حِصْنٍ أَخُو عُيَيْنَةَ قَدِمُوا عَلَى إِبِلٍ عِجَافٍ فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، ادْعُ لَنَا رَبَّكَ أَنْ يُغِيثَنَا فَذَكَرَ الْحَدِيثَ وَفِيهِ فَقَالَ: اللَّهُمَّ اسْقِ بَلَدَكَ وَبَهِيمَكَ، وَانْشُرْ بَرَكَتَكَ.
اللَّه مَّ اسْقِنَا غَيْثًا مُغِيثًا مَرِيئًا مُرِيعًا طَبَقًا وَاسِعًا عَاجِلًا غَيْرَ آجِلٍ نَافِعًا غَيْرَ ضَارٍّ، اللَّهُمَّ سُقْيَا رَحْمَةٍ لَا سُقْيَا عَذَابٍ، اللَّهُمَّ اسْقِنَا الْغَيْثَ وَانْصُرْنَا عَلَى الْأَعْدَاءِ وَفِيهِ قَالَ فَلَا وَاللَّهِ مَا نَرَى فِي السَّمَاءِ مِنْ قَزَعَةٍ وَلَا سَحَابٍ، وَمَا بَيْنَ الْمَسْجِدِ وَسَلْعٍ مِنْ بِنَاءٍ فَذَكَرَ نَحْوَ حَدِيثِ أَنَسٍ بِتَمَامِهِ وَفِيهِ قَالَ الرَّجُلُ - يَعْنِي الَّذِي سَأَلَهُ أَنْ يَسْتَسْقِيَ لَهُمْ - هَلَكَتِ الْأَمْوَالُ الْحَدِيثَ، كَذَا فِي الْأَصْلِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ السَّائِلَ هُوَ خَارِجَةُ الْمَذْكُورُ لِكَوْنِهِ كَانَ كَبِيرَ الْوَفْدِ وَلِذَلِكَ سُمِّيَ مِنْ بَيْنِهِمْ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَأَفَادَتْ هَذِهِ الرِّوَايَةُ صِفَةَ الدُّعَاءِ الْمَذْكُورِ، وَالْوَقْتَ الَّذِي وَقَعَ فِيهِ.
قَوْلُهُ: (هَلَكَتِ الْأَمْوَالُ وَانْقَطَعَتِ السُّبُلُ) أَيْ بِسَبَبٍ غَيْرِ السَّبَبِ الْأَوَّلِ، وَالْمُرَادُ أَنَّ كَثْرَةَ الْمَاءِ انْقَطَعَ الْمَرْعَى بِسَبَبِهَا فَهَلَكَتِ الْمَوَاشِي مِنْ عَدَمِ الرَّعْيِ، أَوْ لِعَدَمِ مَا يُكِنُّهَا مِنَ الْمَطَرِ، وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ قَوْلُهُ فِي رِوَايَةِ سَعِيدٍ، عَنْ شَرِيكٍ عِنْدَ النَّسَائِيِّ مِنْ كَثْرَةِ الْمَاءِ وَأَمَّا انْقِطَاعُ السُّبُلِ فَلِتَعَذُّرِ سُلُوكِ الطُّرُقِ مِنْ كَثْرَةِ الْمَاءِ. وَفِي رِوَايَةِ حُمَيْدٍ عِنْدَ ابْنِ خُزَيْمَةَ وَاحْتَبَسَ الرَّكْبَانِ وَفِي رِوَايَةِ مَالِكٍ، عَنْ شَرِيكٍ تَهَدَّمَتِ الْبُيُوتُ وَفِي رِوَايَةِ إِسْحَاقَ الْآتِيَةِ هُدِمَ الْبِنَاءُ وَغَرِقَ الْمَالُ.
قَوْلُهُ: (فَادْعُ اللَّهَ يُمْسِكُهَا) يَجُوزُ فِي يُمْسِكُهَا الضَّمُّ وَالسُّكُونُ، ولِلكُشْمِيهَنِيِّ هُنَا أَنْ يُمْسِكَهَا وَالضَّمِيرُ يَعُودُ عَلَى الْأَمْطَارِ أَوْ عَلَى السَّحَابِ أَوْ عَلَى السَّمَاءِ، وَالْعَرَبُ تُطْلِقُ عَلَى الْمَطَرِ سَمَاءً، وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ سَعِيدٍ، عَنْ شَرِيكٍ أَنْ يُمْسِكَ عَنَّا الْمَاءَ وَفِي رِوَايَةِ أَحْمَدَ مِنْ طَرِيقِ ثَابِتٍ أَنْ يَرْفَعَهَا عَنَّا وَفِي رِوَايَةِ قَتَادَةَ فِي الْأَدَبِ فَادْعُ رَبَّكَ أَنْ يَحْبِسَهَا عَنَّا. فَضَحِكَ وَفِي رِوَايَةِ ثَابِتٍ فَتَبَسَّمَ زَادَ فِي رِوَايَةِ حُمَيْدٍ لِسُرْعَةِ مَلَالِ ابْنِ آدَمَ.
قَوْلُهُ: (فَرَفَعَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يَدَيْهِ) تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَيْهِ قَرِيبًا.
قَوْلُهُ: (اللَّهُمَّ حَوَالَيْنَا) بِفَتْحِ اللَّامِ وَفِيهِ حَذْفٌ تَقْدِيرُهُ اجْعَلْ أَوْ أَمْطِرْ، وَالْمُرَادُ بِهِ صَرْفُ الْمَطَرِ عَنْ الْأَبْنِيَةِ وَالدُّورِ.
