قَوْلُهُ: ﴿إِنْ خِفْتُمْ﴾ فَمَفْهُومُهُ اخْتِصَاصُ الْقَصْرِ بِالْخَوْفِ أَيْضًا، وَقَدْ سَأَلَ يَعْلَى بْنُ أُمَيَّةَ الصَّحَابِيُّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ عَنْ ذَلِكَ فَذَكَرَ أَنَّهُ سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ صَدَقَةٌ تَصَدَّقَ اللَّهُ بِهَا عَلَيْكُمْ فَاقْبَلُوا صَدَقَتَهُ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، فَثَبَتَ الْقَصْرُ فِي الْأَمْنِ بِبَيَانِ السُّنَّةِ وَاخْتُلِفَ فِي صَلَاةِ الْخَوْفِ فِي الْحَضَرِ فَمَنَعَهُ ابْنُ الْمَاجِشُونِ أَخْذًا بِالْمَفْهُومِ أَيْضًا وَأَجَازَهُ الْبَاقُونَ.
وَأَمَّا قَوْلُهُ: ﴿وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ﴾ فَقَدْ أَخَذَ بِمَفْهُومِهِ أَبُو يُوسُفَ فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْهُ وَالْحَسَنُ بْنُ زِيَادٍ اللُّؤْلُؤِيُّ مِنْ أَصْحَابِهِ وَإِبْرَاهِيمُ بْنُ عُلَيَّةَ، وَحُكِيَ عَنِ الْمُزَنِيِّ صَاحِبِ الشَّافِعِيِّ، وَاحْتَجَّ عَلَيْهِمْ بِإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ عَلَى فِعْلِ ذَلِكَ بَعْدَ النَّبِيِّ ﷺ وَبِقَوْلِهِ ﷺ صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي فَعُمُومُ مَنْطُوقِهِ مُقَدَّمٌ عَلَى ذَلِكَ الْمَفْهُومِ. وَقَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ وَغَيْرُهُ: شَرْطُ كَوْنِهِ ﷺ فِيهِمْ إِنَّمَا وَرَدَ لِبَيَانِ الْحُكْمِ لَا لِوُجُودِهِ، وَالتَّقْدِيرُ: بَيَّنْ لَهُمْ بِفِعْلِكَ لِكَوْنِهِ أَوْضَحَ مِنَ الْقَوْلِ. ثُمَّ إِنَّ الْأَصْلَ أَنَّ كُلَّ عُذْرٍ طَرَأَ عَلَى الْعِبَادَةِ فَهُوَ عَلَى التَّسَاوِي كَالْقَصْرِ، وَالْكَيْفِيَّةُ وَرَدَتْ لِبَيَانِ الْحَذَرِ مِنَ الْعَدُوِّ، وَذَلِكَ لَا يَقْتَضِي التَّخْصِيصَ بِقَوْمٍ دُونَ قَوْمٍ. وَقَالَ الزَّيْنُ الْمُنِيرُ: الشَّرْطُ إِذَا خَرَجَ مَخْرَجِ التَّعْلِيمِ لَا يَكُونُ لَهُ مَفْهُومٌ كَالْخَوْفِ فِي قولِهِ تعالى: ﴿أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ إِنْ خِفْتُمْ﴾ وَقَالَ الطَّحَاوِيُّ: كَانَ أَبُو يُوسُفَ قَدْ قَالَ مَرَّةً: لَا تُصَلَّى صَلَاةُ الْخَوْفِ بَعْدَ رَسُولِ ﷺ وَزَعَمَ أَنَّ النَّاسَ إِنَّمَا صَلَّوْهَا مَعَهُ لِفَضْلِ الصَّلَاةِ مَعَهُ ﷺ، قَالَ: وَهَذَا الْقَوْلُ عِنْدَنَا لَيْسَ بِشَيْءٍ، وَقَدْ كَانَ مُحَمَّدُ بْنُ شُجَاعٍ يَعِيبُهُ وَيَقُولُ: إِنَّ الصَّلَاةَ خَلْفَ النَّبِيِّ ﷺ وَإِنْ كَانَتْ أَفْضَلَ مِنَ الصَّلَاةِ مَعَ النَّاسِ جَمِيعًا إِلَّا أَنَّهُ يَقْطَعُهَا مَا يَقْطَعُ الصَّلَاةَ خَلْفَ غَيْرِهِ انْتَهَى.
وَسَيَأْتِي سَبَبُ النُّزُولِ وَبَيَانُ أَوَّلِ صَلَاةٍ صُلِّيَتْ فِي الْخَوْفِ فِي كِتَابِ الْمَغَازِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
قَوْلُهُ: (عَنِ الزُّهْرِيِّ سَأَلْتُهُ) الْقَائِلُ هُوَ شُعَيْبٌ وَالْمَسْئُولُ هُوَ الزُّهْرِيُّ وَهُوَ الْقَائِلُ أَخْبَرَنِي سَالِمٌ أَيِ ابْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، وَوَقَعَ بِخَطِّ بَعْضِ مَنْ نَسَخَ الْحَدِيثَ عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: سَأَلْتُهُ فَأَثْبَتَ قَالَ ظَنًّا أَنَّهَا حُذِفَتْ خَطَأً عَلَى الْعَادَةِ، وَهُوَ مُحْتَمَلٌ، وَيَكُونُ حُذِفَ فَاعِلُ قَالَ، لَا أَنَّ الزُّهْرِيَّ هُوَ الَّذِي قَالَ: وَالْمُتَّجَهُ حَذْفُهَا وَتَكُونُ الْجُمْلَةُ حَالِيَّةً أَيْ أَخْبَرَنِي الزُّهْرِيُّ حَالَ سُؤَالِي إِيَّاهُ. وَقَدْ رَوَاهُ النَّسَائِيُّ مِنْ طَرِيقِ بَقِيَّةَ عَنْ شُعَيْبٍ، حَدَّثَنِي الزُّهْرِيُّ، عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِيهِ، وَأَخْرَجَهُ السَّرَّاجُ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى، عَنْ أَبِي الْيَمَانِ شَيْخِ الْبُخَارِيِّ فِيهِ فَزَادَ فِيهِ وَلَفْظُهُ سَأَلْتُهُ هَلْ صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ ﷺ صَلَاةَ الْخَوْفِ أَمْ لَا؟ وَكَيْفَ صَلَّاهَا إِنْ كَانَ صَلَّاهَا؟ وَفِي أَيِّ مَغَازِيهِ كَانَ ذَلِكَ؟ فَأَفَادَ بَيَانَ الْمَسْئُولِ عَنْهُ وَهُوَ صَلَاةُ الْخَوْفِ.
قَوْلُهُ: (غَزَوْتُ مَعَ النَّبِيِّ ﷺ قِبَلَ نَجْدٍ) بِكَسْرِ الْقَافِ وَفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ أَيْ جِهَةَ نَجْدٍ، وَنَجْدٌ كُلُّ مَا ارْتَفَعَ مِنْ بِلَادِ الْعَرَبِ، وَسَيَأْتِي بَيَانُ هَذِهِ الْغَزْوَةِ فِي الْكَلَامِ عَلَى غَزْوَةِ ذَاتِ الرِّقَاعِ مِنَ الْمَغَازِي.
قَوْلُهُ: (فَوَازَيْنَا) بِالزَّايِ أَيْ قَابَلْنَا، قَالَ صَاحِبُ الصِّحَاحِ: يُقَالُ آزَيْتُ، يَعْنِي بِهَمْزَةٍ مَمْدُودَةٍ لَا بِالْوَاوِ. وَالَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ أَصْلَهُ الْهَمْزَةُ فَقُلِبَتْ وَاوًا.
قَوْلُهُ: (فَصَافَفْنَاهُمْ) فِي رِوَايَةِ الْمُسْتَمْلِي، وَالسَّرَخْسِيِّ فَصَافَفْنَا لَهُمْ وَقَوْلِهِ فَصَلَّى لَنَا أَيْ لِأَجْلِنَا أَوْ بِنَا.
قَوْلُهُ: (ثُمَّ انْصَرَفُوا مَكَانَ الطَّائِفَةِ الَّتِي لَمْ تُصَلِّ) أَيْ فَقَامُوا فِي مَكَانِهِمْ، وَصَرَّحَ بِهِ فِي رِوَايَةِ بَقِيَّةَ الْمَذْكُورَةِ، وَلِمَالِكٍ فِي الْمُوَطَّأِ عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ ثُمَّ اسْتَأْخَرُوا مَكَانَ الَّذِينَ لَمْ يُصَّلُوا وَلَا يُسَلِّمُونَ وَسَيَأْتِي عِنْدَ الْمُصَنِّفِ فِي التَّفْسِيرِ.
قَوْلُهُ: (رَكْعَةً وَسَجَدَ سَجْدَتَيْنِ) زَادَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ، عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ مِثْلَ نِصْفِ صَلَاةِ الصُّبْحِ وَفِي قَوْلِهِ مِثْلَ نِصْفِ صَلَاةِ الصُّبْحِ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ الصَّلَاةَ الْمَذْكُورَةَ كَانَتْ غَيْرَ الصُّبْحِ، فَعَلَى هَذَا فَهِيَ رُبَاعِيَّةٌ، وَسَيَأْتِي فِي الْمَغَازِي مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهَا كَانَتِ الْعَصْرَ، وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الرَّكْعَةَ الْمَقْضِيَّةَ لَا بُدَّ فِيهَا مِنَ الْقِرَاءَةِ لِكُلٍّ مِنَ الطَّائِفَتَيْنِ خِلَافًا لِمَنْ أَجَازَ لِلثَّانِيَةِ تَرْكَ الْقِرَاءَةِ.
قَوْلُهُ: (فَقَامَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ فَرَكَعَ لِنَفْسِهِ) لَمْ تَخْتَلِفِ الطُّرُقُ عَنِ ابْنِ عُمَرَ فِي هَذَا، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُمْ