بِهِ سُجُودُ الصَّلَاةِ أَوْ فِي الصَّلَاةِ الْمَكْتُوبَةِ عَلَى الْوُجُوبِ وَفِي سُجُودِ التِّلَاوَةِ عَلَى النَّدْبِ، عَلَى قَاعِدَةِ الشَّافِعِيِّ وَمَنْ تَابَعَهُ فِي حَمْلِ الْمُشْتَرَكِ عَلَى مَعْنَيَيْهِ. وَمِنْ الْأَدِلَّةِ عَلَى أَنَّ سُجُودَ التِّلَاوَةِ لَيْسَ بِوَاجِبٍ مَا أَشَارَ إِلَيْهِ الطَّحَاوِيُّ مِنْ أَنَّ الْآيَاتِ الَّتِي فِي سُجُودِ التِّلَاوَةِ مِنْهَا مَا هُوَ بِصِيغَةِ الْخَبَرِ وَمِنْهَا مَا هُوَ بِصِيغَةِ الْأَمْرِ، وَقَدْ وَقَعَ الْخِلَافُ فِي الَّتِي بِصِيغَةِ الْأَمْرِ هَلْ فِيهَا سُجُودٌ أَوْ لَا، وَهِيَ ثَانِيَةُ الْحَجِّ وَخَاتِمَةُ النَّجْمِ وَاقْرَأْ، فَلَوْ كَانَ سُجُودُ التِّلَاوَةِ وَاجِبًا لَكَانَ مَا وَرَدَ بِصِيغَةِ الْأَمْرِ أَوْلَى أَنْ يُتَّفَقَ عَلَى السُّجُودِ فِيهِ مِمَّا وَرَدَ بِصِيغَةِ الْخَبَرِ.
قَوْلُهُ: (وَقِيلَ لِعِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ) وَصَلَهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ بِمَعْنَاهُ مِنْ طَرِيقٍ مُطَرِّفٍ قَالَ: سَأَلْتُ عِمْرَانَ بْنَ حُصَيْنٍ عَنِ الرَّجُلِ لَا يَدْرِي أَسَمِعَ السَّجْدَةَ أَوْ لَا؟ فَقَالَ: وَسَمِعَهَا أَوْ لَا فَمَاذَا؟. وَرَوَى عَبْدُ الرَّزَّاقِ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ مُطَرِّفٍ أَنَّ عِمْرَانَ مَرَّ بِقَاصٍّ فَقَرَأَ الْقَاصُّ السَّجْدَةَ فَمَضَى عِمْرَانُ وَلَمْ يَسْجُدْ مَعَهُ. إِسْنَادُهُمَا صَحِيحٌ.
قَوْلُهُ: (وَقَالَ سَلْمَانُ) هُوَ الْفَارِسِيُّ.
قَوْلُهُ: (مَا لِهَذَا غَدَوْنَا) هُوَ طَرَفٌ مِنْ أَثَرٍ وَصَلَهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ مِنْ طَرِيقِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيِّ قَالَ مَرَّ سَلْمَانُ عَلَى قَوْمٍ قُعُودٍ، فَقَرَءُوا السَّجْدَةَ فَسَجَدُوا، فَقِيلَ لَهُ، فَقَالَ: لَيْسَ لِهَذَا غَدَوْنَا وَإِسْنَادُهُ صَحِيحٌ.
قَوْلُهُ: (وَقَالَ عُثْمَانُ: إِنَّمَا السَّجْدَةُ عَلَى مَنِ اسْتَمَعَهَا) وَصَلَهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنِ ابْنِ الْمُسَيَّبِ أَنَّ عُثْمَانَ مَرَّ بِقَاصٍّ فَقَرَأَ سَجْدَةً لِيَسْجُدَ مَعَهُ عُثْمَانُ، فَقَالَ عُثْمَانُ: إِنَّمَا السُّجُودُ عَلَى مَنِ اسْتَمَعَ، ثُمَّ مَضَى وَلَمْ يَسْجُدْ وَرَوَاهُ ابْنُ وَهْبٍ، عَنْ يُونُسَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ بِلَفْظِ: إِنَّمَا السَّجْدَةُ عَلَى مَنْ سَمِعَهَا مُخْتَصَرًا، وَرَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ، وَسَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ مِنْ طَرِيقِ قَتَادَةَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ قَالَ: قَالَ عُثْمَانُ: إِنَّمَا السَّجْدَةُ عَلَى مَنْ جَلَسَ لَهَا وَاسْتَمَعَ وَالطَّرِيقَانِ صَحِيحَانِ.
قَوْلُهُ: (وَقَالَ الزُّهْرِيُّ إِلَخْ) وَصَلَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ، عَنْ يُونُسَ عَنْهُ بِتَمَامِهِ، وَقَوْلُهُ فِيهِ: لَا يَسْجُدُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ طَاهِرًا قِيلَ لَيْسَ بِدَالٍّ عَلَى عَدَمِ الْوُجُوبِ، لِأَنَّ الْمُدَّعِيَ يَقُولُ: عَلَّقَ فِعْلَ السُّجُودِ مِنَ الْقَارِئِ وَالسَّامِعِ عَلَى شَرْطٍ وَهُوَ وُجُودُ الطَّهَارَةِ، فَحَيْثُ وُجِدَ الشَّرْطُ لَزِمَ؛ لَكِنْ مَوْضِعُ التَّرْجَمَةِ مِنْ هَذَا الْأَثَرِ قَوْلُهُ فَإِنْ كُنْتَ رَاكِبًا فَلَا عَلَيْكَ حَيْثُ كَانَ وَجْهُكَ لِأَنَّ هَذَا دَلِيلُ النَّفْلِ، وَالْوَاجِبُ لَا يُؤَدَّى عَلَى الدَّابَّةِ فِي الْأَمْنِ.
قَوْلُهُ: (وَكَانَ السَّائِبُ بْنُ يَزِيدَ لَا يَسْجُدُ لِسُجُودِ الْقَاصِّ) بِالصَّادِ الْمُهْمَلَةِ الثَّقِيلَةِ: الَّذِي يَقُصُّ عَلَى النَّاسِ الْأَخْبَارَ وَالْمَوَاعِظَ، وَلَمْ أَقِفْ عَلَى هَذَا الْأَثَرِ مَوْصُولًا. وَمُنَاسَبَةُ هَذِهِ الْآثَارِ لِلتَّرْجَمَةِ ظَاهِرَةٌ؛ لِأَنَّ الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّ سُجُودَ التِّلَاوَةِ وَاجِبٌ لَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ قَارِئٍ وَمُسْتَمِعٍ، قَالَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ: السَّجْدَةُ فِي هَذِهِ الْمَوَاضِعِ - أَيْ مَوَاضِعَ سُجُودِ التِّلَاوَةِ - سِوَى ثَانِيَةِ الْحَجِّ وَاجِبَةٌ عَلَى التَّالِي وَالسَّامِعِ، سَوَاءٌ قَصَدَ سَمَاعَ الْقُرْآنِ أَوْ لَمْ يَقْصِدْ اهـ. وَفَرَّقَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ بَيْنَ السَّامِعِ وَالْمُسْتَمِعِ بِمَا دَلَّتْ عَلَيْهِ هَذِهِ الْآثَارُ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْبُوَيْطِيِّ: لَا أُؤَكِّدُهُ عَلَى السَّامِعِ كَمَا أُؤَكِّدُهُ عَلَى الْمُسْتَمِعِ. وَأَقْوَى الْأَدِلَّةِ عَلَى نَفْيِ الْوُجُوبِ حَدِيثُ عُمَرَ الْمَذْكُورُ فِي هَذَا الْبَابِ (١).
قَوْلُهُ: (أَخْبَرَنِي أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ) هُوَ أَخُو مُحَمَّدٍ، وَعُثْمَانُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ التَّيْمِيُّ وَثَّقَهُ أَبُو حَاتِمٍ، وَلَيْسَ لَهُ فِي الْبُخَارِيِّ غَيْرُ هَذَا الْحَدِيثِ، وَلِأَبِيهِ صُحْبَةٌ وَرِوَايَةٌ، وَهُوَ ابْنُ عُثْمَانَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ اِبْن أَخِي طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ أَحَدُ الْعَشَرَةِ، وَرَبِيعَةُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْهُدَيْرِ هُوَ عَمُّ أَبِي بَكْرِ بْنِ الْمُنْذِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْهُدَيْرِ الرَّاوِي عَنْهُ، وَالْهُدَيْرُ بِلَفْظِ التَّصْغِيرِ، ذَكَرَ ابْنُ سَعْدٍ أَنَّ رَبِيعَةَ وُلِدَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ وَلَيْسَ لَهُ أَيْضًا فِي الْبُخَارِيِّ غَيْرُ هَذَا الْحَدِيثِ الْوَاحِدِ.
قَوْلُهُ: (عَمَّا حَضَرَ رَبِيعَةُ مِنْ عُمَرَ) مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ أَخْبَرَنِي
(١) أقوى منه وأوضح في الدلالة على عدم وجوب سجود التلاوة حديث ابن عباس المتقدم في قراءة زيد بن ثابت على النبي ﷺ سورة النجم فلم يسجد فيها ولم يأمره النبي ﷺ بالسجود ولو كان واجبا لأمره به. والله أعلم