٨٧٩ - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ قَالَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ صَفْوَانَ بْنِ سُلَيْمٍ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ ﵁ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قال: "غُسْلُ يَوْمِ الْجُمُعَةِ وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ مُحْتَلِمٍ "
قَوْلُهُ: (بَابُ فَضْلِ الْغُسْلِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ) قَالَ الزَّيْنُ بْنُ الْمُنِيرِ: لَمْ يَذْكُرِ الْحُكْمَ لِمَا وَقَعَ فِيهِ مِنَ الْخِلَافِ، وَاقْتَصَرَ عَلَى الْفَضْلِ لِأَنَّ مَعْنَاهُ التَّرْغِيبُ فِيهِ وَهُوَ الْقَدْرُ الَّذِي تَتَّفِقُ الْأَدِلَّةُ عَلَى ثُبُوتِهِ.
قَوْلُهُ: (وَهَلْ عَلَى الصَّبِيِّ شُهُودُ يَوْمِ الْجُمُعَةِ أَوْ عَلَى النِّسَاءِ) اعْتَرَضَ أَبُو عَبْدِ الْمَلِكِ فِيمَا حَكَاهُ ابْنُ التِّينِ عَلَى هَذَا الشِّقِّ الثَّانِي مِنَ التَّرْجَمَةِ فَقَالَ: تَرْجَمَ هَلْ عَلَى الصَّبِيِّ أَوِ النِّسَاءِ جُمُعَةٌ؟ وَأَوْرَدَ: إِذَا جَاءَ أَحَدُكُمْ الْجُمُعَةَ فَلْيَغْتَسِلْ، وَلَيْسَ فِيهِ ذِكْرُ وُجُوبِ شُهُودٍ وَلَا غَيْرِهِ، وَأَجَابَ ابْنُ التِّينِ بِأَنَّهُ أَرَادَ سُقُوطَ الْوُجُوبِ عَنْهُمْ، أَمَّا الصِّبْيَانُ فَبِالْحَدِيثِ الثَّالِثِ فِي الْبَابِ حَيْثُ قَالَ: عَلَى كُلِّ مُحْتَلِمٍ فَدَلَّ عَلَى أَنَّهَا غَيْرُ وَاجِبَةٍ عَلَى الصِّبْيَانِ، قَالَ: وَقَالَ الدَّاوُدِيُّ: فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى سُقُوطِهَا عَنِ النِّسَاءِ لِأَنَّ الْفُرُوضَ تَجِبُ عَلَيْهِنَّ فِي الْأَكْثَرِ بِالْحَيْضِ لَا بِالِاحْتِلَامِ، وَتُعُقِّبَ بِأَنَّ الْحَيْضَ فِي حَقِّهِنَّ عَلَامَةٌ لِلْبُلُوغِ كَالِاحْتِلَامِ، وَلَيْسَ الِاحْتِلَامُ مُخْتَصًّا بِالرِّجَالِ وَإِنَّمَا ذُكِرَ فِي الْخَبَرِ لِكَوْنِهِ الْغَالِبَ وَإِلَّا فَقَدْ لَا يَحْتَلِمُ الْإِنْسَانُ أَصْلًا وَيَبْلُغُ بِالْإِنْزَالِ أَوِ السِّنِّ وَحُكْمُهُ حُكْمُ الْمُحْتَلِمِ. وَقَالَ الزَّيْنُ بْنُ الْمُنِيرِ: إِنَّمَا أَشَارَ إِلَى أَنَّ غُسْلَ الْجُمُعَةِ شُرِعَ لِلرَّوَاحِ إِلَيْهَا كَمَا دَلَّتْ عَلَيْهِ الْأَخْبَارُ، فَيَحْتَاجُ إِلَى مَعْرِفَةِ مَنْ يُطْلَبُ رَوَاحُهُ فَيُطْلَبُ غُسْلُهُ، وَاسْتُعْمِلَ الِاسْتِفْهَامُ فِي التَّرْجَمَةِ لِلْإِشَارَةِ إِلَى وُقُوعِ الِاحْتِمَالِ فِي حَقِّ الصَّبِيِّ فِي عُمُومِ قَوْلِهِ: أَحَدُكُمْ لَكِنْ تَقَيُّدُهُ بِالْمُحْتَلِمِ فِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ يُخْرِجُهُ، وَأَمَّا النِّسَاءُ فَيَقَعُ فِيهِنَّ الِاحْتِمَالُ بِأَنْ يَدْخُلْنَ فِي أَحَدُكُمْ بِطَرِيقِ التَّبَعِ، وَكَذَا احْتِمَالُ عُمُومِ النَّهْيِ فِي مَنْعِهِنَّ الْمَسَاجِدَ، لَكِنْ تَقَيُّدُهُ بِاللَّيْلِ يُخْرِجُ الْجُمُعَةَ اهـ.
