الْعِيدِ إِذَا فَاتَتْ مَعَ الْجَمَاعَةِ سَوَاءٌ كَانَ بِالِاضْطِرَارِ أَوْ بِالِاخْتِيَارِ، وَكَوْنِهَا تُقْضَى رَكْعَتَيْنِ كَأَصْلِهَا، وَخَالَفَ فِي الْأَوَّلِ جَمَاعَةٌ مِنْهُمُ الْمُزَنِيُّ فَقَالَ: لَا تُقْضَى، وَفِي الثَّانِي الثَّوْرِيُّ، وَأَحْمَدُ قَالَا: إِنْ صَلَّاهَا وَحْدَهُ صَلَّى أَرْبَعًا، وَلَهُمَا فِي ذَلِكَ سَلَفٌ: قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: مَنْ فَاتَهُ الْعِيدُ مَعَ الْإِمَامِ فَلْيُصَلِّ أَرْبَعًا. أَخْرَجَهُ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ، وَقَالَ إِسْحَاقُ: إِنْ صَلَّاهَا فِي الْجَمَاعَةِ فَرَكْعَتَيْنِ وَإِلَّا فَأَرْبَعًا. قَالَ الزَّيْنُ بْنُ الْمُنِيرِ: كَأَنَّهُمْ قَاسُوهَا عَلَى الْجُمُعَةِ، لَكِنَّ الْفَرْقَ ظَاهِرٌ لِأَنَّ مَنْ فَاتَتْهُ الْجُمُعَةُ يَعُودُ لِفَرْضِهِ مِنَ الظُّهْرِ، بِخِلَافِ الْعِيدِ. انْتَهَى.
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: يَتَخَيَّرُ بَيْنَ الْقَضَاءِ وَالتَّرْكِ، وَبَيْنَ الثِّنْتَيْنِ وَالْأَرْبَعِ. وَأَوْرَدَ الْبُخَارِيُّ فِي هَذَا حَدِيثَ عَائِشَةَ فِي قِصَّةِ الْجَارِيَتَيْنِ الْمُغَنِّيَتَيْنِ، وَأَشْكَلَتْ مُطَابَقَتُهُ لِلتَّرْجَمَةِ عَلَى جَمَاعَةٍ. وَأَجَابَ ابْنُ الْمُنِيرِ بِأَنَّ ذَلِكَ يُؤْخَذُ مِنْ قَوْلِهِ ﷺ: إِنَّهَا أَيَّامُ الْعِيدِ، فَأَضَافَ نِسْبَةَ الْعِيدِ إِلَى الْيَوْمِ، فَيَسْتَوِي فِي إِقَامَتِهَا الْفَذُّ وَالْجَمَاعَةُ وَالنِّسَاءُ وَالرِّجَالُ، قَالَ ابْنُ رُشْيدٍ: وَتَتِمَّتُهُ أَنْ يُقَالَ: إِنَّهَا أَيَّامُ عِيدٍ أَيْ لِأَهْلِ الْإِسْلَامِ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ فِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ: عِيدُنَا أَهْلَ الْإِسْلَامِ، وَلِهَذَا ذَكَرَهُ الْبُخَارِيُّ فِي صَدْرِ الْبَابِ، وَأَهْلُ الْإِسْلَامِ شَامِلٌ لِجَمِيعِهِمْ أَفْرَادًا وَجَمْعًا، وَهَذَا يُسْتَفَادُ مِنْهُ الْحُكْمُ الثَّانِي لَا مَشْرُوعِيَّةُ الْقَضَاءِ، قَالَ: وَالَّذِي يَظْهَرُ لِي أَنَّهُ أَخَذَ مَشْرُوعِيَّةَ الْقَضَاءِ مِنْ قَوْلِهِ: فَإِنَّهَا أَيَّامُ عِيدٍ، أَيْ: أَيَّامُ مِنًى، فَلَمَّا سَمَّاهَا أَيَّامَ عِيدٍ كَانَتْ مَحَلًّا لِأَدَاءِ هَذِهِ الصَّلَاةِ؛ لِأَنَّهَا شُرِعَتْ لِيَوْمِ الْعِيدِ فَيُسْتَفَادُ مِنْ ذَلِكَ أَنَّهَا تَقَعُ أَدَاءً، وَأَنَّ لِوَقْتِ الْأَدَاءِ آخِرًا وَهُوَ آخِرُ أَيَّامِ مِنًى. قَالَ: وَوَجَدْتُ بِخَطِّ أَبِي الْقَاسِمِ بْنِ الْوَرْدِ: لَمَّا سَوَّغَ ﷺ لِلنِّسَاءِ رَاحَةَ الْعِيدِ الْمُبَاحَةَ كَانَ آكَدَ أَنْ يَنْدُبَهُنَّ إِلَى صَلَاتِهِ فِي بُيُوتِهِنَّ قَوْلُهُ فِي التَّرْجَمَةِ: وَكَذَلِكَ النِّسَاءُ مَعَ قَوْلِهِ فِي الْحَدِيثِ: دَعْهُمَا فَإِنَّهَا أَيَّامُ عِيدٍ.
