للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وَرَّادٌ.

قَوْلُهُ: (أَمْلَى عَلَيَّ الْمُغِيرَةُ) أَيِ ابْنُ شُعْبَةَ (فِي كِتَابٍ إِلَى مُعَاوِيَةَ) كَانَ الْمُغِيرَةُ إِذْ ذَاكَ أَمِيرًا عَلَى الْكُوفَةِ مِنْ قِبَلِ مُعَاوِيَةَ وَسَيَأْتِي فِي الدَّعَوَاتِ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ وَرَّادٍ بَيَانُ السَّبَبِ فِي ذَلِكَ، وَهُوَ أَنَّ مُعَاوِيَةَ كَتَبَ إِلَيْهِ: اكْتُبْ لِي بِحَدِيثٍ سَمِعْتَهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ ، وَفِي الْقَدَرِ مِنْ رِوَايَةِ عَبْدَةَ بْنِ أَبِي لُبَابَةَ، عَنْ وَرَّادٍ قَالَ كَتَبَ مُعَاوِيَةُ إِلَى الْمُغِيرَةِ: اكْتُبْ إِلَيَّ مَا سَمِعْتَ النَّبِيَّ يَقُولُ خَلْفَ الصَّلَاةِ. وقَدْ قَيَّدَهَا فِي رِوَايَةِ الْبَابِ بِالْمَكْتُوبَةِ فَكَأَنَّ الْمُغِيرَةَ فَهِمَ ذَلِكَ مِنْ قَرِينَةٍ فِي السُّؤَالِ وَاسْتَدَلَّ بِهِ عَلَى الْعَمَلِ بِالْمُكَاتَبَةِ وَإِجْرَائِهَا مَجْرَى السَّمَاعِ فِي الرِّوَايَةِ وَلَوْ لَمْ تَقْتَرِنْ بِالْإِجَازَةِ. وَعَلَى الِاعْتِمَادِ عَلَى خَبَرِ الشَّخْصِ الْوَاحِدِ. وَسَيَأْتِي فِي الْقَدَرِ فِي آخِرِهِ أَنَّ وَرَّادًا قَالَ: ثُمَّ وَفَدْتُ بَعْدُ عَلَى مُعَاوِيَةَ فَسَمِعْتُهُ يَأْمُرُ النَّاسَ بِذَلِكَ وَزَعَمَ بَعْضُهُمْ أَنَّ مُعَاوِيَةَ كَانَ قَدْ سَمِعَ الْحَدِيثَ الْمَذْكُورَ، وَإِنَّمَا أَرَادَ اسْتِثْبَاتَ الْمُغِيرَةِ وَاحْتَجَّ بِمَا فِي الْمُوَطَّأِ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ مُعَاوِيَةَ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ عَلَى الْمِنْبَرِ: أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّهُ لَا مَانِعَ لِمَا أَعْطَى اللَّهُ، وَلَا مُعْطِيَ لِمَا مَنَعَ اللَّهُ، وَلَا يَنْفَعُ ذَا الْجَدِّ مِنْهُ الْجَدُّ. مِنْ يُرِدِ اللَّهُ بِهِ خَيْرًا يُفَقِّهْهُ فِي الدِّينِ. ثُمَّ يَقُولُ: سَمِعْتُهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ عَلَى هَذِهِ الْأَعْوَادِ.

قَوْلُهُ: (لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ) زَادَ الطَّبَرَانِيُّ مِنْ طَرِيقٍ أُخْرَى عَنْ الْمُغِيرَةِ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَهُوَ حَيٌّ لَا يَمُوتُ، بِيَدِهِ الْخَيْرُ - إِلَى - قَدِيرٌ وَرُوَاتُهُ مُوَثَّقُونَ. وَثَبَتَ مِثْلُهُ عِنْدَ الْبَزَّارِ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفِ بِسَنَدٍ ضَعِيفٍ، لَكِنْ فِي الْقَوْلِ إِذَا أَصْبَحَ وَإِذَا أَمْسَى.

قَوْلُهُ: (وَلَا يَنْفَعُ ذَا الْجَدِّ مِنْكَ الْجَدُّ) قَالَ الْخَطَّابِيُّ: الْجَدُّ الْغِنَى وَيُقَالُ الْحَظُّ، قَالَ: وَمِنْ فِي قَوْلِهِ مِنْكَ بِمَعْنَى الْبَدَلِ، قَالَ الشَّاعِرُ:

فَلَيْتَ لَنَا مِنْ مَاءِ زَمْزَمَ شَرْبَةً … مُبَرَّدَةً بَاتَتْ عَلَى الطَّهَيَانِ (١)

