أَحَدِ مُلُوكِ كِنْدَةَ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي الرِّدَّةِ، وَقَدْ ذُكِرَ أَبُوهُ فِي الصَّحَابَةِ لِابْنِ مَنْدَهْ وَفِي صِحَّةِ ذَلِكَ نَظَرٌ.
قَوْلُهُ: (فَإِنْ كَانَ يُرِيدُ أَنْ يُقْطِعَ بَعْثًا) أَيْ يُخْرِجَ طَائِفَةً مِنَ الْجَيْشِ إِلَى جِهَةٍ مِنَ الْجِهَاتِ.
قَوْلُهُ: (خَرَجْتُ مَعَ مَرْوَانَ) زَادَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ، عَنْ دَاوُدَ بْنِ قَيْسٍ وَهُوَ بَيْنِي وَبَيْنَ أَبِي مَسْعُودٍ يَعْنِي عُقْبَةَ بْنَ عَمْرٍو الْأَنْصَارِيَّ.
قَوْلُهُ: (فَجَبَذْتُهُ بِثَوْبِهِ) أَيْ لِيَبْدَأَ بِالصَّلَاةِ قَبْلَ الْخُطْبَةِ عَلَى الْعَادَةِ، وَقَوْلُهُ: فَقُلْتُ لَهُ: غَيَّرْتُمْ وَاللَّهِ صَرِيحٌ فِي أَنَّ أَبَا سَعِيدٍ هُوَ الَّذِي أَنْكَرَ، وَوَقَعَ عِنْدَ مُسْلِمٍ مِنْ طَرِيقِ طَارِقِ بْنِ شِهَابٍ قَالَ أَوَّلُ مَنْ بَدَأَ بِالْخُطْبَةِ يَوْمَ الْعِيدِ قَبْلَ الصَّلَاةِ مَرْوَانُ. فَقَامَ إِلَيْهِ رَجُلٌ فَقَالَ: الصَّلَاةُ قَبْلَ الْخُطْبَةِ، فَقَالَ: قَدْ تُرِكَ مَا هُنَالِكَ. فَقَالَ أَبُو سَعِيدٍ: أَمَّا هَذَا فَقَدْ قَضَى مَا عَلَيْهِ وَهَذَا ظَاهِرٌ فِي أَنَّهُ غَيْرُ أَبِي سَعِيدٍ، وَكَذَا فِي رِوَايَةِ رَجَاءٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الَّتِي تَقَدَّمَتْ فِي أَوَّلِ الْبَابِ، فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ هُوَ أَبَا مَسْعُودٍ الَّذِي وَقَعَ فِي رِوَايَةِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ أَنَّهُ كَانَ مَعَهُمَا، وَيُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ الْقِصَّةُ تَعَدَّدَتْ، وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ الْمُغَايَرَةُ الْوَاقِعَةُ بَيْنَ رِوَايَتَيْ عِيَاضٍ، وَرَجَاءٍ، فَفِي رِوَايَةِ عِيَاضٍ أَنَّ الْمِنْبَرَ بُنِيَ بِالْمُصَلَّى، وَفِي رِوَايَةِ رَجَاءٍ أَنَّ مَرْوَانَ أَخْرَجَ الْمِنْبَرَ مَعَهُ، فَلَعَلَّ مَرْوَانَ لَمَّا أَنْكَرُوا عَلَيْهِ إِخْرَاجَ الْمِنْبَرِ تَرَكَ إِخْرَاجَهُ بَعْدُ وَأَمَرَ بِبِنَائِهِ مِنْ لَبِنٍ وَطِينٍ بِالْمُصَلَّى، وَلَا بُعْدَ فِي أَنْ يُنْكَرَ عَلَيْهِ تَقْدِيمُ الْخُطْبَةِ عَلَى الصَّلَاةِ مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى، وَيَدُلُّ عَلَى التَّغَايُرِ أَيْضًا أَنَّ إِنْكَارَ أَبِي سَعِيدٍ وَقَعَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ، وَإِنْكَارَ الْآخَرِ وَقَعَ عَلَى رُءُوسِ النَّاسِ.