قَوْلُهُ: (وَمَنْ كَانَ فِي الْبُيُوتِ وَالْقُرَى) يُشِيرُ إِلَى مُخَالَفَةِ مَا رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ: لَا جُمُعَةَ وَلَا تَشْرِيقَ إِلَّا فِي مِصْرٍ جَامِعٍ وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي بَابِ فَضْلِ الْعَمَلِ فِي أَيَّامِ التَّشْرِيقِ عَنِ الزُّهْرِيِّ لَيْسَ عَلَى الْمُسَافِرِ صَلَاةُ عِيدٍ وَوَجْهُ مُخَالَفَتِهِ كَوْنُ عُمُومِ الْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ يُخَالِفُ ذَلِكَ.
قَوْلُهُ: (لِقَوْلِ النَّبِيِّ ﷺ هَذَا عِيدُنَا أَهْلَ الْإِسْلَامِ) هَذَا الْحَدِيثُ لَمْ أَرَهُ هَكَذَا، وَإِنَّمَا أَوَّلَهُ فِي حَدِيثِ عَائِشَةَ فِي قِصَّةِ الْمُغَنِّيَتَيْنِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي ثَالِثِ التَّرْجَمَةِ مِنْ كِتَابِ الْعِيدَيْنِ بِلَفْظِ: إِنَّ لِكُلِّ قَوْمٍ عِيدًا وَهَذَا عِيدُنَا، وَأَمَّا بَاقِيهِ فَلَعَلَّهُ مَأْخُوذٌ مِنْ حَدِيثِ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ مَرْفُوعًا: أَيَّامُ مِنًى عِيدُنَا أَهْلَ الْإِسْلَامِ، وَهُوَ فِي السُّنَنِ وَصَحَّحَهُ ابْنُ خُزَيْمَةَ، وَقَوْلُهُ: أَهْلَ الْإِسْلَامِ بِالنَّصْبِ عَلَى أَنَّهُ مُنَادَى مُضَافٌ حُذِفَ مِنْهُ حَرْفُ النِّدَاءِ، أَوْ بِإِضْمَارِ أَعْنِي أَوْ أَخُصُّ، وَجَوَّزَ فِيهِ أَبُو الْبَقَاءِ فِي إِعْرَابِ الْمُسْنَدِ الْجَرَّ عَلَى أَنَّهُ بَدَلٌ مِنَ الضَّمِيرِ فِي قَوْلِهِ: عِيدُنَا.
قَوْلُهُ: (وَأَمَرَ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ مَوْلَاهُ) فِي رِوَايَةِ الْمُسْتَمْلِي: مَوْلَاهُمْ.
قَوْلُهُ: (ابْنَ أَبِي غَنِيَّةَ) كَذَا لِأَبِي ذَرٍّ بِالْمُعْجَمَةِ وَالنُّونُ بَعْدَهَا تَحْتَانِيَّةٌ مُثَقَّلَةٌ، وَلِلْأَكْثَرِ بِضَمِّ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ الْمُثَنَّاةِ بَعْدَهَا مُوَحَّدَةٌ وَهُوَ الرَّاجِحُ.
قَوْلُهُ: (بِالزَّاوِيَةِ) بِالزَّايِ مَوْضِعٌ عَلَى فَرْسَخَيْنِ مِنَ الْبَصْرَةِ كَانَ بِهِ لِأَنَسٍ قَصْرٌ وَأَرْضٌ وَكَانَ يُقِيمُ هُنَاكَ كَثِيرًا وَكَانَتْ بِالزَّاوِيَةِ وَقْعَةٌ عَظِيمَةٌ بَيْنَ الْحَجَّاجِ، وَابْنِ الْأَشْعَثِ. وَهَذَا الْأَثَرُ وَصَلَهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنِ ابْنِ عُلَيَّةَ، عَنْ يُونُسَ هُوَ ابْنُ عُبَيْدٍ حَدَّثَنِي بَعْضُ آلِ أَنَسٍ أَنَّ أَنَسًا كَانَ رُبَّمَا جَمَعَ أَهْلَهُ وَحَشَمَهُ يَوْمَ الْعِيدِ، فَيُصَلِّي بِهِمْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي عُتْبَةَ مَوْلَاهُ رَكْعَتَيْنِ، وَالْمُرَادُ بِالْبَعْضِ الْمَذْكُورِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَنَسٍ، رَوَى الْبَيْهَقِيُّ مِنْ طَرِيقِهِ قَالَ: كَانَ أَنَسٌ إِذَا فَاتَهُ الْعِيدُ مَعَ الْإِمَامِ جَمَعَ أَهْلَهُ فَصَلَّى بِهِمْ مِثْلَ صَلَاةِ الْإِمَامِ فِي الْعِيدِ.
قَوْلُهُ: (وَقَالَ عِكْرِمَةُ) وَصَلَهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ مِنْ طَرِيقِ قَتَادَةَ عَنْهُ قَالَ فِي الْقَوْمِ يَكُونُونَ فِي السَّوَادِ وَفِي السَّفَرِ فِي يَوْمِ عِيدِ فِطْرٍ أَوْ أَضْحَى قَالَ: يَجْتَمِعُونَ وَيَؤُمُّهُمْ أَحَدُهُمْ.
قَوْلُهُ: (وَقَالَ عَطَاءٌ) فِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ: وَكَانَ عَطَاءٌ، وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ، فَقَدْ رَوَاهُ الْفِرْيَابِيُّ فِي مُصَنَّفِهِ، عَنِ الثَّوْرِيِّ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ عَطَاءٍ قَالَ: مَنْ فَاتَهُ الْعِيدُ فَلْيُصَلِّ رَكْعَتَيْنِ. وَأَخْرَجَهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ،