بَيْتِ زَوْجِهَا إِلَّا
بِإِذْنِهِ لِتَوَجُّهِ الْأَمْرِ إِلَى الْأَزْوَاجِ بِالْإِذْنِ، وَتَعَقَّبَهُ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ بِأَنَّهُ إِنْ أُخِذَ مِنَ الْمَفْهُومِ فَهُوَ مَفْهُومُ لَقَبٍ وَهُوَ ضَعِيفٌ، لَكِنْ يَتَقَوَّى بِأَنْ يُقَالَ: إِنَّ مَنْعَ الرِّجَالِ نِسَاءَهُمْ أَمْرٌ مُقَرَّرٌ، وَإِنَّمَا عُلِّقَ الْحُكْمُ بِالْمَسَاجِدِ لِبَيَانِ مَحَلِّ الْجَوَازِ فَيَبْقَى مَا عَدَاهُ عَلَى الْمَنْعِ، وَفِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ الْإِذْنَ الْمَذْكُورَ لِغَيْرِ الْوُجُوبِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ وَاجِبًا لَانْتَفَى مَعْنَى الِاسْتِئْذَانِ، لِأَنَّ ذَلِكَ إِنَّمَا يَتَحَقَّقُ إِذَا كَانَ الْمُسْتَأْذَنُ مُخَيَّرًا فِي الْإِجَابَةِ أَوِ الرَّدِّ.
قَوْلُهُ: (تَابَعَهُ شُعْبَةُ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ) ذَكَرَ الْمِزِّيُّ فِي الْأَطْرَافِ تَبَعًا لِخَلَفٍ، وَأَبِي مَسْعُودٍ أَنَّ هَذِهِ الْمُتَابَعَةَ وَقَعَتْ بَعْدَ رِوَايَةِ وَرْقَاءَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنْ ابْنِ عُمَرَ بِهَذَا الْحَدِيثِ، وَلَمْ أَقِفْ عَلَى ذَلِكَ فِي شَيْءٍ مِنَ الرِّوَايَاتِ الَّتِي اتَّصَلَتْ لَنَا مِنَ الْبُخَارِيِّ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ، وَإِنَّمَا وَقَعَتِ الْمُتَابَعَةُ الْمَذْكُورَةُ عَقِبَ رِوَايَةِ حَنْظَلَةَ، عَنْ سَالِمٍ، وَقَدْ وَصَلَهَا أَحْمَدُ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ فَذَكَرَ الْحَدِيثَ بِزِيَادَةٍ سَيَأْتِي ذِكْرُهَا قَرِيبًا.
نَعَمْ أَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ رِوَايَةَ وَرْقَاءَ فِي أَوَائِلِ كِتَابِ الْجُمُعَةِ بِلَفْظِ: ائْذَنُوا لِلنِّسَاءِ بِاللَّيْلِ إِلَى الْمَسَاجِدِ، وَلَمْ يَذْكُرْ بَعْدَهُ مُتَابَعَةً وَلَا غَيْرَهَا، وَوَافَقَهُ مُسْلِمٌ عَلَى إِخْرَاجِهِ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ أَيْضًا وَزَادَ فِيهِ: فَقَالَ لَهُ ابْنٌ لَهُ يُقَالُ لَهُ وَاقِدٌ: إِذًا يَتَّخِذْنَهُ دَغَلًا، قَالَ: فَضَرَبَ فِي صَدْرِهِ وَقَالَ: أُحَدِّثُكَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ وَتَقُولُ لَا وَلَمْ أَرَ لِهَذِهِ الْقِصَّةِ ذِكْرًا فِي شَيْءٍ مِنَ الطُّرُقِ الَّتِي أَخْرَجَهَا الْبُخَارِيُّ لِهَذَا الْحَدِيثِ، وَقَدْ أَوْهَمَ صَنِيعُ صَاحِبِ الْعُمْدَةِ خِلَافَ ذَلِكَ، وَلَمْ يَتَعَرَّضْ لِبَيَانِ ذَلِكَ أَحَدٌ مِنْ شُرَّاحِهِ، وَأَظُنُّ الْبُخَارِيَّ اخْتَصَرَهَا لِلِاخْتِلَافِ فِي تَسْمِيَةِ ابْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، فَقَدْ رَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ وَسَمَّى الِابْنَ بِلَالًا فَأَخْرَجَهُ مِنْ طَرِيقِ كَعْبِ بْنِ عَلْقَمَةَ، عَنْ بِلَالِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ أَبِيهِ بِلَفْظِ: لَا تَمْنَعُوا النِّسَاءَ حُظُوظَهُنَّ الْمَسَاجِدَ إِذَا اسْتَأْذَنَّكُمْ، فَقَالَ بِلَالٌ: وَاللَّهِ لَنَمْنَعُهُنَّ، الْحَدِيثُ. ولِلطَّبَرَانِيِّ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ هُبَيْرَةَ، عَنْ بِلَالِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ نَحْوُهُ وَفِيهِ: فَقُلْتُ أَمَّا أَنَا فَسَأَمْنَعُ أَهْلِي، فَمَنْ شَاءَ فَلْيُسَرِّحْ أَهْلَهُ وَفِي رِوَايَةِ يُونُسَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَالِمٍ فِي هَذَا الْحَدِيثِ: قَالَ: فَقَالَ بِلَالُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ: وَاللَّهِ لَنَمْنَعُهُنَّ وَمِثْلُهُ فِي رِوَايَةِ عَقِيلٍ عِنْدَ أَحْمَدَ، وَعِنْدَهُ فِي رِوَايَةِ شُعْبَةَ، عَنِ الْأَعْمَشِ الْمَذْكُورَةِ فَقَالَ سَالِمٌ أَوْ بَعْضُ بَنِيهِ: وَاللَّهِ لَا نَدَعُهُنَّ يَتَّخِذْنَهُ دَغَلًا الْحَدِيثَ.