يُرِيدُ: لَيْتَ لَنَا بَدَلَ مَاءِ زَمْزَمَ اهـ. وَفِي الصِّحَاحِ: مَعْنَى مِنْكَ هُنَا عِنْدَكَ، أَيْ لَا يَنْفَعُ ذَا الْغِنَى عِنْدَكَ غِنَاهُ، إِنَّمَا يَنْفَعُهُ الْعَمَلُ الصَّالِحُ. وَقَالَ ابْنُ التِّينِ: الصَّحِيحُ عِنْدِي أَنَّهَا لَيْسَتْ بِمَعْنَى الْبَدَلِ وَلَا عِنْدَ، بَلْ هُوَ كَمَا تَقُولُ: وَلَا يَنْفَعُكَ مِنِّي شَيْءٌ إِنْ أَنَا أَرَدْتُكَ بِسُوءٍ. وَلَمْ يَظْهَرْ مِنْ كَلَامِهِ مَعْنًى، وَمُقْتَضَاهُ أَنَّهَا بِمَعْنَى عِنْدَ، أَوْ فِيهِ حَذْفٌ تَقْدِيرُهُ: مِنْ قَضَائِي أَوْ سَطْوَتِي أَوْ عَذَابِي. وَاخْتَارَ الشَّيْخُ جَمَالُ الدِّينِ فِي الْمُغْنِي الْأَوَّلَ، قَالَ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ: قَوْلُهُ مِنْكَ يَجِبُ أَنْ يَتَعَلَّقَ بِـ يَنْفَعُ، وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ يَنْفَعُ قَدْ ضُمِّنَ مَعْنَى يَمْنَعُ وَمَا قَارَبَهُ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَتَعَلَّقَ مِنْكَ بِالْجَدِّ كَمَا يُقَالُ: حَظِّي مِنْكَ كَثِيرٌ لِأَنَّ ذَلِكَ نَافِعٌ اهـ. وَالْجَدُّ مَضْبُوطٌ فِي جَمِيعِ الرِّوَايَاتِ بِفَتْحِ الْجِيمِ وَمَعْنَاهُ الْغِنَى كَمَا نَقَلَهُ الْمُصَنِّفُ عَنِ الْحَسَنِ، أَوِ الْحَظُّ.

وَحَكَى الرَّاغِبُ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ هُنَا أَبُو الْأَبِ، أَيْ لَا يَنْفَعُ أَحَدًا نَسَبُهُ. قَالَ الْقُرْطُبِيُّ: حُكِيَ عَنْ أَبِي عَمْرٍو الشَّيْبَانِيِّ أَنَّهُ رَوَاهُ بِالْكَسْرِ وَقَالَ: مَعْنَاهُ لَا يَنْفَعُ ذَا الِاجْتِهَادِ اجْتِهَادُهُ. وَأَنْكَرَهُ الطَّبَرِيُّ. وَقَالَ الْقَزَّازُ فِي تَوْجِيهِ إِنْكَارِهِ: الِاجْتِهَادُ فِي الْعَمَلِ نَافِعٌ لِأَنَّ اللَّهَ قَدْ دَعَا الْخَلْقَ إِلَى ذَلِكَ، فَكَيْفَ لَا يَنْفَعُ عِنْدَهُ؟ قَالَ: فَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ أَنَّهُ لَا يَنْفَعُ الِاجْتِهَادُ فِي طَلَبِ الدُّنْيَا وَتَضْيِيعِ أَمْرِ الْآخِرَةِ. وَقَالَ غَيْرُهُ: لَعَلَّ الْمُرَادَ أَنَّهُ لَا يَنْفَعُ بِمُجَرَّدِهِ مَا لَمْ يُقَارِنْهُ الْقَبُولُ، وَذَلِكَ لَا يَكُونُ إِلَّا بِفَضْلِ اللَّهِ وَرَحْمَتِهِ، كَمَا تَقَدَّمَ فِي شَرْحِ قَوْلِهِ: لَا يُدْخِلُ أَحَدًا مِنْكُمُ الْجَنَّةَ عَمَلُهُ، وَقِيلَ: الْمُرَادُ عَلَى رِوَايَةِ الْكَسْرِ السَّعْيُ التَّامُّ فِي الْحِرْصِ أَوِ الْإِسْرَاعُ فِي الْهَرَبِ. قَالَ النَّوَوِيُّ: الصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ الَّذِي عَلَيْهِ الْجُمْهُورُ أَنَّهُ بِالْفَتْحِ وَهُوَ الْحَظُّ فِي الدُّنْيَا بِالْمَالِ أَوِ الْوَلَدِ أَوِ الْعَظَمَةِ أَوِ السُّلْطَانِ، وَالْمَعْنَى لَا يُنَجِّيهِ حَظُّهُ مِنْكَ، وَإِنَّمَا يُنَجِّيهِ فَضْلُكَ وَرَحْمَتُكَ. وَفِي الْحَدِيثِ اسْتِحْبَابُ هَذَا الذِّكْرِ عَقِبَ الصَّلَوَاتِ لِمَا اشْتَمَلَ عَلَيْهِ مِنْ أَلْفَاظِ التَّوْحِيدِ


(١) في طبعة بولاق "على الظمآن" والتصحيح من لسان العرب (مادة طهي) ومن مخطوطة الرياض