فِيهِ التَّأْنِيثُ وَالتَّذْكِيرُ، وَالتَّأْنِيثُ أَشْهَرُ، لَكِنَّ الضَّمِيرَ فِي قَوْلِهِ: فِيهِ خَضِرَاتٌ يَعُودُ عَلَى الطَّعَامِ الَّذِي فِي الْقِدْرِ، فَالتَّقْدِيرُ أُتِيَ بِقِدْرٍ مِنْ طَعَامٍ فِيهِ خَضِرَاتٌ، وَلِهَذَا لَمَّا أَعَادَ الضَّمِيرَ عَلَى الْقِدْرِ أَعَادَهُ بِالتَّأْنِيثِ حَيْثُ قَالَ: فَأُخْبِرَ بِمَا فِيهَا وَحَيْثُ قَالَ: قَرِّبُوهَا وَقَوْلُهُ: خُضَرَاتٌ بِضَمِّ الْخَاءِ وَفَتْحِ الضَّادِ الْمُعْجَمَتَيْنِ كَذَا ضُبِطَ فِي رِوَايَةِ أَبِي ذَرٍّ، وَلِغَيْرِهِ بِفَتْحِ أَوَّلِهِ وَكَسْرِ ثَانِيهِ وَهُوَ جَمْعُ خَضِرَةٍ، وَيَجُوزُ مَعَ ضَمِّ أَوَّلِهِ ضَمُّ الضَّادِ وَتَسْكِينُهَا أَيْضًا.
قَوْلُهُ: (إِلَى بَعْضِ أَصْحَابِهِ) قَالَ الْكِرْمَانِيُّ: فِيهِ النَّقْلُ بِالْمَعْنَى، إِذِ الرَّسُولُ ﷺ لَمْ يَقُلْهُ بِهَذَا اللَّفْظِ بَلْ قَالَ قَرِّبُوهَا إِلَى فُلَانٍ مَثَلًا، أَوْ فِيهِ حَذْفٌ أَيْ قَالَ قَرِّبُوهَا مُشِيرًا أَوْ أَشَارَ إِلَى بَعْضِ أَصْحَابِهِ.
قُلْتُ وَالْمُرَادُ بِالْبَعْضِ أَبُو أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيُّ، فَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ أَبِي أَيُّوبَ فِي قِصَّةِ نُزُولِ النَّبِيِّ ﷺ عَلَيْهِ قَالَ فَكَانَ يَصْنَعُ لِلنَّبِيِّ ﷺ طَعَامًا فَإِذَا جِيءَ بِهِ إِلَيْهِ - أَيْ بَعْدَ أَنْ يَأْكُلَ النَّبِيُّ ﷺ مِنْهُ سَأَلَ عَنْ مَوْضِعِ أَصَابِعِ النَّبِيِّ ﷺ فَصَنَعَ ذَلِكَ مَرَّةً فَقِيلَ لَهُ: لَمْ يَأْكُلْ، وَكَانَ الطَّعَامُ فِيهِ ثُومٌ، فَقَالَ: أَحَرَامٌ هُوَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: لَا وَلَكِنْ أَكْرَهُهُ.
قَوْلُهُ: (كُلْ فَإِنِّي أُنَاجِي مَنْ لَا تُنَاجِي) أَيْ الْمَلَائِكَةَ، وَفِي حَدِيثِ أَبِي أَيُّوبَ عِنْدَ ابْنِ خُزَيْمَةَ، وَابْنِ حِبَّانَ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ أُرْسِلَ إِلَيْهِ بِطَعَامٍ مِنْ خَضِرَةٍ فِيهِ بَصَلٌ أَوْ كُرَّاثٌ فَلَمْ يَرَ فِيهِ أَثَرَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فأبى أَنْ يَأْكُلَ، فَقَالَ لَهُ: مَا مَنَعَكَ؟ قَالَ: لَمْ أَرَ أَثَرَ يَدِكَ. قَالَ: أَسْتَحِي مِنْ مَلَائِكَةِ اللَّهِ وَلَيْسَ بِمُحَرَّمٍ وَلَهُمَا مِنْ حَدِيثِ أُمِّ أَيُّوبَ قَالَتْ: نَزَلَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ فَتَكَلَّفْنَا لَهُ طَعَامًا فِيهِ بَعْضُ الْبُقُولِ، فَذَكَرَ الْحَدِيثَ نَحْوَهُ وَقَالَ فِيهِ: كُلُوا، فَإِنِّي لَسْتُ كَأَحَدٍ مِنْكُمْ، إِنِّي أَخَافُ أُوذِيَ صَاحِبِي.