قَوْلُهُ: (وَلَا عَلَيْنَا) فِيهِ بَيَانٌ لِلْمُرَادِ بِقَوْلِهِ: حَوَالَيْنَا لِأَنَّهَا تَشْمَلُ الطُّرُقَ الَّتِي حَوْلَهُمْ فَأَرَادَ إِخْرَاجَهَا بِقَوْلِهِ وَلَا عَلَيْنَا. قَالَ الطِّيبِيُّ: فِي إِدْخَالِ الْوَاوِ هُنَا مَعْنًى لَطِيفٌ، وَذَلِكَ أَنَّهُ لَوْ أَسْقَطَهَا لَكَانَ مُسْتَسْقِيًا لِلْآكَامِ وَمَا مَعَهَا فَقَطْ، وَدُخُولُ الْوَاوِ يَقْتَضِي أَنَّ طَلَبَ الْمَطَرِ عَلَى الْمَذْكُورَاتِ لَيْسَ مَقْصُودًا لِعَيْنِهِ وَلَكِنْ لِيَكُونَ وِقَايَةً مِنْ أَذَى الْمَطَرِ، فَلَيْسَتِ الْوَاوُ مُخَلَّصَةً لِلْعَطْفِ وَلَكِنَّهَا لِلتَّعْلِيلِ، وَهُوَ كَقَوْلِهِمْ تَجُوعُ الْحُرَّةُ وَلَا تَأْكُلُ بِثَدْيَيْهَا، فَإِنَّ الْجُوعَ لَيْسَ مَقْصُودًا لِعَيْنِهِ وَلَكِنْ لِكَوْنِهِ مَانِعًا عَنِ الرَّضَاعِ بِأُجْرَةٍ إِذْ كَانُوا يَكْرَهُونَ ذَلِكَ أَنَفًا اهـ.
قَوْلُهُ: (اللَّهُمَّ عَلَى الْآكَامِ) فِيهِ بَيَانُ الْمُرَادِ بِقَوْلِهِ: حَوَالَيْنَا وَالْإِكَامُ بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ وَقَدْ تُفْتَحُ وَتُمَدُّ: جَمْعُ أَكَمَةٍ بِفَتَحَاتٍ، قَالَ ابْنُ الْبَرْقِيِّ: هُوَ التُّرَابُ الْمُجْتَمِعُ، وَقَالَ الدَّاوُدِيُّ: هِيَ أَكْبَرُ مِنَ الْكُدْيَةِ. وَقَالَ الْقَزَّازُ: هِيَ الَّتِي مِنْ حَجَرٍ وَاحِدٍ وَهُوَ قَوْلُ الْخَلِيلِ. وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ: هِيَ الْهَضْبَةُ الضَّخْمَةُ، وَقِيلَ الْجَبَلُ الصَّغِيرُ، وَقِيلَ مَا ارْتَفَعَ مِنَ الْأَرْضِ، وَقَالَ الثَّعَالِبِيُّ: الْأَكَمَةُ أَعْلَى مِنَ الرَّابِيَةِ وَقِيلَ دُونَهَا.
قَوْلُهُ: (وَالظِّرَابِ) بِكَسْرِ الْمُعْجَمَةِ وَآخِرُهُ مُوَحَّدَةٌ جَمْعُ ظَرِبٍ بِكَسْرِ الرَّاءِ وَقَدْ تُسَكَّنُ. وَقَالَ الْقَزَّازُ: هُوَ الْجَبَلُ الْمُنْبَسِطُ لَيْسَ بِالْعَالِي، وَقَالَ الْجَوْهَرِيُّ: الرَّابِيَةُ الصَّغِيرَةُ.
قَوْلُهُ: (وَالْأَوْدِيَةِ) فِي رِوَايَةِ مَالِكٍ بُطُونِ الْأَوْدِيَةِ وَالْمُرَادُ بِهَا مَا يَتَحَصَّلُ فِيهِ الْمَاءُ لِيُنْتَفَعَ بِهِ، قَالُوا: وَلَمْ تُسْمَعْ أَفْعِلَةٌ جَمْعُ فَاعِلٍ إِلَّا الْأَوْدِيَةُ جَمْعُ وَادٍ وَفِيهِ نَظَرٌ، وَزَادَ مَالِكٌ فِي رِوَايَتِهِ وَرُءُوسِ الْجِبَالِ.
قَوْلُهُ: (فَانْقَطَعَتْ) أَيِ السَّمَاءُ أَوِ السَّحَابَةُ الْمَاطِرَةُ، وَالْمَعْنَى أَنَّهَا أَمْسَكَتْ عَنِ الْمَطَرِ عَلَى الْمَدِينَةِ، وَفِي رِوَايَةِ مَالِكٍ فَانْجَابَتْ عَنِ الْمَدِينَةِ انْجِيَابَ الثَّوْبِ أَيْ خَرَجَتْ عَنْهَا كَمَا يَخْرُجُ الثَّوْبُ عَنْ لَابِسُهِ، وَفِي رِوَايَةِ سَعِيدٍ، عَنْ شَرِيكٍ فَمَا هُوَ إِلَّا أَنْ تَكَلَّمَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ بِذَلِكَ تَمَزَّقَ السَّحَابُ حَتَّى مَا نَرَى مِنْهُ شَيْئًا وَالْمُرَادُ بِقَوْلِهِ: مَا نَرَى مِنْهُ شَيْئًا أَيْ فِي