للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

خِلَافِ مَنْ قَالَ يُجْزِئُ كَالثَّوْرِيِّ، وَرَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ مِنْ طَرِيقِ عَطَاءٍ، وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، وَأَبِي الْبُخْتُرِيِّ فِي آخَرِينَ قَالُوا: إِذَا الْتَقَى الزَّحْفَانِ وَحَضَرَتِ الصَّلَاةُ فَقُولُوا: سُبْحَانَ اللَّهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ وَلَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاللَّهُ أَكْبَرُ، فَتِلْكَ صَلَاتُهُمْ بِلَا إِعَادَةٍ وَعَنْ مُجَاهِدٍ، وَالْحَكَمِ: إِذَا كَانَ عِنْدَ الطِّرَادِ وَالْمُسَابَقَةِ (١) يُجْزِئُ أَنْ تَكُونَ صَلَاةُ الرَّجُلِ تَكْبِيرًا، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ إِلَّا تَكْبِيرَةٌ وَاحِدَةٌ أَجْزَأَتْهُ أَيْنَ كَانَ وَجْهُهُ. وَقَالَ إِسْحَاقُ بْنُ رَاهَوَيْهِ: يُجْزِئُ عِنْدَ الْمُسَابَقَةِ رَكْعَةٌ وَاحِدَةٌ يُومِئُ بِهَا إِيمَاءً، فَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ فَسَجْدَةٌ فَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ فَتَكْبِيرَةٌ.

قَوْلُهُ: (وَبِهِ قَالَ مَكْحُولٌ) قَالَ الْكِرْمَانِيُّ: يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ بَقِيَّةً مِنْ كَلَامِ الْأَوْزَاعِيِّ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مِنْ تَعْلِيقِ الْبُخَارِيِّ. انْتَهَى. وَقَدْ وَصَلَهُ عَبْدُ بْنُ حَمِيدٍ فِي تَفْسِيرِهِ عَنْهُ مِنْ غَيْرِ طَرِيقِ (٢) الْأَوْزَاعِيِّ بِلَفْظِ إِذَا لَمْ يَقْدِرِ الْقَوْمُ عَلَى أَنْ يُصَلُّوا عَلَى الْأَرْضِ صَلَّوْا عَلَى ظَهْرِ الدَّوَابِّ رَكْعَتَيْنِ، فَإِنْ لَمْ يَقْدِرُوا فَرَكْعَةً وَسَجْدَتَيْنِ، فَإِنْ لَمْ يَقْدِرُوا أَخَّرُوا الصَّلَاةَ حَتَّى يَأْمَنُوا فَيُصَلُّوا بِالْأَرْضِ.

(تَنْبِيهٌ): ذَكَرَ ابْنُ رَشِيدٌ أَنَّ سِيَاقَ الْبُخَارِيِّ لِكَلَامِ الْأَوْزَاعِيِّ مُشَوَّشٌ، وَذَلِكَ أَنَّهُ جَعَلَ الْإِيمَاءَ مَشْرُوطًا بِتَعَذُّرِ الْقُدْرَةِ، وَالتَّأْخِيرَ مَشْرُوطًا بِتَعَذُّرِ الْإِيمَاءِ، وَجَعَلَ غَايَةَ التَّأْخِيرِ انْكِشَافَ الْقِتَالِ، ثُمَّ قَالَ: أَوْ يَأْمَنُوا فَيُصَلُّوا رَكْعَتَيْنِ فَجَعَلَ الْأَمْنَ قَسِيمَ الِانْكِشَافِ يَحْصُلُ الْأَمْنُ فَكَيْفَ يَكُونُ قَسِيمَهُ؟ وَأَجَابَ الْكِرْمَانِيُّ عَنْ هَذَا بِأَنَّ الِانْكِشَافَ قَدْ يَحْصُلُ وَلَا يَحْصُلُ الْأَمْنُ لِخَوْفِ الْمُعَاوَدَةِ، كَمَا أَنَّ الْأَمْنَ يَحْصُلُ بِزِيَادَةِ الْقُوَّةِ وَاتِّصَالِ الْمَدَدِ بِغَيْرِ انْكِشَافٍ، فَعَلَى هَذَا فَالْأَمْنُ قَسِيمُ الِانْكِشَافِ أَيُّهُمَا حَصَلَ اقْتَضَى صَلَاةَ رَكْعَتَيْنِ. وَأَمَّا قَوْلُهُ: فَإِنْ لَمْ يَقْدِرُوا فَمَعْنَاهُ عَلَى صَلَاةِ رَكْعَتَيْنِ بِالْفِعْلِ أَوْ بِالْإِيمَاءِ فَوَاحِدَةً وَهَذَا يُؤْخَذُ مِنْ كَلَامِهِ الْأَوَّلِ قَالَ فَإِنْ لَمْ يَقْدِرُوا عَلَيْهَا أَخَّرُوا أَيْ حَتَّى يَحْصُلَ الْأَمْنُ التَّامُّ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

