أَبُو سَعِيدٍ وَأَنْ يَسْتَنَّ وَهَذَا لَمْ أَرَهُ فِي شَيْءٍ مِنْ نُسَخِ الْجَمْعِ بَيْنَ الصَّحِيحَيْنِ الَّذِي تَكَلَّمَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ عَلَيْهِ. وَلَا فِي وَاحِدٍ مِنَ الصَّحِيحَيْنِ وَلَا فِي شَيْءٍ مِنَ الْمَسَانِيدِ وَالْمُسْتَخْرَجَاتِ، بَلْ لَيْسَ فِي جَمِيعِ طُرُقِ هَذَا الْحَدِيثِ قَالَ أَبُو سَعِيدٍ فَدَعْوَى الْإِدْرَاجِ فِيهِ لَا حَقِيقَةَ لَهَا.
وَيَلْتَحِقُ بِالِاسْتِنَانِ وَالتَّطَيُّبِ التَّزَيُّنُ بِاللِّبَاسِ، وَسَيَأْتِي اسْتِعْمَالُ الْخَمْسِ الَّتِي عُدَّتْ مِنَ الْفِطْرَةِ، وَقَدْ صَرَّحَ ابْنُ حَبِيبٍ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ بِهِ فَقَالَ: يَلْزَمُ الْآتِي الْجُمُعَةَ جَمِيعُ ذَلِكَ، وَسَيَأْتِي فِي بَابِ الدَّهْنِ لِلْجُمُعَةِ: وَيَدْهُنُ مِنْ دُهْنِهِ وَيَمَسُّ مِنْ طِيبِهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
قَوْلُهُ: (قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ) أَيِ: الْبُخَارِيُّ، وَمُرَادُهُ بِمَا ذُكِرَ أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ الْمُنْكَدِرِ وَإِنْ كَانَ يُكَنَّى أَيْضًا أَبَا بَكْرٍ لَكِنَّهُ مِمَّنْ كَانَ مَشْهُورًا بِاسْمِهِ دُونَ كُنْيَتِهِ، بِخِلَافِ أَخِيهِ أَبِي بَكْرٍ رَاوِي هَذَا الْخَبَرِ فَإِنَّهُ لَا اسْمَ لَهُ إِلَّا كُنْيَتَهُ، وَهُوَ مَدَنِيٌّ تَابِعِيٌّ كَشَيْخِهِ.
قَوْلُهُ: (رَوَى عَنْهُ بُكَيْرُ بْنُ الْأَشَجِّ، وَسَعِيدُ بْنُ أَبِي هِلَالٍ) كَذَا فِي رِوَايَةِ أَبِي ذَرٍّ، وَلِغَيْرِهِ رَوَاهُ عَنْهُ وَكَأَنَّ الْمُرَادَ أَنَّ شُعْبَةَ لَمْ يَنْفَرِدْ بِرِوَايَةِ هَذَا الْحَدِيثِ عَنْهُ لَكِنْ بَيْنَ رِوَايَةِ بُكَيْرٍ، وَسَعِيدٍ مُخَالَفَةٌ فِي مَوْضِعٍ مِنْ الْإِسْنَادِ، فَرِوَايَةُ بُكَيْرٍ مُوَافِقَةٌ لِرِوَايَةِ شُعْبَةَ وَرِوَايَةُ سَعِيدٍ أَدْخَلَ فِيهَا بَيْنَ عَمْرِو بْنِ سُلَيْمٍ، وَأَبِي سَعِيدٍ وَاسِطَةً، كَمَا أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَالنَّسَائِيُّ مِنْ طَرِيقِ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ أَنَّ سَعِيدَ بْنَ أَبِي هِلَالٍ، وَبُكَيْرَ بْنَ الْأَشَجِّ حَدَّثَاهُ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ، عَنْ عَمْرِو بْنِ سُلَيْمٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ عَنْ أَبِيهِ، فَذَكَرَ الْحَدِيثَ وَقَالَ فِي آخِرِهِ: إِلَّا أَنَّ بُكَيْرًا لَمْ يَذْكُرْ عَبْدَ الرَّحْمَنِ وَكَذَلِكَ أَخْرَجَ أَحْمَدُ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ لَهِيعَةَ، عَنْ بُكَيْرٍ لَيْسَ فِيهِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ، وَغَفَلَ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي الْعِلَلِ عَنْ هَذَا الْكَلَامِ الْأَخِيرِ فَجَزَمَ بِأَنَّ بُكَيْرًا، وَسَعِيدًا خَالَفَا شُعْبَةَ فَزَادَا فِي الْإِسْنَادِ عَبْدَ الرَّحْمَنِ وَقَالَ: إِنَّهُمَا ضَبَطَا إِسْنَادَهُ وَجَوَّدَاهُ وَهُوَ الصَّحِيحُ، وَلَيْسَ كَمَا قَالَ، بَلِ الْمُنْفَرِدُ بِزِيَادَةِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ هُوَ سَعِيدُ بْنُ أَبِي هِلَالٍ، وَقَدْ وَافَقَ شُعْبَةَ، وَبُكَيْرًا عَلَى إِسْقَاطِهِ مُحَمَّدُ بْنُ الْمُنْكَدِرِ أَخُو أَبِي بَكْرٍ أَخْرَجَهُ ابْنِ خُزَيْمَةَ مِنْ طَرِيقِهِ، وَالْعَدَدُ الْكَثِيرُ أَوْلَى بِالْحِفْظِ مِنْ وَاحِدٍ.
وَالَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ عَمْرَو بْنَ سُلَيْمٍ سَمِعَهُ مِنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ عَنْ أَبِيهِ، ثُمَّ لَقِيَ أَبَا سَعِيدٍ فَحَدَّثَهُ، وَسَمَاعُهُ مِنْهُ لَيْسَ بِمُنْكَرٍ لِأَنَّهُ قَدِيمٌ وُلِدَ فِي خِلَافَةِ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ وَلَمْ يُوصَفْ بِالتَّدْلِيسِ. وَحَكَى الدَّارَقُطْنِيُّ فِي الْعِلَلِ فِيهِ اخْتِلَافًا آخَرَ عَلَى عَلِيِّ بْنِ الْمَدِينِيِّ شَيْخِ الْبُخَارِيِّ فِيهِ، فَذَكَرَ أَنَّ الْبَاغَنْدِيَّ حَدَّثَ بِهِ عَنْهُ بِزِيَادَةِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَيْضًا، وَخَالَفَهُ تَمَّامٌ عَنْهُ فَلَمْ يَذْكُرْ عَبْدَ الرَّحْمَنِ، وَفِيمَا قَالَ نَظَرٌ، فَقَدْ أَخْرَجَهُ الْإِسْمَاعِيلِيُّ، عَنِ الْبَاغَنْدِيِّ بِإِسْقَاطِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَكَذَا أَخْرَجَهُ أَبُو نُعَيْمٍ فِي الْمُسْتَخْرَجِ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ بْنِ حَمْزَةَ، وَأَبِي أَحْمَدَ الْغِطْرِيفِيِّ، كِلَاهُمَا عَنِ الْبَاغَنْدِيِّ، فَهَؤُلَاءِ ثَلَاثَةٌ مِنَ الْحُفَّاظِ حَدَّثُوا بِهِ عَنْ الْبَاغَنْدِيِّ فَلَمْ يَذْكُرُوا عَبْدَ الرَّحْمَنِ فِي الْإِسْنَادِ، فَلَعَلَّ الْوَهْمَ فِيهِ مِمَّنْ حَدَّثَ بِهِ الدَّارَقُطْنِيُّ، عَنْ الْبَاغَنْدِيِّ، وَقَدْ وَافَقَ الْبُخَارِيُّ عَلَى تَرْكِ ذِكْرِهِ مُحَمَّدَ بْنَ يَحْيَى الذُّهْلِيَّ عِنْدَ الْجَوْزَقِيِّ، وَمُحَمَّدَ بْنَ عَبْدِ الرَّحِيمِ صَاعِقَةَ عِنْدَ ابْنِ خُزَيْمَةَ، وَعَبْدَ الْعَزِيزِ بْنَ سَلَّامٍ عِنْدَ الْإِسْمَاعِيلِيِّ، وَإِسْمَاعِيلَ الْقَاضِيَ عِنْدَ ابْنِ مَنْدَهْ فِي غَرَائِبِ شُعْبَةَ، كُلُّهُمْ عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْمَدِينِيِّ، وَوَافَقَ عَلِيَّ بْنَ الْمَدِينِيَّ عَلَى تَرْكِ ذِكْرِهِ أَيْضًا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ، وَإِسْمَاعِيلُ بْنُ عَرْعَرَةَ، عَنْ حَرَمِيِّ بْنِ عُمَارَةَ عِنْدَ أَبِي بَكْرٍ الْمَرُّوِذِيِّ فِي كِتَابِ الْجُمُعَةِ لَهُ، وَلَمْ أَقِفْ عَلَيْهِ مِنْ حَدِيثِ شُعْبَةَ إِلَّا مِنْ طَرِيقِ حَرَمِيٍّ، وَأَشَارَ ابْنُ مَنْدَهْ إِلَى أَنَّهُ تَفَرَّدَ بِهِ عَنْهُ.
(تَنْبِيهٌ): ذَكَرَ الْمِزِّيُّ فِي الْأَطْرَافِ أَنَّ الْبُخَارِيَّ قَالَ عَقِبَ رِوَايَةِ شُعْبَةَ هَذِهِ: وَقَالَ اللَّيْثُ، عَنْ خَالِدِ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي هِلَالٍ، عَنْ أَبِي بَكْرٍ بْنِ الْمُنْكَدِرِ، عَنْ عَمْرِو بْنِ سُلَيْمٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ عَنْ أَبِيهِ، وَلَمْ أَقِفْ عَلَى هَذَا التَّعْلِيقِ فِي شَيْءٍ مِنَ النُّسَخِ الَّتِي وَقَعَتْ لَنَا مِنَ الصَّحِيحِ، وَلَا ذَكَرَهُ أَبُو مَسْعُودٍ وَلَا خَلَفَ، وَقَدْ وَصَلَهُ مِنْ طَرِيقِ اللَّيْثِ كَذَلِكَ أَحْمَدُ، وَالنَّسَائِيُّ، وَابْنُ خُزَيْمَةَ بِلَفْظِ: أَنَّ الْغُسْلَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ مُحْتَلِمٍ، وَالسِّوَاكَ، وَأَنْ يَمَسَّ مِنَ الطِّيبِ مَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute