للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

يَعْنِي وَلِلنَّسَائِيِّ رِوَايَةُ سُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ، عَنِ الزُّهْرِيِّ كَانَ بِلَالٌ يُؤَذِّنُ إِذَا جَلَسَ النَّبِيُّ عَلَى الْمِنْبَرِ. فَإِذَا نَزَلَ أَقَامَ وَقَدْ تَقَدَّمَ نَحْوُهُ فِي مُرْسَلِ مَكْحُولٍ قَرِيبًا، قَالَ الْمُهَلَّبُ: الْحِكْمَةُ فِي جَعْلِ الْأَذَانِ فِي هَذَا الْمَحَلِّ لِيَعْرِفَ النَّاسُ بِجُلُوسِ الْإِمَامِ عَلَى الْمِنْبَرِ فَيُنْصِتُونَ لَهُ إِذَا خَطَبَ، كَذَا قَالَ وَفِيهِ نَظَرٌ، فَإِنَّ فِي سِيَاقِ ابْنِ إِسْحَاقَ عِنْدَ الطَّبَرَانِيِّ وَغَيْرِهِ عَنْ الزُّهْرِيِّ فِي هَذَا الْحَدِيثِ إنَّ بِلَالًا كَانَ يُؤَذِّنُ عَلَى بَابِ الْمَسْجِدِ (١)، فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ كَانَ لِمُطْلَقِ الْإِعْلَامِ لَا لِخُصُوصِ الْإِنْصَاتِ، نَعَمْ لَمَّا زِيدَ الْأَذَانُ الْأَوَّلُ كَانَ لِلْإِعْلَامِ، وَكَانَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيِ الْخَطِيبِ لِلْإِنْصَاتِ.

قَوْلُهُ: (فَلَمَّا كَانَ عُثْمَانُ) أَيْ خَلِيفَةً.

قَوْلُهُ: (وَكَثُرَ النَّاسُ) أَيْ بِالْمَدِينَةِ، وَصَرَّحَ بِهِ فِي رِوَايَةِ الْمَاجِشُونِ، وَظَاهِرُهُ أَنَّ عُثْمَانَ أَمَرَ بِذَلِكَ فِي ابْتِدَاءِ خِلَافَتِهِ، لَكِنْ فِي رِوَايَةِ أَبِي ضَمْرَةَ، عَنْ يُونُسَ عِنْدَ أَبِي نُعَيْمٍ فِي الْمُسْتَخْرَجِ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ بَعْدَ مُضِيِّ مُدَّةٍ مِنْ خِلَافَتِهِ.

قَوْلُهُ: (زَادَ النِّدَاءَ الثَّالِثَ) فِي رِوَايَةِ وَكِيعٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ فَأَمَرَ عُثْمَانُ بِالْأَذَانِ الْأَوَّلِ، وَنَحْوُهُ لِلشَّافِعِيِّ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ، وَلَا مُنَافَاةَ بَيْنَهُمَا لِأَنَّهُ بِاعْتِبَارِ كَوْنِهِ مَزِيدًا يُسَمَّى ثَالِثًا، وَبِاعْتِبَارِ كَوْنِهِ جُعِلَ مُقَدَّمًا عَلَى الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ يُسَمَّى أَوَّلًا، وَلَفْظُ رِوَايَةِ عَقِيلٍ الْآتِيَةِ بَعْدَ بَابَيْنِ أَنَّ التَّأْذِينَ بِالثَّانِي أَمَرَ بِهِ عُثْمَانُ وَتَسْمِيَتُهُ ثَانِيًا أَيْضًا مُتَوَجِّهٌ بِالنَّظَرِ إِلَى الْأَذَانِ الْحَقِيقِيِّ لَا الْإِقَامَةِ.

