- لِقِلَّةِ الْقُوتِ - عَنِ السَّفَرِ، أَوْ لِكَوْنِهَا لَا تَجِدُ فِي طَرِيقِهَا مِنَ الْكَلَأِ مَا يُقِيمُ أَوَدَهَا، وَقِيلَ الْمُرَادُ نَفَادُ مَا عِنْدَ النَّاسِ مِنَ الطَّعَامِ أَوْ قِلَّتِهِ فَلَا يَجِدُونَ مَا يَحْمِلُونَهُ يَجْلِبُونَهُ إِلَى الْأَسْوَاقِ. وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ قَتَادَةَ الْآتِيَةِ عَنْ أَنَسٍ قَحَطَ الْمَطَرُ أَيْ قَلَّ، وَهُوَ بِفَتْحِ الْقَافِ وَالطَّاءِ (١) وَحُكِيَ بِضَمٍّ ثُمَّ كَسْرٍ، وَزَادَ فِي رِوَايَةِ ثَابِتٍ الْآتِيَةِ عَنْ أَنَسٍ وَاحْمَرَّتِ الشَّجَرُ وَاحْمِرَارُهَا كِنَايَةٌ عَنْ يُبْسِ وَرَقِهَا لِعَدَمِ شُرْبِهَا الْمَاءَ، أَوْ لِانْتِثَارِهِ فَتَصِيرُ الشَّجَرُ أَعْوَادًا بِغَيْرِ وَرَقٍ. وَوَقَعَ لِأَحْمَدَ فِي رِوَايَةِ قَتَادَةَ وَأَمْحَلَتِ الْأَرْضُ وَهَذِهِ الْأَلْفَاظُ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الرَّجُلُ قَالَ كُلَّهَا، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ بَعْضُ الرُّوَاةِ رَوَى شَيْئًا مِمَّا قَالَهُ بِالْمَعْنَى لِأَنَّهَا مُتَقَارِبَةٌ فَلَا تَكُونَ غَلَطًا كَمَا قَالَ صَاحِبُ الْمَطَالِعِ وَغَيْرُهُ.
قَوْلُهُ: (فَادْعُ اللَّهُ يُغِيثُنَا) أَيْ فَهُوَ يُغِيثُنَا، وَهَذِهِ رِوَايَةُ الْأَكْثَرِ، وَلِأَبِي ذَرٍّ أَنْ يُغِيثَنَا وَفِي رِوَايَةِ إِسْمَاعِيلَ بْنِ جَعْفَرٍ الْآتِيَةِ لِلْكُشْمِيهَنِيِّ يُغِثْنَا بِالْجَزْمِ، وَيَجُوزُ الضَّمُّ فِي يُغِيثُنَا عَلَى أَنَّهُ مِنَ الْإِغَاثَةِ وَبِالْفَتْحِ عَلَى أَنَّهُ مِنَ الْغَيْثِ، وَيُرَجِّحُ الْأَوَّلَ قَوْلُهُ فِي رِوَايَةِ إِسْمَاعِيلَ بْنِ جَعْفَرٍ فَقَالَ اللَّهُمَّ أَغِثْنَا وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ قَتَادَةَ فَادْعُ اللَّهَ أَنْ يَسْقِيَنَا وَلَهُ فِي الْأَدَبِ فَاسْتَسْقِ رَبَّكَ قَالَ قَاسِمُ بْنُ ثَابِتٍ: رَوَاهُ لَنَا مُوسَى بْنُ هَارُونَ اللَّهُمَّ أَغِثْنَا وَجَائِزٌ أَنْ يَكُونَ مِنَ الْغَوْثِ أَوْ مِنَ الْغَيْثِ، وَالْمَعْرُوفُ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ غِثْنَا لِأَنَّهُ مِنَ الْغَوْثِ، وَقَالَ ابْنُ الْقَطَّاعِ: غَاثَ اللَّهُ عِبَادَهُ غَيْثًا وَغِيَاثًا سَقَاهُمُ الْمَطَرَ، وَأَغَاثَهُمْ أَجَابَ دُعَاءَهُمْ، وَيُقَالُ: غَاثَ وَأَغَاثَ بِمَعْنًى، وَالرُّبَاعِيُّ أَعْلَى. وَقَالَ ابْنُ دُرَيْدٍ: الْأَصْلُ غَاثَهُ اللَّهُ يَغُوثُهُ غَوْثًا فَأُغِيثَ، وَاسْتُعْمِلَ أَغَاثَهُ، وَمَنْ فَتَحَ أَوَّلَهُ فَمِنَ الْغَيْثِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَى أَغِثْنَا أَعْطِنَا غَوْثًا وَغَيْثًا.
قَوْلُهُ: (فَرَفَعَ يَدَيْهِ) زَادَ النَّسَائِيُّ فِي رِوَايَةِ سَعِيدٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ وَرَفَعَ النَّاسُ أَيْدِيَهُمْ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ يَدْعُونَ وَزَادَ فِي رِوَايَةِ شَرِيكٍ حِذَاءَ وَجْهِهِ وَلِابْنِ خُزَيْمَةَ مِنْ رِوَايَةِ حُمَيْدٍ، عَنْ أَنَسٍ حَتَّى رَأَيْتُ بَيَاضَ إِبْطَيْهِ وَتَقَدَّمَ فِي الْجُمُعَةِ بِلَفْظِ فَمَدَّ يَدَيْهِ وَدَعَا زَادَ فِي رِوَايَةِ قَتَادَةَ فِي الْأَدَبِ فَنَظَرَ إِلَى السَّمَاءِ.
قَوْلُهُ: (فَقَالَ: اللَّهُمَّ اسْقِنَا) أَعَادَهُ ثَلَاثًا فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ، وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ ثَابِتٍ الْآتِيَةِ عَنْ أَنَسٍ اللَّهُمَّ اسْقِنَا مَرَّتَيْنِ، وَالْأَخْذُ بِالزِّيَادَةِ أَوْلَى، وَيُرَجِّحُهَا مَا تَقَدَّمَ فِي الْعِلْمِ أَنَّهُ ﷺ كَانَ إِذَا دَعَا دَعَا ثَلَاثًا.
قَوْلُهُ: (وَلَا وَاللَّهِ) كَذَا لِلْأَكْثَرِ بِالْوَاوِ، وَلِأَبِي ذَرٍّ بِالْفَاءِ، وَفِي رِوَايَةِ ثَابِتٍ الْمَذْكُورَةِ وَايْمُ اللَّهِ.
قَوْلُهُ: (مِنْ سَحَابٍ) أَيْ مُجْتَمِعٍ (وَلَا قَزَعَةٍ) بِفَتْحِ الْقَافِ وَالزَّايُ بَعْدَهَا مُهْمَلَةٌ أَيْ سَحَابٍ مُتَفَرِّقٍ، قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: الْقَزَعُ قِطَعٌ مِنَ السَّحَابِ رِقَاقٌ، زَادَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَأَكْثَرُ مَا يَجِيءُ فِي الْخَرِيفِ.
قَوْلُهُ: (وَلَا شَيْئًا) بِالنَّصْبِ عَطْفًا عَلَى مَوْضِعِ الْجَارِّ وَالْمَجْرُورِ أَيْ مَا نَرَى شَيْئًا، وَالْمُرَادُ نَفْيُ عَلَامَاتِ الْمَطَرِ مِنْ رِيحٍ وَغَيْرِهِ.
قَوْلُهُ: (وَمَا بَيْنَنَا وَبَيْنَ سَلْعٍ) بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ اللَّامِ جَبَلٌ مَعْرُوفٌ بِالْمَدِينَةِ، وَقَدْ حُكِيَ أَنَّهُ بِفَتْحِ اللَّامِ.
قَوْلُهُ: (مِنْ بَيْتٍ وَلَا دَارٍ) أَيْ يَحْجُبُنَا عَنْ رُؤْيَتِهِ، وَأَشَارَ بِذَلِكَ إِلَى أَنَّ السَّحَابَ كَانَ مَفْقُودًا لَا مُسْتَتِرًا بِبَيْتٍ وَلَا غَيْرِهِ. وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ ثَابِتٍ فِي عَلَامَاتِ النُّبُوَّةِ قَالَ: قَالَ أَنَسٌ: وَإِنَّ السَّمَاءَ لَفِي مِثْلِ الزُّجَاجَةِ أَيْ لِشِدَّةِ صَفَائِهَا، وَذَلِكَ مُشْعِرٌ بِعَدَمِ السَّحَابِ أَيْضًا.
قَوْلُهُ: (فَطَلَعَتْ) أَيْ ظَهَرَتْ (مِنْ وَرَائِهِ) أَيْ سَلْعٍ، وَكَأَنَّهَا نَشَأَتْ مِنْ جِهَةِ الْبَحْرِ لِأَنَّ وَضْعَ سَلْعٍ يَقْتَضِي ذَلِكَ.
قَوْلُهُ: (مِثْلُ التُّرْسِ) أَيْ مُسْتَدِيرَةٌ، وَلَمْ يُرِدْ أَنَّهَا مِثْلُهُ فِي الْقَدْرِ لِأَنَّ فِي رِوَايَةِ حَفْصِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ عِنْدَ أَبِي عَوَانَةَ فَنَشَأَتْ سَحَابَةٌ مِثْلُ رِجْلِ الطَّائِرِ وَأَنَا أَنْظُرُ إِلَيْهَا فَهَذَا يُشْعِرُ بِأَنَّهَا كَانَتْ صَغِيرَةً، وَفِي رِوَايَةِ ثَابِتٍ الْمَذْكُورَةِ فَهَاجَتْ رِيحٌ أَنْشَأَتْ سَحَابًا ثُمَّ اجْتَمَعَ وَفِي رِوَايَةِ قَتَادَةَ فِي الْأَدَبِ فَنَشَأَ السَّحَابُ بَعْضُهُ إِلَى بَعْضٍ وَفِي رِوَايَةِ إِسْحَاقَ الْآتِيَةِ حَتَّى ثَارَ السَّحَابُ أَمْثَالَ الْجِبَالِ أَيْ لِكَثْرَتِهِ، وَفِيهِ ثُمَّ لَمْ يَنْزِلْ عَنْ مِنْبَرِهِ
(١) كذا في الأصلين، ولعله بفتح القاف والحاء، كما يعلم من القاموس وغيره