قَوْلُهُ: (وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ صَالِحٍ، عَنْ ابْنِ وَهْبٍ أُتِيَ بِبَدْرٍ) مُرَادُهُ أَنَّ أَحْمَدَ بْنَ صَالِحٍ خَالَفَ سَعِيدَ بْنَ عُفَيْرٍ فِي هَذِهِ اللَّفْظَةِ فَقَطْ وَشَارَكَهُ فِي سَائِرِ الْحَدِيثِ عَنِ ابْنِ وَهْبٍ بِإِسْنَادِهِ الْمَذْكُورِ، وَقَدْ أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي الِاعْتِصَامِ قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ صَالِحٍ فَذَكَرَهُ بِلَفْظِ: أُتِيَ بِبَدْرٍ وَفِيهِ قَوْلُ ابْنِ وَهْبٍ: يَعْنِي طَبَقًا فِيهِ خَضِرَاتٌ، وَكَذَا أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ صَالِحٍ، لَكِنْ أَخَّرَ تَفْسِيرَ ابْنِ وَهْبٍ فَذَكَرَهُ بَعْدَ فَرَاغِ الْحَدِيثِ. وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ أَبِي الطَّاهِرِ وَحَرْمَلَةَ كِلَاهُمَا عَنِ ابْنِ وَهْبٍ فَقَالَ: بِقِدْرٍ بِالْقَافِ، وَرَجَّحَ جَمَاعَةٌ مِنَ الشُّرَّاحِ رِوَايَةَ أَحْمَدَ بْنِ صَالِحٍ لِكَوْنِ ابْنِ وَهْبٍ فَسَّرَ الْبَدْرَ بِالطَّبَقِ فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ حَدَّثَ بِهِ كَذَلِكَ، وَزَعَمَ بَعْضُهُمْ أَنَّ لَفْظَةَ بِقِدْرٍ تَصْحِيفٌ لِأَنَّهَا تُشْعِرُ بِالطَّبْخِ، وَقَدْ وَرَدَ الْإِذْنُ بِأَكْلِ الْبُقُولِ مَطْبُوخَةً، بِخِلَافِ الطَّبَقِ فَظَاهِرُهُ أَنَّ الْبُقُولَ كَانَتْ فِيهِ نَيِّئَةً.
وَالَّذِي يَظْهَرُ لِي أَنَّ رِوَايَةَ الْقِدْرِ أَصَحُّ لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ حَدِيثِ أَبِي أَيُّوبَ وَأُمِّ أَيُّوبَ جَمِيعًا، فَإِنَّ فِيهِ التَّصْرِيحَ بِالطَّعَامِ، وَلَا تَعَارُضَ بَيْنَ امْتِنَاعِهِ ﷺ مِنْ أَكْلِ الثُّومِ وَغَيْرِهِ مَطْبُوخًا وَبَيْنَ إِذْنِهِ لَهُمْ فِي أَكْلِ ذَلِكَ مَطْبُوخًا، فَقَدْ عَلَّلَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ: إِنِّي لَسْتُ كَأَحَدٍ مِنْكُمْ وَتَرْجَمَ ابْنُ خُزَيْمَةَ عَلَى حَدِيثِ أَبِي أَيُّوبَ ذَكَرَ مَا خَصَّ اللَّهُ نَبِيَّهُ بِهِ مِنْ تَرْكِ أَكْلِ الثُّومِ وَنَحْوِهِ مَطْبُوخًا، وَقَدْ جَمَعَ الْقُرْطُبِيُّ فِي الْمُفْهِمِ بَيْنَ الرِّوَايَتَيْنِ بِأَنَّ الَّذِي فِي الْقِدْرِ لَمْ يَنْضَجْ حَتَّى تَضْمَحِلَّ رَائِحَتُهُ فَبَقِيَ فِي حُكْمِ النِّيءِ.
قَوْلُهُ: (بِبَدْرٍ) بِفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ وَهُوَ الطَّبَقُ، سُمِّيَ بِذَلِكَ لِاسْتِدَارَتِهِ تَشْبِيهًا لَهُ بِالْقَمَرِ عِنْدَ كَمَالِهِ.
قَوْلُهُ: (وَلَمْ يَذْكُرِ اللَّيْثُ، وَأَبُو صَفْوَانَ، عَنْ يُونُسَ قِصَّةَ الْقِدْرِ) أَمَّا رِوَايَةُ اللَّيْثِ فَوَصَلَهَا الذُّهْلِيُّ فِي الزُّهْرِيَّاتِ وَأَمَّا رِوَايَةُ أَبِي صَفْوَانَ وَهُوَ الْأُمَوِيُّ فَوَصَلَهَا الْمُؤَلِّفُ فِي الْأَطْعِمَةِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْمَدِينِيِّ عَنْهُ وَاقْتَصَرَ عَلَى الْحَدِيثِ الْأَوَّلِ وَكَذَا اقْتَصَرَ عُقَيْلٌ، عَنْ الزُّهْرِيِّ كَمَا أَخْرَجَهُ ابْنُ خُزَيْمَةَ.
قَوْلُهُ: (فَلَا أَدْرِي إِلَخْ) هُوَ مِنْ كَلَامِ الْبُخَارِيِّ، وَوَهِمَ مَنْ زَعَمَ أَنَّهُ كَلَامُ أَحْمَدَ بْنِ صَالِحٍ أَوْ مَنْ فَوْقَهُ، وَقَدْ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: الْأَصْلُ أَنَّ مَا كَانَ مِنَ الْحَدِيثِ مُتَّصِلًا بِهِ فَهُوَ مِنْهُ حَتَّى يَجِيءَ الْبَيَانُ الْوَاضِحُ بِأَنَّهُ مُدْرَجٌ فِيهِ.
قَوْلُهُ: (عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ) هُوَ ابْنُ صُهَيْبٍ.
قَوْلُهُ: (سَأَلَ رَجُلٌ) لَمْ أَقِفْ عَلَى تَسْمِيَتِهِ،