قَوْلُهُ: (عَلَى الزَّوْرَاءِ) بِفَتْحِ الزَّايِ وَسُكُونِ الْوَاوِ وَبَعْدَهَا رَاءٌ مَمْدُودَةٌ، وَقَوْلُهُ قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ هُوَ الْمُصَنِّفُ، وَهَذَا فِي رِوَايَةِ أَبِي ذَرٍّ وَحْدَهُ، وَمَا فَسَّرَ بِهِ الزَّوْرَاءُ هُوَ الْمُعْتَمَدُ، وَجَزَمَ ابْنُ بَطَّالٍ بِأَنَّهُ حَجَرٌ كَبِيرٌ عِنْدَ بَابِ الْمَسْجِدِ، وَفِيهِ نَظَرٌ لِمَا فِي رِوَايَةِ ابْنِ إِسْحَاقَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ عِنْدَ ابْنِ خُزَيْمَةَ، وَابْنِ مَاجَهْ بِلَفْظِ زَادَ النِّدَاءَ الثَّالِثَ عَلَى دَارٍ فِي السُّوقِ يُقَالُ لَهَا الزَّوْرَاءُ وَفِي رِوَايَتِهِ عِنْدَ الطَّبَرَانِيِّ فَأَمَرَ بِالنِّدَاءِ الْأَوَّلِ عَلَى دَارٍ لَهُ يُقَالُ لَهَا الزَّوْرَاءُ، فَكَانَ يُؤَذَّنُ لَهُ عَلَيْهَا، فَإِذَا جَلَسَ عَلَى الْمِنْبَرِ أَذَّنَ مُؤَذِّنُهُ الْأَوَّلُ، فَإِذَا نَزَلَ أَقَامَ الصَّلَاةَ. وَفِي رِوَايَةٍ لَهُ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ فَأَذَّنَ بِالزَّوْرَاءِ قَبْلَ خُرُوجِهِ لِيَعْلَمَ النَّاسُ أَنَّ الْجُمُعَةَ قَدْ حَضَرَتْ وَنَحْوُهُ فِي مُرْسَلِ مَكْحُولٍ الْمُتَقَدِّمِ.

وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ وَأَصْحَابَهُ كَانُوا بِالزَّوْرَاءِ، وَالزَّوْرَاءُ بِالْمَدِينَةِ عِنْدَ السُّوقِ الْحَدِيثَ، زَادَ أَبُو عَامِرٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ فَثَبَتَ ذَلِكَ حَتَّى السَّاعَةِ وَسَيَأْتِي نَحْوُهُ قَرِيبًا مِنْ رِوَايَةِ يُونُسَ بِلَفْظِ فَثَبَتَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ وَالَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ النَّاسَ أَخَذُوا بِفِعْلِ عُثْمَانَ فِي جَمِيعِ الْبِلَادِ إِذْ ذَاكَ لِكَوْنِهِ خَلِيفَةً مُطَاعَ الْأَمْرِ، لَكِنْ ذَكَرَ الْفَاكِهَانِيُّ أَنَّ أَوَّلَ مَنْ أَحْدَثَ الْأَذَانَ الْأَوَّلَ بِمَكَّةَ الْحَجَّاجُ وَبِالْبَصْرَةِ زِيَادٌ، وَبَلَغَنِي أَنَّ أَهْلَ الْمَغْرِبِ الْأَدْنَى الْآنَ لَا تَأْذِينَ عِنْدَهُمْ سِوَى مَرَّةٍ، وَرَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: الْأَذَانُ الْأَوَّلُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ بِدْعَةٌ فَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ قَالَ ذَلِكَ عَلَى سَبِيلِ الْإِنْكَارِ، وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ يُرِيدُ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ فِي زَمَنِ النَّبِيِّ وَكُلُّ مَا لَمْ يَكُنْ فِي زَمَنِهِ يُسَمَّى بِدْعَةً، لَكِنَّ مِنْهَا مَا يَكُونُ حَسَنًا وَمِنْهَا مَا يَكُونُ بِخِلَافِ ذَلِكَ. وَتَبَيَّنَ بِمَا مَضَى أَنَّ عُثْمَانَ أَحْدَثَهُ لِإِعْلَامِ النَّاسِ بِدُخُولِ وَقْتِ الصَّلَاةِ قِيَاسًا عَلَى بَقِيَّةِ الصَّلَوَاتِ فَأَلْحَقَ الْجُمُعَةَ بِهَا وَأَبْقَى خُصُوصِيَّتَهَا بِالْأَذَانِ بَيْنَ يَدَيِ الْخَطِيبِ، وَفِيهِ اسْتِنْبَاطُ مَعْنًى مِنَ الْأَصْلِ لَا يُبْطِلُهُ، وَأَمَّا مَا أَحْدَثَ النَّاسُ قَبْلَ وَقْتِ الْجُمُعَةِ مِنَ الدُّعَاءِ إِلَيْهَا بِالذِّكْرِ وَالصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ فَهُوَ فِي بَعْضِ الْبِلَادِ دُونَ بَعْضٍ، وَاتِّبَاعُ السَّلَفِ الصَّالِحِ أَوْلَى.

(تَنْبِيهَانِ) الْأَوَّلُ: وَرَدَ مَا


(١) وقد أخرج أبو داود من حديث ابن اسحاق عن الزهري عن السائب بن يزيد كرواية الطبراني المذكورة وسنده جيد، إلا أن إبن إسحاق مدلس وقد رواه هاهنا بالعفة ولم يدكر ذلك وأجاد البحث فيه صاحب " عوان المعبود شرح سنن أبي داود " فراجعه إن ششئت. والله أعلم.