قَوْلُهُ: (إِنَّ النَّاسَ لَمْ يَكُونُوا يَجْلِسُونَ لَنَا بَعْدَ الصَّلَاةِ فَجَعَلْتُهَا) أَيِ: الْخُطْبَةَ (قَبْلَ الصَّلَاةِ) وَهَذَا يُشْعِرُ بِأَنَّ مَرْوَانَ فَعَلَ ذَلِكَ بِاجْتِهَادٍ مِنْهُ، وَسَيَأْتِي فِي الْبَابِ الَّذِي بَعْدَهُ أَنَّ عُثْمَانَ فَعَلَ ذَلِكَ أَيْضًا لَكِنْ لِعِلَّةٍ أُخْرَى، وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ مِنَ الْفَوَائِدِ بُنْيَانُ الْمِنْبَرِ، قَالَ الزَّيْنُ بْنُ الْمُنِيرِ: وَإِنَّمَا اخْتَارُوا أَنْ يَكُونَ بِاللَّبِنِ لَا مِنَ الْخَشَبِ لِكَوْنِهِ يُتْرَكُ فِي الصَّحْرَاءِ فِي غَيْرِ حِرْزٍ فَيُؤْمَنُ عَلَيْهِ النَّقْلُ، بِخِلَافِ خَشَبِ مِنْبَرِ الْجَامِعِ. وَفِيهِ: أَنَّ الْخُطْبَةَ عَلَى الْأَرْضِ عَنْ قِيَامٍ فِي الْمُصَلَّى أَوْلَى مِنَ الْقِيَامِ عَلَى الْمِنْبَرِ، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَسْجِدِ أَنَّ الْمُصَلَّى يَكُونُ بِمَكَانٍ فِيهِ فَضَاءٌ، فَيَتَمَكَّنُ مِنْ رُؤْيَتِهِ كُلُّ مَنْ حَضَرَ، بِخِلَافِ الْمَسْجِدِ فَإِنَّهُ يَكُونُ فِي مَكَانٍ مَحْصُورٍ فَقَدْ لَا يَرَاهُ بَعْضُهُمْ، وَفِيهِ الْخُرُوجُ إِلَى الْمُصَلَّى فِي الْعِيدِ، وَأَنَّ صَلَاتَهَا فِي الْمَسْجِدِ لَا تَكُونُ إِلَّا عَنْ ضَرُورَةٍ، وَفِيهِ إِنْكَارُ الْعُلَمَاءِ عَلَى الْأُمَرَاءِ إِذَا صَنَعُوا مَا يُخَالِفُ السُّنَّةَ، وَفِيهِ حَلِفُ الْعَالِمِ عَلَى صِدْقِ مَا يُخْبِرُ بِهِ، وَالْمُبَاحَثَةُ فِي الْأَحْكَامِ، وَجَوَازُ عَمَلِ الْعَالِمِ بِخِلَافِ الْأَوْلَى إِذَا لَمْ يُوَافِقْهُ الْحَاكِمُ عَلَى الْأَوْلَى؛ لِأَنَّ أَبَا سَعِيدٍ حَضَرَ الْخُطْبَةَ وَلَمْ يَنْصَرِفْ، فَيُسْتَدَلُّ بِهِ عَلَى أَنَّ الْمُبَدَاءةَ بِالصَّلَاةِ فِيهَا لَيْسَ بِشَرْطٍ فِي صِحَّتِهَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
قَالَ ابْنُ الْمُنِيرِ فِي الْحَاشِيَةِ: حَمَلَ أَبُو سَعِيدٍ فِعْلَ النَّبِيِّ ﷺ فِي ذَلِكَ عَلَى التَّعْيِينِ، وَحَمَلَهُ مَرْوَانُ عَلَى الْأَوْلَوِيَّةِ، وَاعْتَذَرَ عَنْ تَرْكِ الْأَوْلَى بِمَا ذَكَرَهُ مِنْ تَغَيُّرِ حَالِ النَّاسِ، فَرَأَى أَنَّ الْمُحَافَظَةَ عَلَى أَصْلِ السُّنَّةِ - وَهُوَ إِسْمَاعُ الْخُطْبَةِ - أَوْلَى مِنَ الْمُحَافَظَةِ عَلَى هَيْئَةٍ فِيهَا لَيْسَتْ مِنْ شَرْطِهَا، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَاسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى اسْتِحْبَابِ الْخُرُوجِ إِلَى الصَّحْرَاءِ لِصَلَاةِ الْعِيدِ، وَأَنَّ ذَلِكَ أَفْضَلُ مِنْ صَلَاتِهَا فِي الْمَسْجِدِ، لِمُوَاظَبَةِ النَّبِيِّ ﷺ عَلَى ذَلِكَ مَعَ فَضْلِ مَسْجِدِهِ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ: بَلَغَنَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ كَانَ يَخْرُجُ فِي الْعِيدَيْنِ إِلَى الْمُصَلَّى بِالْمَدِينَةِ، وَكَذَا مَنْ بَعْدَهُ إِلَّا مِنْ عُذْرِ مَطَرٍ وَنَحْوِهِ، وَكَذَلِكَ عَامَّةُ أَهْلِ الْبُلْدَانِ إِلَّا أَهْلَ مَكَّةَ. ثُمَّ أَشَارَ إِلَى أَنَّ سَبَبَ ذَلِكَ سَعَةُ الْمَسْجِدِ وَضِيقُ أَطْرَافِ مَكَّةَ قَالَ: فَلَوْ عُمِّرَ بَلَدٌ، فَكَانَ مَسْجِدُ أَهْلِهِ يَسَعُهُمْ فِي الْأَعْيَادِ لَمْ أَرَ أَنْ يَخْرُجُوا مِنْهُ، فَإِنْ كَانَ لَا يَسَعُهُمْ كُرِهَتِ الصَّلَاةُ فِيهِ وَلَا إِعَادَةَ. وَمُقْتَضَى هَذَا أَنَّ الْعِلَّةَ تَدُورُ عَلَى الضِّيقِ وَالسَّعَةِ، لَا لِذَاتِ الْخُرُوجِ إِلَى الصَّحْرَاءِ، لِأَنَّ الْمَطْلُوبَ حُصُولُ عُمُومِ الِاجْتِمَاعِ، فَإِذَا حَصَلَ فِي الْمَسْجِدِ مَعَ أَفْضَلِيَّتِهِ كَانَ أَوْلَى.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute