للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

فَأَقَامَ بِمَكَّةَ ثَمَانِيَ عَشْرَةَ لَيْلَةً لَا يُصَلِّي إِلَّا رَكْعَتَيْنِ وَلَهُ مِنْ طَرِيقِ اب نِ إِسْحَاقَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ بِمَكَّةَ عَامَ الْفَتْحِ خَمْسَةَ عَشَرَ يَقْصُرُ الصَّلَاةَ، وَجَمَعَ الْبَيْهَقِيُّ بَيْنَ هَذَا الِاخْتِلَافِ بِأَنَّ مَنْ قَالَ تِسْعَ عَشْرَةَ عَدَّ يَوْمَيِ الدُّخُولِ وَالْخُرُوجِ، وَمَنْ قَالَ سَبْعَ عَشْرَةَ حَذَفَهُمَا، وَمَنْ قَالَ ثَمَانِيَ عَشْرَةَ عَدَّ أَحَدَهُمَا.

وَأَمَّا رِوَايَةُ خَمْسَةَ عَشَرَ فَضَعَّفَهَا النَّوَوِيُّ فِي الْخُلَاصَةِ، وَلَيْسَ بِجَيِّدٍ لِأَنَّ رُوَاتَهَا ثِقَاتٌ، وَلَمْ يَنْفَرِدْ بِهَا ابْنُ إِسْحَاقَ فَقَدْ أَخْرَجَهَا النَّسَائِيُّ مِنْ رِوَايَةِ عِرَاكِ بْنِ مَالِكٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ كَذَلِكَ، وَإِذَا ثَبَتَ أَنَّهَا صَحِيحَةٌ فَلْيُحْمَلْ عَلَى أَنَّ الرَّاوِيَ ظَنَّ أَنَّ الْأَصْلَ رِوَايَةُ سَبْعَةَ عَشَرَ فَحَذَفَ مِنْهَا يَوْمَيِ الدُّخُولِ وَالْخُرُوجِ فَذَكَرَ أَنَّهَا خَمْسَةَ عَشَرَ، وَاقْتَضَى ذَلِكَ أَنَّ رِوَايَةَ تِسْعَةَ عَشَرَ أَرْجَحُ الرِّوَايَاتِ، وَبِهَذَا أَخَذَ إِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ، وَيُرَجِّحُهَا أَيْضًا أَنَّهَا أَكْثَرُ مَا وَرَدَتْ بِهِ الرِّوَايَاتُ الصَّحِيحَةُ، وَأَخَذَ الثَّوْرِيُّ وَأَهْلُ الْكُوفَةِ بِرِوَايَةِ خَمْسَةَ عَشَرَ لِكَوْنِهَا أَقَلَّ مَا وَرَدَ، فَيُحْمَلُ مَا زَادَ عَلَى أَنَّهُ وَقَعَ اتِّفَاقًا. وَأَخَذَ الشَّافِعِيُّ بِحَدِيثِ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ لَكِنْ مَحَلُّهُ عِنْدَهُ فِيمَنْ لَمْ يُزْمِعِ الْإِقَامَةَ، فَإِنَّهُ إِذَا مَضَتْ عَلَيْهِ الْمُدَّةُ الْمَذْكُورَةُ وَجَبَ عَلَيْهِ الْإِتْمَامُ، فَإِنْ أَزْمَعَ الْإِقَامَةَ فِي أَوَّلِ الْحَالِ عَلَى أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ أَتَمَّ، عَلَى خِلَافٍ بَيْنَ أَصْحَابِهِ فِي دُخُولِ يَوْمَيِ الدُّخُولِ وَالْخُرُوجِ فِيهَا أَوْ لَا، وَحُجَّتُهُ حَدِيثُ أَنَسٍ الَّذِي يَلِيهِ.

قَوْلُهُ: (فَنَحْنُ إِذَا سَافَرْنَا تِسْعَ عَشَرَ قَصَرْنَا، وَإِنْ زِدْنَا أَتْمَمْنَا) ظَاهِرُهُ أَنَّ السَّفَرَ إِذَا زَادَ عَلَى تِسْعَةَ عَشَرَ لَزِمَ الْإِتْمَامُ وَلَيْسَ ذَلِكَ الْمُرَادَ، وَقَدْ صَرَّحَ أَبُو يَعْلَى، عَنْ شَيْبَانَ، عَنْ أَبِي عَوَانَةَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ بِالْمُرَادِ وَلَفْظِهِ إِذَا سَافَرْنَا فَأَقَمْنَا فِي مَوْضِعٍ تِسْعَةَ عَشَرَ وَيُؤَيِّدُهُ صَدْرُ الْحَدِيثِ وَهُوَ قَوْلُهُ: أَقَامَ وَلِلتِّرْمِذِيِّ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ عَاصِمٍ: فَإِذَا أَقَمْنَا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ صَلَّيْنَا أَرْبَعًا. قَوْلُهُ فِي حَدِيثِ أَنَسٍ: خَرَجْنَا مِنَ الْمَدِينَةِ فِي رِوَايَةِ شُعْبَةَ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي إِسْحَاقَ عِنْدَ مُسْلِمٍ إِلَى الْحَجِّ.

قَوْلُهُ: (فَكَانَ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ) فِي رِوَايَةِ الْبَيْهَقِيِّ مِنْ طَرِيقِ عَلِيِّ بْنِ عَاصِمٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ أَنَسٍ إِلَّا فِي الْمَغْرِبِ.

قَوْلُهُ: (أَقَمْنَا بِهَا عَشْرًا) لَا يُعَارِضُ ذَلِكَ حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ الْمَذْكُورُ؛ لِأَنَّ حَدِيثَ ابْنِ عَبَّاسٍ كَانَ فِي فَتْحِ مَكَّةَ وَحَدِيثَ أَنَسٍ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ، وَسَيَأْتِي بَعْدَ بَابٍ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَدِمَ النَّبِيُّ وَأَصْحَابُهُ لِصُبْحٍ رَابِعَةٍ الْحَدِيثَ، وَلَا شَكَّ أَنَّهُ خَرَجَ مِنْ مَكَّةَ صُبْحَ الرَّابِعَ عَشَرَ فَتَكُونُ مُدَّةُ الْإِقَامَةِ بِمَكَّةَ وَضَوَاحِيهَا عَشَرَةَ أَيَّامٍ بِلَيَالِيهَا كَمَا قَالَ أَنَسٌ، وَتَكُونُ مُدَّةُ إِقَامَتِهِ بِمَكَّةَ أَرْبَعَةَ أَيَّامٍ سَوَاءً لِأَنَّهُ خَرَجَ مِنْهَا فِي الْيَوْمِ الثَّامِنِ فَصَلَّى الظُّهْرَ بِمِنًى، وَمِنْ ثَمَّ قَالَ الشَّافِعِيُّ: إِنَّ الْمُسَافِرَ إِذَا أَقَامَ بِبَلْدَةٍ قَصَرَ أَرْبَعَةَ أَيَّامٍ، وَقَالَ أَحْمَدُ: إِحْدَى وَعِشْرِينَ صَلَاةً.

وَأَمَّا قَوْلُ ابْنِ رَشِيدٍ: أَرَادَ الْبُخَارِيُّ أَنْ يُبَيِّنَ أَنَّ حَدِيثَ أَنَسٍ دَاخِلٌ فِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ؛ لِأَنَّ إِقَامَةَ عَشْرٍ دَاخِلٌ فِي إِقَامَةِ تِسْعَ عَشْرَةَ - فَأَشَارَ بِذَلِكَ إِلَى أَنَّ الْأَخْذَ بِالزَّائِدِ مُتَعَيِّنٌ - فَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ ذَلِكَ إِنَّمَا يَجِيءُ عَلَى اتِّحَادِ الْقِصَّتَيْنِ، وَالْحَقُّ أَنَّهُمَا مُخْتَلِفَانِ، فَالْمُدَّةُ الَّتِي فِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ يَسُوغُ الِاسْتِدْلَالُ بِهَا عَلَى مَنْ لَمْ يَنْوِ الْإِقَامَةَ، بَلْ كَانَ مُتَرَدِّدًا مَتَى يَتَهَيَّأُ لَهُ فَرَاغُ حَاجَتِهِ يَرْحَلُ، وَالْمُدَّةُ الَّتِي فِي حَدِيثِ ابْنِ أَنَسٍ يُسْتَدَلُّ بِهَا عَلَى مَنْ نَوَى الْإِقَامَةَ لِأَنَّهُ فِي أَيَّامِ الْحَجِّ كَانَ جَازِمًا بِالْإِقَامَةِ تِلْكَ الْمُدَّةَ، وَوَجْهُ الدَّلَالَةِ. حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ لَمَّا كَانَ الْأَصْلُ فِي الْمُقِيمِ الْإِتْمَامَ، فَلَمَّا لَمْ يَجِئْ عَنْهُ أَنَّهُ أَقَامَ فِي حَالِ السَّفَرِ أَكْثَرَ مِنْ تِلْكَ الْمُدَّةِ جَعَلَهَا غَايَةً لِلْقَصْرِ، وَقَدِ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي ذَلِكَ عَلَى أَقْوَالٍ كَثِيرَةٍ كَمَا سَيَأْتِي، وَفِيهِ أَنَّ الْإِقَامَةَ فِي أَثْنَاءِ السَّفَرِ تُسَمَّى إِقَامَةً، وَإِطْلَاقُ اسْمِ الْبَلَدِ عَلَى مَا جَاوَرَهَا وَقَرُبَ مِنْهَا لِأَنَّ مِنًى وَعَرَفَةَ لَيْسَا مِنْ مَكَّةَ، أَمَّا عَرَفَةُ فَلِأَنَّهَا خَارِجُ الْحَرَمِ فَلَيْسَتْ مِنْ مَكَّةَ قَطْعًا، وَأَمَّا مِنًى فَفِيهَا احْتِمَالٌ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ مَكَّةَ إِلَّا إِنْ قُلْنَا إِنَّ اسْمَ مَكَّةَ يَشْمَلُ جَمِيعَ الْحَرَمِ، قَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ: لَيْسَ لِحَدِيثِ أَنَسٍ وَجْهٌ إِلَّا أَنَّهُ حَسَبَ أَيَّامَ إِقَامَتِهِ فِي حَجَّتِهِ مُنْذُ دَخَلَ مَكَّةَ إِلَى أَنْ