وَلَعَلَّ الْبُخَارِيَّ أَشَارَ بِذِكْرِ النِّسَاءِ إِلَى مَا سَيَأْتِي قَرِيبًا فِي بَعْضِ طُرُقِ حَدِيثِ نَافِعٍ، وَإِلَى الْحَدِيثِ الْمُصَرِّحِ بِأَنْ لَا جُمُعَةَ عَلَى امْرَأَةٍ وَلَا صَبِيٍّ لِكَوْنِهِ لَيْسَ عَلَى شَرْطِهِ وَإِنْ كَانَ الْإِسْنَادُ صَحِيحًا، وَهُوَ عِنْدَ أَبِي دَاوُدَ مِنْ حَدِيثِ طَارِقِ بْنِ شِهَابٍ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ وَرِجَالُهُ ثِقَاتٌ، لَكِنْ قَالَ أَبُو دَاوُدَ: لَمْ يَسْمَعْ طَارِقٌ مِنَ النَّبِيِّ ﷺ إِلَّا أَنَّهُ رَآهُ اهـ. وَقَدْ أَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ مِنْ طَرِيقِ طَارِقٍ، عَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ، قَالَ الزَّيْنُ بْنُ الْمُنِيرِ: وَنُقِلَ عَنْ مَالِكٍ أَنَّ مَنْ يَحْضُرُ الْجُمُعَةَ مِنْ غَيْرِ الرِّجَالِ إِنْ حَضَرَهَا لِابْتِغَاءِ الْفَضْلِ شُرِعَ لَهُ الْغُسْلُ وَسَائِرُ آدَابِ الْجُمُعَةِ، وَإِنْ حَضَرَهَا لِأَمْرٍ اتِّفَاقِيٍّ فَلَا. ثُمَّ أَوْرَدَ الْمُصَنِّفُ فِي الْبَابِ ثَلَاثَةَ أَحَادِيثَ.
أحدها: حَدِيثُ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَخْرَجَهُ مِنْ حَدِيثِ مَالِكٍ عَنْهُ بِلَفْظِ إِذَا جَاءَ أَحَدُكُمُ الْجُمُعَةَ فَلْيَغْتَسِلْ وَقَدْ رَوَاهُ ابْنُ وَهْبٍ، عَنْ مَالِكٍ أَنَّ نَافِعًا حَدَّثَهُمْ فَذَكَرَهُ، أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ، وَالْفَاءُ لِلتَّعْقِيبِ، وَظَاهِرُهُ أَنَّ الْغُسْلَ يَعْقُبُ الْمَجِيءَ، وَلَيْسَ ذَلِكَ الْمُرَادَ وَإِنَّمَا التَّقْدِيرُ: إِذَا أَرَادَ أَحَدُكُمْ، وَقَدْ جَاءَ مُصَرَّحًا بِهِ فِي رِوَايَةِ اللَّيْثِ، عَنْ نَافِعٍ عِنْدَ مُسْلِمٍ وَلَفْظُهُ: إِذَا أَرَادَ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْتِيَ الْجُمُعَةَ فَلْيَغْتَسِلْ وَنَظِيرُ ذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿إِذَا نَاجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَةً﴾ فَإِنَّ الْمَعْنَى إِذَا أَرَدْتُمُ الْمُنَاجَاةَ بِلَا خِلَافٍ.
وَيُقَوِّي رِوَايَةَ اللَّيْثِ حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ الْآتِي قَرِيبًا بِلَفْظِ: مَنِ اغْتَسَلَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ ثُمَّ رَاحَ فَهُوَ صَرِيحٌ فِي تَأْخِيرِ الرَّوَاحِ عَنِ الْغُسْلِ، وَعُرِفَ بِهَذَا فَسَادُ قَوْلِ مَنْ حَمَلَهُ عَلَى ظَاهِرِهِ وَاحْتُجَّ بِهِ عَلَى أَنَّ الْغُسْلَ لِلْيَوْمِ لَا لِلصَّلَاةِ، لِأَنَّ الْحَدِيثَ وَاحِدٌ وَمُخَرِّجُهُ وَاحِدٌ، وَقَدْ بَيَّنَ اللَّيْثُ فِي رِوَايَتِهِ الْمُرَادَ، وَقَوَّاهُ حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَرِوَايَةُ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ لِهَذَا الْحَدِيثِ مَشْهُورَةٌ جِدًّا فَقَدِ اعْتَنَى بِتَخْرِيجِ طُرُقِهِ أَبُو عَوَانَةَ فِي صَحِيحِهِ فَسَاقَهُ مِنْ طَرِيقِ سَبْعِينَ نَفْسًا رَوَوْهُ عَنْ نَافِعٍ، وَقَدْ تَتَبَّعْتُ مَا فَاتَهُ وَجَمَعْتُ مَا وَقَعَ لِي مِنْ طُرُقِهِ فِي جُزْءٍ مُفْرَدٍ لِغَرَضٍ اقْتَضَى ذَلِكَ فَبَلَغَتْ أَسْمَاءُ مَنْ رَوَاهُ عَنْ نَافِعٍ مِائَةً وَعِشْرِينَ نَفْسًا، فَمَا يُسْتَفَادُ مِنْهُ هُنَا ذِكْرُ سَبَبِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute