(فَصَلَّى الصُّبْحَ) أَيْ بِالْجَمَاعَةِ، وَزَادَ سَلَمَةُ بْنُ كُهَيْلٍ، عَنْ كُرَيْبٍ هُنَا كَمَا سَيَأْتِي فِي الدَّعَوَاتِ، وَكَانَ مِنْ دُعَائِهِ: اللَّهُمَّ اجْعَلْ فِي قَلْبِي نُورًا. الْحَدِيثَ. وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَيْهِ فِي أَوَّلِ أَبْوَابِ صَلَاةِ اللَّيْلِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. وَفِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ مِنَ الْفَوَائِدِ غَيْرِ مَا تَقَدَّمَ جَوَازُ إِعْطَاءِ بَنِي هَاشِمٍ مِنَ الصَّدَقَةِ، وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى التَّطَوُّعِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ إِعْطَاؤُهُ الْعَبَّاسَ لِيَتَوَلَّى صَرْفَهُ فِي مَصَالِحِ غَيْرِهِ مِمَّنْ يَحِلُّ لَهُ أَخْذُ ذَلِكَ. وَفِيهِ جَوَازُ تَقَاضِي الْوَعْدِ وَإِنْ كَانَ مَنْ وَعَدَ بِهِ مَقْطُوعًا بِوَفَائِهِ. وَفِيهِ الْمُلَاطَفَةُ بِالصَّغِيرِ وَالْقَرِيبِ وَالضَّيْفِ، وَحُسْنُ الْمُعَاشَرَةِ لِلْأَهْلِ، وَالرَّدُّ عَلَى مَنْ يُؤْثِرُ دَوَامَ الِانْقِبَاضِ. وَفِيهِ مَبِيتُ الصَّغِيرِ عِنْدَ مَحْرَمِهِ وَإِنْ كَانَ زَوْجُهَا عِنْدَهَا، وَجَوَازُ الِاضْطِجَاعِ مَعَ الْمَرْأَةِ الْحَائِضِ، وَتَرْكُ الِاحْتِشَامِ فِي ذَلِكَ بِحَضْرَةِ الصَّغِيرِ وَإِنْ كَانَ مُمَيِّزًا بَلْ مُرَاهِقًا.
وَفِيهِ صِحَّةُ صَلَاةِ الصَّبِيِّ وَجَوَازُ فَتْلِ أُذُنِهِ لِتَأْنِيسِهِ وَإِيقَاظِهِ، وَقَدْ قِيلَ: إِنَّ الْمُتَعَلِّمَ إِذْ تُعُوهِدَ بِفَتْلِ أُذُنِهِ كَانَ أَذْكَى لِفَهْمِهِ، وَفِيهِ حَمْلُ أَفْعَالِهِ ﷺ عَلَى الِاقْتِدَاءِ بِهِ وَمَشْرُوعِيَّةُ التَّنَفُّلِ بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ، وَفَضْلُ صَلَاةِ اللَّيْلِ وَلَا سِيَّمَا فِي النِّصْفِ الثَّانِي، وَالْبَدَاءَةُ بِالسِّوَاكِ وَاسْتِحْبَابُهُ عِنْدَ كُلِّ وُضُوءٍ وَعِنْدَ كُلّ صَلَاةٍ، وَتِلَاوَةُ آخِرِ آلِ عِمْرَانَ عِنْدَ الْقِيَامِ إِلَى صَلَاةِ اللَّيْلِ، وَاسْتِحْبَابُ غَسْلِ الْوَجْهِ وَالْيَدَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ النَّوْمَ وَهُوَ مُحْدِثٌ، وَلَعَلَّهُ الْمُرَادُ بِالْوُضُوءِ لِلْجُنُبِ (١). وَفِيهِ جَوَازُ الِاغْتِرَافِ مِنَ الْمَاءِ الْقَلِيلِ؛ لِأَنَّ الْإِنَاءَ الْمَذْكُورَ كَانَ قَصْعَةً أَوْ صَحْفَةً، وَاسْتِحْبَابُ التَّقْلِيلِ مِنَ الْمَاءِ فِي التَّطْهِيرِ مَعَ حُصُولِ الْإِسْبَاغِ، وَجَوَازُ التَّصْغِيرِ وَالذِّكْرِ بِالصِّفَةِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي بَابِ السَّمَرِ فِي الْعِلْمِ حَيْثُ قَالَ: نَامَ الْغُلَيِّمُ، وَبَيَانُ فَضْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَقُوَّةِ فَهْمِهِ وَحِرْصِهِ عَلَى تَعَلُّمِ أَمْرِ الدِّينِ وَحُسْنِ تَأَتِّيهِ فِي ذَلِكَ. وَفِيهِ اتِّخَاذُ مُؤَذِّنٍ رَاتِبٍ لِلْمَسْجِدِ، وَإِعْلَامُ الْمُؤَذِّنِ الْإِمَامَ بِحُضُورِ وَقْتِ الصَّلَاةِ، وَاسْتِدْعَاؤُهُ لَهَا، وَالِاسْتِعَانَةُ بِالْيَدِ فِي الصَّلَاةِ وَتَكْرَارُ ذَلِكَ كَمَا سَيَأْتِي الْبَحْثُ فِيهِ فِي أَوَاخِرِ كِتَابِ الصَّلَاةِ. وَفِيهِ مَشْرُوعِيَّةُ الْجَمَاعَةِ فِي النَّافِلَةِ، وَالِائْتِمَامُ بِمَنْ لَمْ يَنْوِ الْإِمَامَةَ، وَبَيَانُ مَوْقِفِ الْإِمَامِ وَالْمَأْمُومِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ كُلُّ ذَلِكَ فِي أَبْوَابِ الْإِمَامَةِ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ.
وَاسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى أَنَّ الْأَحَادِيثَ الْوَارِدَةَ فِي كَرَاهِيَةِ الْقُرْآنِ عَلَى غَيْرِ وُضُوءٍ لَيْسَتْ عَلَى الْعُمُومِ فِي جَمِيعِ الْأَحْوَالِ، وَأُجِيبَ بِأَنَّ نَوْمَهُ كَانَ لَا يَنْقُضُ وُضُوءَهُ فَلَا يَتِمُّ الِاسْتِدْلَالُ بِهِ إِلَّا أَنْ يَثْبُتَ أَنَّهُ قَرَأَ الْآيَاتِ بَيْنَ قَضَاءِ الْحَاجَةِ وَالْوُضُوءِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ. انْتَهَى الْكَلَامُ عَلَى حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ.
وَأَمَّا طَرِيقُ ابْنِ عُمَرَ الثَّانِيَةُ فَالْقَاسِمُ الْمَذْكُورُ فِي إِسْنَادِهِ هُوَ ابْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ، وَقَوْلُهُ فِيهِ: فَإِذَا أَرَدْتَ أَنْ تَنْصَرِفَ فَارْكَعْ رَكْعَةً فِيهِ دَفْعٌ لِقَوْلِ مَنِ ادَّعَى أَنَّ الْوِتْرَ بِوَاحِدَةٍ مُخْتَصٌّ بِمَنْ خَشِيَ طُلُوعَ الْفَجْرِ؛ لِأَنَّهُ عَلَّقَهُ بِإِرَادَةِ الِانْصِرَافِ وَهُوَ أَعَمُّ مِنْ أَنْ يَكُونَ لِخَشْيَةِ طُلُوعِ الْفَجْرِ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ، وَقَوْلُهُ فِيهِ: قَالَ الْقَاسِمُ هُوَ بِالْإِسْنَادِ الْمَذْكُورِ، كَذَلِكَ أَخْرَجَهُ أَبُو نُعَيْمٍ فِي مُسْتَخْرَجِهِ، وَوَهِمَ مَنْ زَعَمَ أَنَّهُ مُعَلَّقٌ. وَقَوْلُهُ فِيهِ: مُنْذُ أَدْرَكْنَا أَيْ بَلَغْنَا الْحُلُمَ أَوْ عَقَلْنَا، وَقَوْلُهُ: يُوتِرُونَ بِثَلَاثٍ وَأَنَّ كُلًّا لَوَاسِعٌ يَقْتَضِي أَنَّ الْقَاسِمَ فَهِمَ مِنْ قَوْلِهِ: فَارْكَعْ رَكْعَةً أَيْ مُنْفَرِدَةً مُنْفَصِلَةً، وَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّهُ لَا فَرْقَ عِنْدَهُ بَيْنَ الْوَصْلِ وَالْفَصْلِ فِي الْوِتْرِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَأَمَّا حَدِيثُ عَائِشَةَ فَقَدْ أَعَادَهُ الْمُصَنِّفُ إِسْنَادًا وَمَتْنًا فِي كِتَابِ صَلَاةِ اللَّيْلِ، وَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَيْهِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، وَكَأَنَّهُ أَرَادَ بِإِيرَادِهِ هُنَا أَنْ لَا مُعَارَضَةَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ، إِذْ ظَاهِرُ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ فَصْلُ الْوِتْرِ وَهَذَا مُحْتَمِلُ الْأَمْرَيْنِ، وَقَدْ بَيَّنَ الْقَاسِمُ أَنَّ كُلًّا مِنَ الْأَمْرَيْنِ وَاسِعٌ فَشَمِلَ
(١) هذا الترجي ليس بجيد، لصحة الأحاديث وصراحتها في أن الوضوء الذي أمر به الجنب قبل أن ينام وهو وضوء الصلاة فتنبه، والله أعلم
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute