَانُ وَعَمَّ يَتَسَاءَلُونَ وَلِابْنِ خُزَيْمَةَ مِنْ طَرِيقِ أَبِي خَالِدٍ الْأَحْمَرِ، عَنِ الْأَعْمَشِ مِثْلُهُ وَزَادَ فِيهِ: فَقَالَ الْأَعْمَشُ: أَوَّلُهُنَّ الرَّحْمَنُ وَآخِرُهُنَّ الدُّخَانُ ثُمَّ سَرَدَهَا، وَكَذَلِكَ سَرَدَهَا أَبُو إِسْحَاقَ، عَنْ عَلْقَمَةَ، وَالْأَسْوَدُ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ فِيمَا أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ مُتَّصِلًا بِالْحَدِيثِ بَعْدَ قَوْلِهِ: كَانَ يَقْرَأُ النَّظَائِرَ السُّورَتَيْنِ فِي رَكْعَةٍ: الرَّحْمَنَ وَالنَّجْمَ فِي رَكْعَةٍ وَاقْتَرَبَتْ وَالْحَاقَّةَ فِي رَكْعَةٍ وَالذَّارِيَاتِ وَالطُّورَ فِي رَكْعَةٍ وَالْوَاقِعَةَ وَنُونَ فِي رَكْعَةٍ وَسَأَلَ وَالنَّازِعَاتِ فِي رَكْعَةٍ وَوَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ وَعَبَسَ فِي رَكْعَةٍ وَالْمُدَّثِّرَ وَالْمُزَّمِّلَ فِي رَكْعَةٍ وَهَلْ أَتَى وَلَا أُقْسِمُ فِي رَكْعَةٍ وَعَمَّ يَتَسَاءَلُونَ وَالْمُرْسَلَاتِ فِي رَكْعَةٍ وَإِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ وَالدُّخَانَ فِي رَكْعَةٍ هَذَا لَفْظُ أَبِي دَاوُدَ وَالْآخَرُ مِثْلُهُ إِلَّا أَنَّهُ لَمْ يَقُلْ فِي رَكْعَةٍ فِي شَيْءٍ مِنْهَا، وَذَكَرَ السُّورَةَ الرَّابِعَةَ قَبْلَ الثَّالِثَةِ وَالْعَاشِرَةَ قَبْلَ التَّاسِعَةِ وَلَمْ يُخَالِفْهُ فِي الِاقْتِرَانِ، وَقَدْ سَرَدَهَا أَيْضًا مُحَمَّدُ بْنُ سَلَمَةَ بْنِ كُهَيْلٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي وَائِلٍ

فِيمَا أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ لَكِنْ قَدَّمَ وَأَخَّرَ فِي بَعْضٍ وَحَذَفَ بَعْضَهَا، وَمُحَمَّدٌ ضَعِيفٌ.

وَعُرِفَ بِهَذَا أَنَّ قَوْلَهُ فِي رِوَايَةِ وَاصِلٍ وَسُورَتَيْنِ مِنَ آل حم مُشْكِلٌ لِأَنَّ الرِّوَايَاتِ لَمْ تَخْتَلِفْ أَنَّهُ لَيْسَ فِي الْعِشْرِينَ مِنَ الْحَوَامِيمِ غَيْرُ الدُّخَانِ فَيُحْمَلُ عَلَى التَّغْلِيبِ. أَوْ فِيهِ حَذْفٌ كَأَنَّهُ قَالَ وَسُورَتَيْنِ إِحْدَاهُمَا مِنَ آل حم، وَكَذَا قَوْلُهُ فِي رِوَايَةِ أَبِي حَمْزَةَ: آخِرُهُنَّ حم الدُّخَانُ وَعَمَّ يَتَسَاءَلُونَ مُشْكِلٌ لِأَنَّ حم الدُّخَانَ آخِرُهُنَّ فِي جَمِيعِ الرِّوَايَاتِ. وَأَمَّا عَمَّ فَهِيَ فِي رِوَايَةِ أَبِي خَالِدٍ السَّابِعَةَ عَشْرَةَ وَفِي رِوَايَةِ أَبِي إِسْحَاقَ الثَّامِنَةَ عَشْرَةَ فَكَأَنَّ فِيهِ تَجَوُّزًا، لِأَنَّ عَمَّ وَقَعَتْ فِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأَخِيرَتَيْنِ فِي الْجُمْلَةِ، وَيَتَبَيَّنُ بِهَذَا أَنَّ فِي قَوْلِهِ فِي حَدِيثِ الْبَابِ عِشْرِينَ سُورَةً مِنَ الْمُفَصَّلِ تَجَوُّزًا لِأَنَّ الدُّخَانَ لَيْسَتْ مِنْهُ، وَلِذَلِكَ فَصَلَهَا مِنَ الْمُفَصَّلِ فِي رِوَايَةِ وَاصِلٍ.

نَعَمْ يَصِحُّ


(١) قوله " دون قوله نفع" هذا سهو من الشارح ، بل هذا اللفظ موجود في صحيح مسلم، ولفظه " ولكن إذا وقع في القلب فرسخ فيه نفع " انتهى. والله أعلم