قَوْلُهُ: (وَقَالَ أَنَسٌ) وَصَلَهُ ابْنُ سَعْدٍ، وَابْنُ أَبِي شَيْبَةَ مِنْ طَرِيقِ قَتَادَةَ عَنْهُ، وَذَكَرَهُ خَلِيفَةُ فِي تَارِيخِهِ وَعُمَرُ بْنُ شَبَّةَ فِي أَخْبَارِ الْبَصْرَةِ مِنْ وَجْهَيْنِ آخَرَيْنِ عَنْ قَتَادَةَ، وَلَفْظُ عُمَرَ سَأَلَ قَتَادَةَ عَنِ الصَّلَاةِ إِذَا حَضَرَ الْقِتَالَ فَقَالَ: حَدَّثَنِي أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ أَنَّهُمْ فَتَحُوا تُسْتَرَ وَهُوَ يَوْمَئِذٍ عَلَى مُقَدِّمَةِ النَّاسِ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ قَيْسٍ - يَعْنِي أَبَا مُوسَى الْأَشْعَرِيَّ - أَمِيرُهُمْ.

قَوْلُهُ: (تُسْتَرُ) بِضَمِّ الْمُثَنَّاةِ الْفَوْقَانِيَّةِ وَسُكُونِ الْمُهْمَلَةِ وَفَتْحِ الْمُثَنَّاةِ أَيْضًا بَلَدٌ مَعْرُوفٌ مِنْ بِلَادِ الْأَهْوَازِ، وَذَكَرَ خَلِيفَةُ أَنَّ فَتْحَهَا كَانَ فِي سَنَةِ عِشْرِينَ فِي خِلَافَةِ عُمَرَ، وَسَيَأْتِي الْإِشَارَةُ إِلَى كَيْفِيَّتِهِ فِي أَوَاخِرِ الْجِهَادِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.

قَوْلُهُ: (اشْتِعَالُ الْقِتَالِ) بِالْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ.

قَوْلُهُ: (فَلَمْ يَقْدِرُوا عَلَى الصَّلَاةِ) يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ لِلْعَجْزِ عَنِ النُّزُولِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ لِلْعَجْزِ عَنِ الْإِيمَاءِ أَيْضًا، فَيُوَافِقُ مَا تَقَدَّمَ عَنِ الْأَوْزَاعِيِّ، وَجَزَمَ الْأَصِيلِيُّ بِأَنَّ سَبَبَهُ أَنَّهُمْ لَمْ يَجِدُوا إِلَى الْوُضُوءِ سَبِيلًا مِنْ شِدَّةِ الْقِتَالِ.

قَوْلُهُ: (إِلَّا بَعْدَ ارْتِفَاعِ النَّهَارِ) فِي رِوَايَةِ عُمَرَ بْنِ شَبَّةَ حَتَّى انْتَصَفَ النَّهَارُ.

قَوْلُهُ: (مَا يَسُرُّنِي بِتِلْكَ الصَّلَاةِ) أَيْ بَدَلَ تِلْكَ الصَّلَاةِ، وَفِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ مِنْ تِلْكَ الصَّلَاةِ.

قَوْلُهُ: (الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا) فِي رِوَايَةِ خَلِيفَةَ: الدُّنْيَا كُلُّهَا، وَالَّذِي يَتَبَادَرُ إِلَى الذِّهْنِ مِنْ هَذَا أَنَّ مُرَادَهُ الِاغْتِبَاطُ بِمَا وَقَعَ، فَالْمُرَادُ بِالصَّلَاةِ عَلَى هَذَا هِيَ الْمَقْضِيَّةُ الَّتِي وَقَعَتْ، وَوَجْهُ اغْتِبَاطِهِ كَوْنُهُمْ لَمْ يَشْتَغِلُوا عَنِ الْعِبَادَةِ إِلَّا بِعِبَادَةٍ أَهَمَّ مِنْهَا عِنْدَهُمْ (٣)، ثُمَّ تَدَارَكُوا مَا فَاتَهُمْ مِنْهَا فَقَضَوْهُ، وَهُوَ كَقَوْلِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ لَوْ طَلَعْتَ لَمْ تَجِدْنَا غَافِلِينَ وَقِيلَ: مُرَادُ أَنَسٍ الْأَسَفُ عَلَى التَّفْوِيتِ الَّذِي وَقَعَ لَهُمْ، وَالْمُرَادُ بِالصَّلَاةِ عَلَى هَذِهِ الْفَائِتَةِ وَمَعْنَاهُ: لَوْ كَانَتْ فِي


(١) كذا في الأصول " ولعلها " المسايفة "
(٢) في المخطوطة " من طريق"
(٣) قوله " أهم منها " يعني في ذلك الوقت، لأن الفتح قد يفوت بالصلاة، والصلاة لاتفوت لإمكان قضائها بعد الفتح، وإلا فمعلوم من الأدلة الشرعية أن الشرعية أن الصلاة أهم وأعظم من الجهاد. فتنبه. والله أعلم