للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

رَبِيعَةَ، أَنَّ عَامِرَ بْنَ رَبِيعَةَ أَخْبَرَهُ قَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ وَهُوَ عَلَى الرَّاحِلَةِ يُسَبِّحُ، يُومِئُ بِرَأْسِهِ قِبَلَ أَيِّ وَجْهٍ تَوَجَّهَ، وَلَمْ يَكُنْ رَسُولُ اللَّهِ يَصْنَعُ ذَلِكَ فِي الصَّلَاةِ الْمَكْتُوبَةِ.

١٠٩٨ - وَقَالَ اللَّيْثُ: حَدَّثَنِي يُونُسُ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ: قَالَ سَالِمٌ: كَانَ عَبْدُ اللَّهِ يُصَلِّي عَلَى دَابَّتِهِ مِنْ اللَّيْلِ وَهُوَ مُسَافِرٌ، مَا يُبَالِي حَيْثُ مَا كَانَ وَجْهُهُ. قَالَ ابْنُ عُمَرَ: وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ يُسَبِّحُ عَلَى الرَّاحِلَةِ قِبَلَ أَيِّ وَجْهٍ تَوَجَّهَ، وَيُوتِرُ عَلَيْهَا، غَيْرَ أَنَّهُ لَا يُصَلِّي عَلَيْهَا الْمَكْتُوبَةَ.

قَوْلُهُ: (بَابُ يَنْزِلُ لِلْمَكْتُوبَةِ) أَيْ لِأَجْلِهَا، قَالَ ابْنُ بَطَّالٍ: أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى اشْتِرَاطِ ذَلِكَ، وَأَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ أَنْ يُصَلِّيَ الْفَرِيضَةَ عَلَى الدَّابَّةِ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ، حَاشَا مَا ذُكِرَ فِي صَلَاةِ شِدَّةِ الْخَوْفِ وَذَكَرَ فِيهِ حَدِيثَ عَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ وَقَدْ تَقَدَّمَ قَرِيبًا.

قَوْلُهُ: (يُسَبِّحُ) أَيْ يُصَلِّي النَّافِلَةَ، وَقَدْ تَكَرَّرَ فِي الْحَدِيثِ كَثِيرًا، وَسَيَأْتِي قَرِيبًا حَدِيثُ عَائِشَةَ سُبْحَةَ الضُّحَى وَالتَّسْبِيحُ حَقِيقَةٌ فِي قَوْلِ سُبْحَانَ اللَّهِ، فَإِذَا أُطْلِقَ عَلَى الصَّلَاةِ فَهُوَ مِنْ بَابِ إِطْلَاقِ اسْمِ الْبَعْضِ عَلَى الْكُلِّ، أَوْ لِأَنَّ الْمُصَلِّيَ مُنَزِّهٌ لِلَّهِ بِإِخْلَاصِ الْعِبَادَةِ، وَالتَّسْبِيحُ التَّنْزِيهُ، فَيَكُونُ مِنْ بَابِ الْمُلَازَمَةِ، وَأَمَّا اخْتِصَاصُ ذَلِكَ بِالنَّافِلَةِ فَهُوَ عُرْفٌ شَرْعِيٌّ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

قَوْلُهُ: (وَقَالَ اللَّيْثُ) وَصَلَهُ الْإِسْمَاعِيلِيُّ بِالْإِسْنَادَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ قَبْلَ بَابَيْنِ.

١٠٩٩ - حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ فَضَالَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا هِشَامٌ، عَنْ يَحْيَى، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ ثَوْبانَ قَالَ: حَدَّثَنِي جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ: أَنَّ النَّبِيَّ كَانَ يُصَلِّي عَلَى رَاحِلَتِهِ نَحْوَ الْمَشْرِقِ، فَإِذَا أَرَادَ أَنْ يُصَلِّيَ الْمَكْتُوبَةَ نَزَلَ فَاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ.

