للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

التَّحْتَانِيَّةِ، وَفِي رِوَايَةِ كَرِيمَةَ وَأَبِي الْوَقْتِ ظَهْرَانَيْهِ بِالْإِفْرَادِ، وَكَذَا لِلْإِسْمَاعِيلِيِّ. وَعِنْدَ مُسْلِمٍ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ عَجْلَانَ وَلَا يَكُونُ أَحَدٌ أَفْضَلَ مِنْكُمْ قِيلَ ظَاهِرُهُ يُخَالِفُ مَا سَبَقَ لِأَنَّ الْإِدْرَاكَ ظَاهِرُهُ الْمُسَاوَاةُ، وَهَذَا ظَاهِرُهُ الْأَفْضَلِيَّةُ. وَأَجَابَ بَعْضُهُمْ بِأَنَّ الْإِدْرَاكَ لَا يَلْزَمُ مِنْهُ الْمُسَاوَاةُ فَقَدْ يُدْرِكُ ثُمَّ يَفُوقُ، وَعَلَى هَذَا فَالتَّقَرُّبُ بِهَذَا الذِّكْرِ رَاجِحٌ عَلَى التَّقَرُّبِ بِالْمَالِ.

وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُقَالَ: الضَّمِيُرُ فِي كُنْتُمْ لِلْمَجْمُوعِ مِنَ السَّابِقِ وَالْمُدْرِكِ، وَكَذَا قَوْلُهُ إِلَّا مَنْ عَمِلَ مِثْلَ عَمَلِكُمْ أَيْ مِنَ الْفُقَرَاءِ فَقَالَ الذِّكْرُ، أَوْ مِنَ الْأَغْنِيَاءِ فَتَصَدَّقَ، أَوْ أَنَّ الْخِطَابَ لِلْفُقَرَاءِ خَاصَّةً لَكِنْ يُشَارِكُهُمُ الْأَغْنِيَاءُ فِي الْخَيْرِيَّةِ الْمَذْكُورَةِ فَيَكُونُ كُلٌّ مِنَ الصِّنْفَيْنِ خَيْرًا مِمَّنْ لَا يَتَقَرَّبُ بِذِكْرٍ وَلَا صَدَقَةٍ، وَيَشْهَدُ لَهُ قَوْلُهُ فِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ عِنْدَ الْبَزَّارِ أَدْرَكْتُمْ مِثْلَ فَضْلِهِمْ، وَلِمُسْلِمٍ فِي حَدِيثِ أَبِي ذَرٍّ أَوَلَيْسَ قَدْ جَعَلَ لَكُمْ مَا تَتَصَدَّقُونَ؟ إِنَّ بِكُلِّ تَسْبِيحَةٍ صَدَقَةً، وَبِكُلِّ تَكْبِيرَةٍ صَدَقَةً الْحَدِيثُ. وَاسْتُشْكِلَ تَسَاوِي فَضْلِ هَذَا الذِّكْرِ بِفَضْلِ التَّقَرُّبِ بِالْمَالِ مَعَ شِدَّةِ الْمَشَقَّةِ فِيهِ، وَأَجَابَ الْكِرْمَانِيُّ بِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ الثَّوَابُ عَلَى قَدْرِ الْمَشَقَّةِ فِي كُلِّ حَالَةٍ، وَاسْتُدِلَّ لِذَلِكَ بِفَضْلِ كَلِمَةِ الشَّهَادَةِ مَعَ سُهُولَتِهَا عَلَى كَثِيرٍ مِنَ الْعِبَادَاتِ الشَّاقَّةِ.

قَوْلُهُ: (وَتُسَبِّحُونَ وَتَحْمَدُونَ وَتُكَبِّرُونَ) كَذَا وَقَعَ فِي أَكْثَرِ الْأَحَادِيثِ تَقْدِيمُ التَّسْبِيحِ عَلَى التَّحْمِيدِ وَتَأْخِيرُ التَّكْبِيرِ، وَفِي رِوَايَةِ ابْنِ عَجْلَانَ تَقْدِيمُ التَّكْبِيرِ عَلَى التَّحْمِيدِ خَاصَّةً، وَفِيهِ أَيْضًا قَوْلُ أَبِي صَالِحٍ يَقُولُ: اللَّهُ أَكْبَرُ وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ. وَمِثْلُهُ لِأَبِي دَاوُدَ مِنْ حَدِيثِ أُمِّ الْحَكَمِ، وَلَهُ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ تُكَبِّرُ وَتَحْمَدُ وَتُسَبِّحُ وَكَذَا فِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ. وَهَذَا الِاخْتِلَافُ دَالٌّ عَلَى أَنْ لَا تَرْتِيبَ فِيهَا، وَيُسْتَأْنَسُ لِذَلِكَ بِقَوْلِهِ فِي حَدِيثِ الْبَاقِيَاتِ الصَّالِحَاتِ لَا يَضُرُّكَ بِأَيِّهِنَّ بَدَأْتَ، لَكِنْ يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ: الْأَوْلَى الْبَدَاءَةُ بِالتَّسْبِيحِ لِأَنَّهُ يَتَضَمَّنُ نَفْيَ النَّقَائِضِ عَنِ الْبَارِي ، ثُمَّ التَّحْمِيدُ لِأَنَّهُ يَتَضَمَّنُ إِثْبَاتَ الْكَمَالِ لَهُ، إِذْ لَا يَلْزَمُ مِنْ نَفْيِ النَّقَائِضِ إِثْبَاتُ الْكَمَالِ. ثُمَّ التَّكْبِيرُ إِذْ لَا يَلْزَمُ مِنْ نَفْيِ النَّقَائِضِ وَإِثْبَاتِ الْكَمَالِ أَنْ يَكُونَ (١) هُنَاكَ كَبِيرٌ آخَرُ، ثُمَّ يَخْتِمُ بِالتَّهْلِيلِ الدَّالِّ عَلَى انْفِرَادِهِ بِجَمِيعِ ذَلِكَ.

قَوْلُهُ: (خَلْفَ كُلِّ صَلَاةٍ) هَذِهِ الرِّوَايَةُ مُفَسِّرَةٌ لِلرِّوَايَةِ الَّتِي عِنْدَ الْمُصَنِّفِ فِي الدَّعَوَاتِ، وَهِيَ قَوْلُهُ: دُبُرَ كُلِّ صَلَاةٍ، وَلِجَعْفَرٍ الْفِرْيَابِيِّ فِي حَدِيثِ أَبِي ذَرٍّ أَثَرَ كُلِّ صَلَاةٍ، وَأَمَّا رِوَايَةُ دُبُرَ فَهِيَ بِضَمَّتَيْنِ، قَالَ الْأَزْهَرِيُّ: دُبُرُ الْأَمْرِ يَعْنِي بِضَمَّتَيْنِ وَدَبْرُهُ يَعْنِي بِفَتْحٍ ثُمَّ سُكُونٍ: آخِرُهُ. وَادَّعَى أَبُو عَمْرٍو الزَّاهِدُ أَنَّهُ لَا يُقَالُ بِالضَّمِّ إِلَّا لِلْجَارِحَةِ، وَرَدَ بِمِثْلِ قَوْلِهِمْ أَعْتَقَ غُلَامَهُ عَنْ دُبُرٍ، وَمُقْتَضَى الْحَدِيثِ أَنَّ الذِّكْرَ الْمَذْكُورَ يُقَالُ عِنْدَ الْفَرَاغِ مِنَ الصَّلَاةِ، فَلَوْ تَأَخَّرَ ذَلِكَ عَنِ الْفَرَاغِ فَإِنْ كَانَ يَسِيرًا بِحَيْثُ لَا يُعَدُّ مُعْرِضًا أَوْ كَانَ نَاسِيًا أَوْ مُتَشَاغِلًا بِمَا وَرَدَ أَيْضًا بَعْدَ الصَّلَاةِ كَآيَةِ الْكُرْسِيِّ فَلَا يَضُرُّ، وَظَاهِرُ قَوْلِهِ كُلِّ صَلَاةٍ يَشْمَلُ الْفَرْضَ وَالنَّفْلَ، لَكِنْ حَمَلَهُ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ عَلَى الْفَرْضِ، وَقَدْ وَقَعَ فِي حَدِيثِ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ عِنْدَ مُسْلِمٍ التَّقْيِيدُ بِالْمَكْتُوبَةِ، وَكَأَنَّهُمْ حَمَلُوا الْمُطْلَقَاتِ عَلَيْهَا، وَعَلَى هَذَا هَلْ يَكُونُ التَّشَاغُلُ بَعْدَ الْمَكْتُوبَةِ بِالرَّاتِبَةِ بَعْدَهَا فَاصِلًا بَيْنَ الْمَكْتُوبَةِ وَالذِّكْرِ أَوْ لَا؟ مَحَلُّ النَّظَرِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

قَوْلُهُ: (ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ) يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْمَجْمُوعُ لِلْجَمِيعِ فَإِذَا وُزِّعَ كَانَ لِكُلِّ وَاحِدٍ إِحْدَى عَشْرَةَ، وَهُوَ الَّذِي فَهِمَهُ سُهَيْلُ بْنُ أَبِي صَالِحٍ كَمَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ طَرِيقِ رَوْحِ بْنِ الْقَاسِمِ عَنْهُ، لَكِنْ لَمْ يُتَابَعْ سُهَيْلٌ عَلَى ذَلِكَ، بَلْ لَمْ أَرَ فِي شَيْءٍ مِنْ طُرُقِ الْحَدِيثِ كُلِّهَا التَّصْرِيحَ بِإِحْدَى عَشْرَةَ إِلَّا فِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ عِنْدَ الْبَزَّارِ وَإِسْنَادُهُ ضَعِيفٌ، وَالْأَظْهَرُ أَنَّ الْمُرَادَ أَنَّ الْمَجْمُوعَ لِكُلِّ فَرْدٍ فَرْدٍ، فَعَلَى هَذَا فَفِيهِ تَنَازُعُ ثلاثة أَفْعَالٍ فِي ظَرْفٍ وَمَصْدَرٍ، وَالتَّقْدِيرُ: تُسَبِّحُونَ خَلْفَ كُلِّ صَلَاةٍ ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ وَتَحْمَدُونَ وَتُكَبِّرُونَ كَذَلِكَ.

قَوْلُهُ: (فَاخْتَلَفْنَا بَيْنَنَا) ظَاهِرُهُ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ هُوَ


(١) كذا في الأصلين والصواب "أن لا يكون".