شَرِيكُ بْنُ أَبِي نَمِرٍ فِي رِوَايَتِهِ الْمَذْكُورَةِ بِثُلُثِ اللَّيْلِ الْأَخِيرِ، وَيُجْمَعُ بَيْنَهُمَا بِأَنَّ الِاسْتِيقَاظَ وَقَعَ مَرَّتَيْنِ: فَفِي الْأُولَى نَظَرَ إِلَى السَّمَاءِ، ثُمَّ تَلَا الْآيَاتِ ثُمَّ عَادَ لِمَضْجَعِهِ فَنَامَ، وَفِي الثَّانِيَةِ أَعَادَ ذَلِكَ ثُمَّ تَوَضَّأَ وَصَلَّى، وَقَدْ بَيَّنَ ذَلِكَ مُحَمَّدُ بْنُ الْوَلِيدِ فِي رِوَايَتِهِ الْمَذْكُورَةِ. وَفِي رِوَايَةِ الثَّوْرِيِّ، عَنْ سَلَمَةَ بْنِ كُهَيْلٍ، عَنْ كُرَيْبٍ فِي الصَّحِيحَيْنِ، فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ مِنَ اللَّيْلِ، فَأَتَى حَاجَتَهُ ثُمَّ غَسَلَ وَجْهَهُ وَيَدَيْهِ ثُمَّ نَامَ، ثُمَّ قَامَ فَأَتَى الْقِرْبَةَ، الْحَدِيثَ. وَفِي رِوَايَةِ سَعِيدِ بْنِ مَسْرُوقٍ، عَنْ سَلَمَةَ عِنْدَ مُسْلِمٍ: ثُمَّ قَامَ قَوْمَةً أُخْرَى. وَعِنْدَهُ مِنْ رِوَايَةِ شُعْبَةَ، عَنْ سَلَمَةَ: فَبَالَ بَدَلَ فَأَتَى حَاجَتَهُ.
قَوْلُهُ: (ثُمَّ قَامَ إِلَى شَنٍّ) زَادَ مُحَمَّدُ بْنُ الْوَلِيدِ: ثُمَّ اسْتَفْرَغَ مِنَ الشَّنِّ فِي إِنَاءٍ ثُمَّ تَوَضَّأَ.
قَوْلُهُ: (فَأَحْسَنَ الْوُضُوءِ) فِي رِوَايَةِ مُحَمَّدِ بْنِ الْوَلِيدِ، وَطَلْحَةَ بْنِ نَافِعٍ جَمِيعًا: فَأَسْبَغَ الْوُضُوءَ. وَفِي رِوَايَةِ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، عَنْ كُرَيْبٍ: فَتَوَضَّأَ وُضُوءًا خَفِيفًا، وَقَدْ تَقَدَّمَتْ فِي بَابِ تَخْفِيفِ الْوُضُوءِ. وَيُجْمَعُ بَيْنَ هَاتَيْنِ الرِّوَايَتَيْنِ بِرِوَايَةِ الثَّوْرِيِّ فَإِنَّ لَفْظَهُ: فَتَوَضَّأَ وُضُوءًا بَيْنَ وُضُوءَيْنِ لَمْ يُكْثِرْ وَقَدْ أَبْلَغَ. وَلِمُسْلِمٍ مِنْ طَرِيقِ عِيَاضٍ، عَنْ مَخْرَمَةَ: فَأَسْبَغَ الْوُضُوءَ وَلَمْ يَمَسَّ مِنَ الْمَاءِ إِلَّا قَلِيلًا. وَزَادَ فِيهَا: فَتَسَوَّكَ. وَكَذَا لِشَرِيكٍ، عَنْ كُرَيْبٍ: فَاسْتَنَّ كَمَا تَقَدَّمَتِ الْإِشَارَةُ إِلَيْهِ قُبَيْلَ كِتَابِ الْغُسْلِ.
قَوْلُهُ: (ثُمَّ قَامَ يُصَلِّي) فِي رِوَايَةِ مُحَمَّدِ بْنِ الْوَلِيدِ: ثُمَّ أَخَذَ بُرْدًا لَهُ حَضْرَمِيًّا فَتَوَشَّحَهُ ثُمَّ دَخَلَ الْبَيْتَ فَقَامَ يُصَلِّي.
قَوْلُهُ: (فَصَنَعْتُ مِثْلَهُ) يَقْتَضِي أَنَّهُ صَنَعَ جَمِيعَ مَا ذُكِرَ مِنَ الْقَوْلِ وَالنَّظَرِ وَالْوُضُوءِ وَالسِّوَاكِ وَالتَّوَشُّحِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُحْمَلَ عَلَى الْأَغْلَبِ، وَزَادَ سَلَمَةُ عَنْ كُرَيْبٍ فِي الدَّعَوَاتِ فِي أَوَّلِهِ: فَقُمْتُ فَتَمَطَّيْتُ كَرَاهِيَةً أَنْ يَرَى أَنِّي كُنْتُ أَرْقُبُهُ، وَكَأَنَّهُ خَشِيَ أَنْ يَتْرُكَ بَعْضِ عَمَلِهِ لِمَا جَرَى مِنْ عَادَتِهِ ﷺ أَنَّهُ كَانَ يَتْرُكُ بَعْضَ الْعَمَلِ خَشْيَةَ أَنْ يُفْرَضَ عَلَى أُمَّتِهِ.
قَوْلُهُ: (وَقُمْتُ إِلَى جَنْبِهِ) تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَيْهِ فِي أَبْوَابِ الْإِمَامَةِ مُسْتَوْفًى.
قَوْلُهُ: (وَأَخَذَ بِأُذُنِي) زَادَ مُحَمَّدُ بْنُ الْوَلِيدِ فِي رِوَايَتِهِ: فَعَرَفْتُ أَنَّهُ إِنَّمَا صَنَعَ ذَلِكَ لِيُؤْنِسَنِي بِيَدِهِ فِي ظُلْمَةِ اللَّيْلِ. وَفِي رِوَايَةِ الضَّحَّاكِ بن عُثْمَانَ: فَجَعَلْتُ إِذَا أَغْفَيْتُ أَخَذَ بِشَحْمَةِ أُذُنِي. وَفِي هَذَا رَدٌّ عَلَى مَنْ زَعَمَ أَنَّ أَخْذَ الْأُذُنِ إِنَّمَا كَانَ فِي حَالَةِ إِدَارَتِهِ لَهُ مِنَ الْيَسَارِ إِلَى الْيَمِينِ مُتَمَسِّكًا بِرِوَايَةِ سَلَمَةَ بْنِ كُهَيْلٍ الْآتِيَةِ فِي التَّفْسِيرِ حَيْثُ قَالَ: فَأَخَذَ بِأُذُنِي فَأَدَارَنِي عَنْ يَمِينِهِ، لَكِنْ لَا يَلْزَمُ مِنْ إِدَارَتِهِ عَلَى هَذِهِ الصِّفَةِ أَنْ لَا يَعُودَ إِلَى مَسْكِ أُذُنِهِ لِمَا ذَكَرَهُ مِنْ تَأْنِيسِهِ وَإِيقَاظِهِ؛ لِأَنَّ حَالَهُ كَانَتْ تَقْتَضِي ذَلِكَ لِصِغَرِ سِنِّهِ.
قَوْلُهُ: (فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ رَكْعَتَيْنِ) كَذَا فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ فَصَلَ بَيْنَ كُلِّ رَكْعَتَيْنِ، وَوَقَعَ التَّصْرِيحُ بِذَلِكَ فِي رِوَايَةِ طَلْحَةَ بْنِ نَافِعٍ حَيْثُ قَالَ فِيهَا: يُسَلِّمُ مِنْ كُلِّ رَكْعَتَيْنِ، وَلِمُسْلِمٍ مِنْ رِوَايَةِ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ التَّصْرِيحُ بِالْفَصْلِ أَيْضًا، وَأَنَّهُ اسْتَاكَ بَيْنَ كُلِّ رَكْعَتَيْنِ إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ. ثُمَّ إِنَّ رِوَايَةَ الْبَابِ فِيهَا التَّصْرِيحُ بِذِكْرِ الرَّكْعَتَيْنِ سِتَّ مَرَّاتٍ، ثُمَّ قَالَ: ثُمَّ أَوْتَرَ، وَمُقْتَضَاهُ أَنَّهُ صَلَّى ثَلَاثَ عَشْرَةَ رَكْعَةً، وَصَرَّحَ بِذَلِكَ فِي رِوَايَةِ سَلَمَةَ الْآتِيَةِ فِي الدَّعَوَاتِ حَيْثُ قَالَ: فَتَتَامَّتْ، وَلِمُسْلِمٍ: فَتَكَامَلَتْ صَلَاتُهُ ثَلَاثَ عَشْرَةَ رَكْعَةً، وَفِي رِوَايَةِ عَبْدِ رَبِّهِ بْنِ سَعِيدٍ الْمَاضِيَةِ فِي الْإِمَامَةِ عَنْ كُرَيْبٍ: فَصَلَّى ثَلَاثَ عَشْرَةَ رَكْعَةً، وَفِي رِوَايَةِ مُحَمَّدِ بْنِ الْوَلِيدِ الْمَذْكُورَةِ مِثْلُهُ. وَزَادَ: وَرَكْعَتَيْنِ بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ قَبْلَ صَلَاةِ الصُّبْحِ، وَهِيَ مُوَافِقَةٌ لِرِوَايَةِ الْبَابِ؛ لِأَنَّهُ قَالَ بَعْدَ قَوْلِهِ: ثُمَّ أَوْتَرَ: فَقَامَ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ فَاتَّفَقَ هَؤُلَاءِ عَلَى الثَّلَاثَ عَشْرَةَ، وَصَرَّحَ بَعْضُهُمْ بِأَنَّ رَكْعَتِيِ الْفَجْرِ مِنْ غَيْرِهَا، لَكِنْ رِوَايَةُ شَرِيكِ بْنِ أَبِي نَمِرٍ الْآتِيَةُ فِي التَّفْسِيرِ عَنْ كُرَيْبٍ تُخَالِفُ ذَلِكَ وَلَفْظُهُ: فَصَلَّى إِحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً، ثُمَّ أَذَّنَ بِلَالٌ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ خَرَجَ.
فَهَذَا مَا فِي رِوَايَةِ كُرَيْبٍ مِنَ الِاخْتِلَافِ، وَقَدْ عُرِفَ أَنَّ الْأَكْثَرَ خَالَفُوا شَرِيكًا فِيهَا، وَرِوَايَتُهُمْ مُقَدَّمَةٌ عَلَى رِوَايَتِهِ لِمَا مَعَهُمْ مِنَ الزِّيَادَةِ وَلِكَوْنِهِمْ أَحْفَظَ مِنْهُ، وَقَدْ حَمَلَ بَعْضُهُمْ هَذِهِ الزِّيَادَةَ عَلَى سُنَّةِ الْعِشَاءِ، وَلَا يَخْفَى بُعْدُهُ وَلَا سِيَّمَا فِي رِوَايَةِ مَخْرَمَةَ فِي حَدِيثِ الْبَابِ، إِلَّا إِنْ حُمِلَ عَلَى أَنَّهُ أَخَّرَ سُنَّةَ الْعِشَاءِ حَتَّى اسْتَيْقَظَ، لَكِنْ يُعَكِّرُ