وَالرَّاجِحُ مِنْ هَذَا أَنَّ صَاحِبَ الْقِصَّةِ بِلَالٌ لِوُرُودِ ذَلِكَ مِنْ رِوَايَتِهِ نَفْسِهِ وَمِنْ رِوَايَةِ أَخِيهِ سَالِمٍ، وَلَمْ يُخْتَلَفْ عَلَيْهِمَا فِي ذَلِكَ. وَأَمَّا هَذِهِ الرِّوَايَةُ الْأَخِيرَةُ فَمَرْجُوحَةٌ لِوُقُوعِ الشَّكِّ فِيهَا، وَلَمْ أَرَهُ مَعَ ذَلِكَ فِي شَيْءٍ مِنَ الرِّوَايَاتِ عَنِ الْأَعْمَشِ مُسَمًّى وَلَا عَنْ شَيْخِهِ مُجَاهِدٍ، فَقَدْ أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ مِنْ رِوَايَةِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُهَاجِرٍ، وَابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، وَلَيْثِ بْنِ أَبِي سُلَيْمٍ كُلِّهِمْ عَنْ مُجَاهِدٍ وَلَمْ يُسَمِّهِ أَحَدٌ مِنْهُمْ، فَإِنْ كَانَتْ رِوَايَةُ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ مَحْفُوظَةً فِي تَسْمِيَتِهِ وَاقِدًا فَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ كُلٌّ مِنْ بِلَالٍ، وَوَاقِدٍ وَقَعَ مِنْهُ ذَلِكَ إِمَّا فِي مَجْلِسٍ أَوْ فِي مَجْلِسَيْنِ، وَأَجَابَ ابْنُ عُمَرَ كُلًّا مِنْهُمَا بِجَوَابٍ يَلِيقُ بِهِ، وَيُقَوِّيهِ اخْتِلَافُ النَّقْلَةِ فِي جَوَابِ ابْنِ عُمَرَ، فَفِي رِوَايَةِ بِلَالٍ عِنْدَ مُسْلِمٍ: فَأَقْبَلَ عَلَيْهِ عَبْدُ اللَّهِ فَسَبَّهُ سَبًّا سَيِّئًا مَا سَمِعْتُهُ يَسُبُّهُ مِثْلَهُ قَطُّ، وَفَسَّرَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ هُبَيْرَةَ فِي رِوَايَةِ الطَّبَرَانِيِّ السَّبَّ الْمَذْكُورَ بِاللَّعْنِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، وَفِي رِوَايَةِ زَائِدَةَ عَنِ الْأَعْمَشِ: فَانْتَهَرَهُ وَقَالَ: أُفٍّ لَكَ، وَلَهُ عَنِ ابْنِ نُمَيْرٍ، عَنِ الْأَعْمَشِ: فَعَلَ اللَّهُ بِكَ وَفَعَلَ، وَمِثْلُهُ لِلتِّرْمِذِيِّ مِنْ رِوَايَةِ عِيسَى بْنِ يُونُسَ، وَلِمُسْلِمٍ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي مُعَاوِيَةَ: فَزَبَرَهُ، وَلِأَبِي دَاوُدَ مِنْ رِوَايَةِ جَرِيرٍ: فَسَبَّهُ وَغَضِبَ، فَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ بِلَالٌ الْبَادِئَ فَلِذَلِكَ أَجَابَهُ بِالسَّبِّ الْمُفَسَّرِ بِاللَّعْنِ، وَأَنْ يَكُونَ وَاقِدٌ بَدَأَهُ فَلِذَلِكَ أَجَابَهُ بِالسَّبِّ الْمُفَسَّرِ بِالتَّأْفِيفِ مَعَ الدَّفْعِ فِي صَدْرِهِ، وَكَأَنَّ السِّرَّ فِي ذَلِكَ أَنَّ بِلَالًا عَارَضَ الْخَبَرَ
بِرَأْيِهِ وَلَمْ يَذْكُرْ عِلَّةَ الْمُخَالَفَةِ، وَوَافَقَهُ وَاقِدٌ لَكِنْ ذَكَرَهَا بِقَوْلِهِ: يَتَّخِذْنَهُ دَغَلًا وَهُوَ بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ ثُمَّ الْمُعْجَمَةِ وَأَصْلُهُ الشَّجَرُ الْمُلْتَفُّ ثُمَّ اسْتُعْمِلَ فِي الْمُخَادَعَةِ لِكَوْنِ الْمُخَادِعِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute