للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

قَالَ: أَوَّلُ مَنْ خَطَبَ قَبْلَ الصَّلَاةِ عُثْمَانُ، صَلَّى بِالنَّاسِ ثُمَّ خَطَبَهُمْ - يَعْنِي عَلَى الْعَادَةِ - فَرَأَى نَاسًا لَمْ يُدْرِكُوا الصَّلَاةَ، فَفَعَلَ ذَلِكَ أَيْ صَارَ يَخْطُبُ قَبْلَ الصَّلَاةِ. وَهَذِهِ الْعِلَّةُ غَيْرُ الَّتِي اعْتَلَّ بِهَا مَرْوَانُ. لِأَنَّ عُثْمَانَ رَأَى مَصْلَحَةَ الْجَمَاعَةِ فِي إِدْرَاكِهِمُ الصَّلَاةَ، وَأَمَّا مَرْوَانُ فَرَاعَى مَصْلَحَتَهُمْ فِي إِسْمَاعِهِمُ الْخُطْبَةَ، لَكِنْ قِيلَ: إِنَّهُمْ كَانُوا فِي زَمَنِ مَرْوَانَ يَتَعَمَّدُونَ تَرْكَ سَمَاعِ خُطْبَتِهِ لِمَا فِيهَا مِنْ سَبِّ مَنْ لَا يَسْتَحِقُّ السَّبَّ، وَالْإِفْرَاطِ فِي مَدْحِ بَعْضِ النَّاسِ، فَعَلَى هَذَا إِنَّمَا رَاعَى مَصْلَحَةَ نَفْسِهِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ عُثْمَانُ فَعَلَ ذَلِكَ أَحْيَانًا، بِخِلَافِ مَرْوَانَ فَوَاظَبَ عَلَيْهِ، فَلِذَلِكَ نُسِبَ إِلَيْهِ.

وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عُمَرَ مِثْلُ فِعْلِ عُثْمَانَ، قَالَ عِيَاضٌ وَمَنْ تَبِعَهُ: لَا يَصِحُّ عَنْهُ، وَفِيمَا قَالُوهُ نَظَرٌ، لِأَنَّ عَبْدَ الرَّزَّاقِ، وَابْنَ أَبِي شَيْبَةَ رَوَيَاهُ جَمِيعًا عَنِ ابْنِ عُيَيْنَةَ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيِّ، عَنْ يُوسُفَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَامٍ، وَهَذَا إِسْنَادٌ صَحِيحٌ، لَكِنْ يُعَارِضُهُ حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ الْمَذْكُورُ فِي الْبَابِ الَّذِي بَعْدَهُ، وَكَذَا حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ، فَإِنْ جُمِعَ بِوُقُوعِ ذَلِكَ مِنْهُ نَادِرًا وَإِلَّا فَمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ أَصَحُّ، وَقَدْ أَخْرَجَ الشَّافِعِيُّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ نَحْوَ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَزَادَ: حَتَّى قَدِمَ مُعَاوِيَةُ فَقَدَّمَ الْخُطْبَةَ، فَهَذَا يُشِيرُ إِلَى أَنَّ مَرْوَانَ إِنَّمَا فَعَلَ ذَلِكَ تَبَعًا لِمُعَاوِيَةَ؛ لِأَنَّهُ كَانَ أَمِيرَ الْمَدِينَةِ مِنْ جِهَتِهِ، وَرَوَى عَبْدُ الرَّزَّاقِ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: أَوَّلُ مَنْ أَحْدَثَ الْخُطْبَةَ قَبْلَ الصَّلَاةِ فِي الْعِيدِ مُعَاوِيَةُ، وَرَوَى ابْنُ الْمُنْذِرِ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ أَنَّ أَوَّلَ مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ زِيَادٌ بِالْبَصْرَةِ. قَالَ عِيَاضٌ: وَلَا مُخَالَفَةَ بَيْنَ هَذَيْنِ الْأَثَرَيْنِ وَأَثَرِ مَرْوَانَ، لِأَنَّ كُلًّا مِنْ مَرْوَانَ وَزِيَادٍ كَانَ عَامِلًا لِمُعَاوِيَةَ فَيُحْمَلُ عَلَى أَنَّهُ ابْتَدَأَ ذَلِكَ وَتَبِعَهُ عُمَّالُهُ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَأَمَّا الْحُكْمُ الثَّالِثُ فَلَيْسَ فِي أَحَادِيثِ الْبَابِ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ إِلَّا حَدِيثَ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي تَرْكِ الْأَذَانِ، وَكَذَا أَحَدُ طَرِيقَيْ جَابِرٍ. وَقَدْ وَجَّهَهُ بَعْضُهُمْ بِأَنَّهُ يُؤْخَذُ مِنْ كَوْنِ الصَّلَاةِ قَبْلَ الْخُطْبَةِ بِخِلَافِ الْجُمُعَةِ فَتُخَالِفُهَا أَيْضًا فِي الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ وَلَا يَخْفَى بُعْدُهُ.

