وَبِهَذِهِ الزِّيَادَةِ يَتَبَيَّنُ مَوْقِعُ قَوْلِهِ ﷺ: إِنَّ اللَّهَ هُوَ السَّلَامُ. وَلَفْظُهُ فِي رِوَايَةِ يَحْيَى الْمَذْكُورَةِ: لَا تَقُولُوا: السَّلَامُ عَلَى اللَّهِ، فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ السَّلَامُ.
قَوْلُهُ: (السَّلَامُ عَلَى فُلَانٍ وَفُلَانٍ) فِي رِوَايَةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نُمَيْرٍ، عَنِ الْأَعْمَشِ عِنْدَ ابْنِ مَاجَهْ يَعْنُونَ الْمَلَائِكَةَ، وَلِلْإِسْمَاعِيلِيِّ مِنْ رِوَايَةِ عَلِيِّ بْنِ مُسْهِرٍ: فَنَعُدُّ الْمَلَائِكَةَ، وَمِثْلُهُ لِلسَّرَّاجِ مِنْ رِوَايَةِ مُحَمَّدِ بْنِ فُضَيْلٍ، عَنِ الْأَعْمَشِ بِلَفْظِ: فَنَعُدُّ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مَا شَاءَ اللَّهُ.
قَوْلُهُ: (فَالْتَفَتَ) ظَاهِرُهُ أَنَّهُ كَلَّمَهُمْ بِذَلِكَ فِي أَثْنَاءِ الصَّلَاةِ، وَنَحْوُهُ فِي رِوَايَةِ حُصَيْنٍ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ وَهُوَ شَقِيقٌ عِنْدَ الْمُصَنِّفِ، فِي أَوَاخِرِ الصَّلَاةِ بِلَفْظِ: فَسَمِعَهُ النَّبِيُّ ﷺ؛ فَقَالَ: قُولُوا لَكِنْ بَيَّنَ حَفْصُ بْنُ غِيَاثٍ فِي رِوَايَتِهِ الْمَذْكُورَةِ الْمَحَلَّ الَّذِي خَاطَبَهُمْ بِذَلِكَ فِيهِ، وَأَنَّهُ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنَ الصَّلَاةِ، وَلَفْظُهُ: فَلَمَّا انْصَرَفَ النَّبِيُّ ﷺ أَقْبَلَ عَلَيْنَا بِوَجْهِهِ، وَفِي رِوَايَةِ عِيسَى بْنِ يُونُسَ أَيْضًا: فَلَمَّا انْصَرَفَ مِنَ الصَّلَاةِ قَالَ.
قَوْلُهُ: (إِنَّ اللَّهَ هُوَ السَّلَامُ)، قَالَ الْبَيْضَاوِيُّ مَا حَاصِلُهُ: أَنَّهُ ﷺ أَنْكَرَ التَّسْلِيمَ عَلَى اللَّهِ وَبَيَّنَ أَنَّ ذَلِكَ عَكْسُ مَا يَجِبُ أَنْ يُقَالَ، فَإِنَّ كُلَّ سَلَامٍ وَرَحْمَةٍ لَهُ وَمِنْهُ وَهُوَ مَالِكُهَا وَمُعْطِيهَا. وَقَالَ التُّورِبِشْتِيُّ: وَجْهُ النَّهْيِ عَنِ السَّلَامِ عَلَى اللَّهِ لِأَنَّهُ الْمَرْجُوعُ إِلَيْهِ بِالْمَسَائِلِ الْمُتَعَالِي عَنِ الْمَعَانِي الْمَذْكُورَةِ؛ فَكَيْفَ يُدْعَى لَهُ وَهُوَ الْمَدْعُوُّ عَلَى الْحَالَاتِ؟! وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ: الْمُرَادُ أَنَّ اللَّهَ هُوَ ذُو السَّلَامِ؛ فَلَا تَقُولُوا السَّلَامُ عَلَى اللَّهِ؛ فَإِنَّ السَّلَامَ مِنْهُ بَدَأَ وَإِلَيْهِ يَعُودُ، وَمَرْجِعُ الْأَمْرِ فِي إِضَافَتِهِ إِلَيْهِ أَنَّهُ ذُو السَّلَامِ مِنْ كُلِّ آفَةٍ وَعَيْبٍ. وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مَرْجِعُهَا إِلَى حَظِّ الْعَبْدِ فِيمَا يَطْلُبُهُ مِنَ السَّلَامَةِ مِنَ الْآفَاتِ وَالْمَهَالِكِ. وَقَالَ النَّوَوِيُّ: مَعْنَاهُ أَنَّ السَّلَامَ اسْمٌ مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى، يَعْنِي السَّالِمَ مِنَ النَّقَائِصِ، وَيُقَالُ: الْمُسَلِّمُ أَوْلِيَاء، وَقِيلَ: الْمُسَلِّمُ عَلَيْهِمْ، قَالَ ابْنُ الْأَنْبَارِيِّ: أَمَرَهُمْ أَنْ يَصْرِفُوهُ إِلَى الْخَلْقِ لِحَاجَتِهِمْ إِلَى السَّلَامَةِ، وَغِنَاهُ ﷾ عَنْهَا.