قَوْلُهُ: (حَدَّثَنَا هِشَامٌ) هُوَ الدَّسْتُوَائِيُّ، وَيَحْيَى هُوَ ابْنُ أَبِي كَثِيرٍ. قَالَ الْمُهَلَّبُ: هَذِهِ الْأَحَادِيثُ تَخُصُّ قولَهُ تَعَالَى: ﴿وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ﴾ وَتَبَيَّنَ أَنَّ قَوْلَهُ تَعَالَى: ﴿فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ﴾ فِي النَّافِلَةِ، وَقَدْ أَخَذَ بِمَضْمُونِ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ فُقَهَاءُ الْأَمْصَارِ، إِلَّا أَنَّ أَحْمَدَ، وَأَبَا ثَوْرٍ كَانَا يَسْتَحِبَّانِ أَنْ يَسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةَ بِالتَّكْبِيرِ حَالَ ابْتِدَاءِ الصَّلَاةِ، وَالْحُجَّةُ لِذَلِكَ حَدِيثُ الْجَارُودِ بْنِ أَبِي سَبْرَةَ، عَنْ أَنَسٍ، أَنَّ النَّبِيَّ كَانَ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَتَطَوَّعَ فِي السَّفَرِ اسْتَقْبَلَ بِنَاقَتِهِ الْقِبْلَةَ، ثُمَّ صَلَّى حَيْثُ وَجَّهَتْ رِكَابُهُ. أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ، وَأَحْمَدُ، وَالدَّرَاقُطْنِيُّ، وَاخْتَلَفُوا فِي الصَّلَاةِ عَلَى الدَّوَابِّ فِي السَّفَرِ الَّذِي لَا تُقْصَرُ فِيهِ الصَّلَاةُ، فَذَهَبَ الْجُمْهُورُ إِلَى جَوَازِ ذَلِكَ فِي كُلِّ سَفَرٍ، غَيْرَ مَالِكٍ فَخَصَّهُ بِالسَّفَرِ الَّذِي تُقْصَرُ فِيهِ الصَّلَاةُ، قَالَ الطَّبَرِيُّ: لَا أَعْلَمُ أَحَدًا وَافَقَهُ عَلَى ذَلِكَ.

قُلْتُ: وَلَمْ يَتَّفِقْ عَلَى ذَلِكَ عَنْهُ، وَحُجَّتُهُ أَنَّ هَذِهِ الْأَحَادِيثَ إِنَّمَا وَرَدَتْ فِي أَسْفَارِهِ ، وَلَمْ يُنْقَلْ عَنْهُ أَنَّهُ سَافَرَ سَفَرًا قَصِيرًا فَصَنَعَ ذَلِكَ، وَحُجَّةُ الْجُمْهُورِ مُطْلَقُ الْأَخْبَارِ فِي ذَلِكَ، وَاحْتَجَّ الطَّبَرِيُّ لِلْجُمْهُورِ مِنْ طَرِيقِ النَّظَرِ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى جَعَلَ التَّيَمُّمَ رُخْصَةً لِلْمَرِيضِ وَالْمُسَافِرِ، وَقَدْ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ مَنْ كَانَ خَارِجَ الْمِصْرِ عَلَى مِيلٍ أَوْ أَقَلَّ وَنِيَّتُهُ الْعَوْدُ إِلَى مَنْزِلِهِ لَا إِلَى سَفَرٍ آخَرَ وَلَمْ يَجِدْ مَاءً أَنَّهُ يَجُوزُ لَهُ التَّيَمُّمُ، وَقَالَ: فَكَمَا جَازَ لَهُ التَّيَمُّمُ فِي هَذَا الْقَدْرِ جَازَ لَهُ النَّفْلُ عَلَى الدَّابَّةِ لِاشْتِرَاكِهِمَا فِي الرُّخْصَةِ اهـ.

وَكَأَنَّ السِّرَّ فِيمَا ذُكِرَ تَيْسِيرُ تَحْصِيلِ النَّوَافِلِ عَلَى الْعِبَادِ وَتَكْثِيرِهَا تَعْظِيمًا لِأُجُورِهِمْ رَحْمَةً مِنَ اللَّهِ بِهِمْ. وَقَدْ طَرَدَ أَبُو يُوسُفَ وَمَنْ وَافَقَهُ التَّوْسِعَةَ فِي ذَلِكَ فَجَوَّزَهُ فِي الْحَضَرِ أَيْضًا، وَقَالَ بِهِ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ أَبُو سَعِيدٍ الْإِصْطَخْرِيُّ، وَاسْتُدِلَّ