وَالَّذِي يَظْهَرُ أَنَّهُ أَشَارَ إِلَى مَا وَرَدَ فِي بَعْضِ طُرُقِ الْأَحَادِيثِ الَّتِي ذَكَرَهَا، أَمَّا حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ فَفِي رِوَايَةِ النَّسَائِيِّ: خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ فِي يَوْمِ عِيدٍ فَصَلَّى بِغَيْرِ أَذَانٍ وَلَا إِقَامَةٍ. الْحَدِيثَ. وَأَمَّا حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَجَابِرٍ فَفِي رِوَايَةِ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ جَابِرٍ عِنْدَ مُسْلِمٍ: فَبَدَأَ بِالصَّلَاةِ قَبْلَ الْخُطْبَةِ بِغَيْرِ أَذَانٍ وَلَا إِقَامَةٍ، وَعِنْدَهُ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ جَابِرٍ قَالَ: لَا أَذَانَ لِلصَّلَاةِ يَوْمَ الْعِيدِ، وَلَا إِقَامَةَ وَلَا شَيْءَ. وَفِي رِوَايَةِ يَحْيَى الْقَطَّانِ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ عَطَاءٍ، أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ قَالَ لِابْنِ الزُّبَيْرِ: لَا تُؤَذِّنْ لَهَا وَلَا تُقِمْ أَخْرَجَهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنْهُ، وَلِأَبِي دَاوُدَ مِنْ طَرِيقِ طَاوُسٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى الْعِيدَ بِلَا أَذَانٍ وَلَا إِقَامَةٍ. إِسْنَادُهُ صَحِيحٌ، وَفِي الْحَدِيثِ عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ عِنْدَ مُسْلِمٍ، وَعَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ عِنْدَ الْبَزَّارِ، وَعَنِ الْبَرَاءِ عِنْدَ الطَّبَرَانِيِّ فِي الْأَوْسَطِ، وَقَالَ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأِ: سَمِعْتُ غَيْرَ وَاحِدٍ مِنْ عُلَمَائِنَا يَقُولُ: لَمْ يَكُنْ فِي الْفِطْرِ وَلَا فِي الْأَضْحَى نِدَاءٌ وَلَا إِقَامَةٌ مُنْذُ زَمَنِ رَسُولِ اللَّهِ إِلَى الْيَوْمِ. وَتِلْكَ السُّنَّةُ الَّتِي لَا اخْتِلَافَ فِيهَا عِنْدَنَا.

وَعُرِفَ بِهَذَا تَوْجِيهُ أَحَادِيثِ الْبَابِ وَمُطَابَقَتُهَا لِلتَّرْجَمَةِ، وَاسْتُدِلَّ بِقَوْلِ جَابِرٍ: وَلَا إِقَامَةَ وَلَا شَيْءَ عَلَى أَنَّهُ لَا يُقَالُ: أَمَامَ صَلَاتِهَا شَيْءٌ مِنَ الْكَلَامِ، لَكِنْ رَوَى الشَّافِعِيُّ عَنْ الثِّقَةِ عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ يَأْمُرُ الْمُؤَذِّنَ فِي الْعِيدَيْنِ أَنْ يَقُولَ: الصَّلَاةُ جَامِعَةٌ وَهَذَا مُرْسَلٌ يُعَضِّدُهُ الْقِيَاسُ (١) عَلَى صَلَاةِ الْكُسُوفِ لِثُبُوتِ ذَلِكَ فِيهَا كَمَا سَيَأْتِي، قَالَ الشَّافِعِيُّ: أُحِبُّ أَنْ يَقُولَ: الصَّلَاةُ، أَوِ الصَّلَاةُ جَامِعَةٌ، فَإِنْ قَالَ: هَلُمُّوا إِلَى الصَّلَاةِ لَمْ أَكْرَهْهُ، فَإِنْ قَالَ: حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ أَوْ غَيْرَهَا مِنْ أَلْفَاظِ الْأَذَانِ أَوْ غَيْرَهَا


(١) مراسيل الزهرى ضعيفة عند أهلالعلم، والقياس لايصح اعتباره مع وجود النص الثابت الدال على أنه لم يكن في عهد النبي لصلاة العيد أذان ولا إقامة ولا شيء، ومن هنا يعلم أن النداء للعيد بدعة بأي لفظ كان، والله أعلم