قَوْلُهُ: (فَإِذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ فَلْيَقُلْ)، بَيَّنَ حَفْصٌ فِي رِوَايَتِهِ الْمَذْكُورَةِ مَحَلَّ الْقَوْلِ، وَلَفْظُهُ: فَإِذَا جَلَسَ أَحَدُكُمْ فِي الصَّلَاةِ. وَفِي رِوَايَةِ حُصَيْنٍ الْمَذْكُورَةِ: إِذَا قَعَدَ أَحَدُكُمْ فِي الصَّلَاةِ، وَلِلنَّسَائِيِّ مِنْ طَرِيقِ أَبِي الْأَحْوَصِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ: كُنَّا لَا نَدْرِي مَا نَقُولُ فِي كُلِّ رَكْعَتَيْنِ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَلَّمَ فَوَاتِحَ الْخَيْرِ وَخَوَاتِمَهُ؛ فَقَالَ: إِذَا قَعَدْتُمْ فِي كُلِّ رَكْعَتَيْنِ؛ فَقُولُوا: وَلَهُ مِنْ طَرِيقِ الْأَسْوَدِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ: فَقُولُوا فِي كُلِّ جَلْسَةٍ، وَلِابْنِ خُزَيْمَةَ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ الْأَسْوَدِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ: عَلَّمَنِي رَسُولُ اللَّهِ ﷺ التَّشَهُّدَ فِي وَسَطِ الصَّلَاةِ وَفِي آخِرِهَا. وَزَادَ الطَّحَاوِيُّ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ فِي أَوَّلِهِ: وَأَخَذْتُ التَّشَهُّدَ مِنْ فِي رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، وَلَقَّنَنِيهِ كَلِمَةً كَلِمَةً، وَلِلْمُصَنِّفِ فِي الِاسْتِئْذَانِ مِنْ طَرِيقِ أَبِي مَعْمَرٍ، عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ: عَلَّمَنِي رَسُولُ اللَّهِ ﷺ التَّشَهُّدَ، وَكَفِّي بَيْنَ كَفَّيْهِ، كَمَا يُعَلِّمُنِي السُّورَةَ مِنَ الْقُرْآنِ. وَاسْتُدِلَّ بِقَوْلِهِ: فَلْيَقُلْ. عَلَى الْوُجُوبِ خِلَافًا لِمَنْ لَمْ يَقُلْ بِهِ كَمَالِكٍ، وَأَجَابَ بَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ بِأَنَّ التَّسْبِيحَ فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ مَنْدُوبٌ، وَقَدْ وَقَعَ الْأَمْرُ بِهِ فِي قَوْلِهِ ﷺ: لَمَّا نَزَلَتْ ﴿فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ﴾ اجْعَلُوهَا فِي رُكُوعِكُمْ. .
الْحَدِيثَ؛ فَكَذَلِكَ التَّشَهُّدُ، وَأَجَابَ الْكِرْمَانِيُّ بِأَنَّ الْأَمْرَ حَقِيقَتُهُ الْوُجُوبُ فَيُحْمَلُ عَلَيْهِ إِلَّا إِذَا دَلَّ دَلِيلٌ عَلَى خِلَافِهِ، وَلَوْلَا الْإِجْمَاعُ عَلَى عَدَمِ وُجُوبِ التَّسْبِيحِ فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ لَحَمَلْنَاهُ عَلَى الْوُجُوبِ. انْتَهَى.
وَفِي دَعْوَى هَذَا الْإِجْمَاعِ نَظَرٌ، فَإِنَّ أَحْمَدَ يَقُولُ بِوُجُوبِهِ وَيَقُولُ بِوُجُوبِ التَّشَهُّدِ الْأَوَّلِ أَيْضًا، وَرِوَايَةُ أَبِي الْأَحْوَصِ الْمُتَقَدِّمَةُ وَغَيْرُهَا تُقَوِّيهِ، وَقَدْ قَدَّمْنَا مَا فِيهِ قَبْلُ بِبَابٍ، وَقَدْ جَاءَ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ التَّصْرِيحُ بِفَرْضِيَّةِ التَّشَهُّدِ، وَذَلِكَ فِيمَا رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ وَغَيْرُهُ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ مِنْ طَرِيقِ عَلْقَمَةَ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ: كُنَّا لَا نَدْرِي مَا نَقُولُ قَبْلَ أَنْ يُفْرَضَ عَلَيْنَا التَّشَهُّدُ.
قَوْلُهُ: (التَّحِيَّاتُ) جَمْعُ تَحِيَّةٍ، وَمَعْنَاهَا السَّلَامُ، وَقِيلَ: الْبَقَاءُ. وَقِيلَ: الْعَظَمَةُ. وَقِيلَ: السَّلَامَةُ مِنَ الْآفَاتِ وَالنَّقْصِ. وَقِيلَ: الْمَلِكُ. وَقَالَ أَبُو سَعِيدٍ الضَّرِيرُ: لَيْسَتِ التَّحِيَّةُ الْمَلِكَ نَفْسَهُ لَكِنَّهَا الْكَلَامُ الَّذِي يُحَيَّا بِهِ الْمَلِكُ. وَقَالَ ابْنُ قُتَيْبَةَ: لَمْ يَكُنْ يُحَيَّا إِلَّا الْمَلِكُ خَاصَّةً، وَكَانَ لِكُلِّ مَلِكٍ تَحِيَّةٌ تَخُصُّهُ فَلِهَذَا جُمِعَتْ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute