وَرُوِيَ عَنْ مُجَاهِدٍ، وَالْحَسَنِ، وَغَيْرِهِمَا ذَلِكَ، وَكَذَا حَكَاهُ إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي زِيَادٍ الشَّامِيُّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَحَدِيثُ عَائِشَةَ وَصَلَهُ الْمُصَنِّفُ فِي تَفْسِيرِ سُورَةِ الْفَتْحِ.
قَوْلُهُ: (عَنْ زِيَادٍ) هُوَ ابْنُ عِلَاقَةَ، وَلِلْمُصَنِّفِ فِي الرِّقَاقِ، عَنْ خَلَّادِ بْنِ يَحْيَى، عَنْ مِسْعَرٍ: حَدَّثَنَا زِيَادُ بْنُ عِلَاقَةَ.
(تَنْبِيهٌ): هَكَذَا رَوَاهُ الْحُفَّاظُ مِنْ أَصْحَابِ مِسْعَرٍ عَنْهُ، وَخَالَفَهُمْ مُحَمَّدُ بْنُ بِشْرٍ وَحْدَهُ، فَرَوَاهُ عَنْ مِسْعَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ، أَخْرَجَهُ الْبَزَّارُ، وَقَالَ: الصَّوَابُ، عَنْ مِسْعَرٍ، عَنْ زِيَادٍ، وَأَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْكَبِيرِ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي قَتَادَةَ الْحَرَّانِيِّ، عَنْ مِسْعَرٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْأَقْمَرِ، عَنْ أَبِي جُحَيْفَةَ، وَأَخْطَأَ فِيهِ أَيْضًا، وَالصَّوَابُ مِسْعَرٌ، عَنْ زِيَادِ بْنِ عِلَاقَةَ.
قَوْلُهُ: (إِنْ كَانَ لَيَقُومُ أَوْ لَيُصَلِّي) إِنْ مُخَفَّفَةٌ مِنَ الثَّقِيلَةِ، وَلَيَقُومُ بِفَتْحِ اللَّامِ، وَفِي رِوَايَةِ كَرِيمَةَ: لَيَقُومُ يُصَلِّي، وَفِي حَدِيثِ عَائِشَةَ: كَانَ يَقُومُ مِنَ اللَّيْلِ.
قَوْلُهُ: (حَتَّى تَرِمُ) بِفَتْحِ الْمُثَنَّاةِ، وَكَسْرِ الرَّاءِ، وَتَخْفِيفِ الْمِيمِ بِلَفْظِ الْمُضَارِعِ مِنَ الْوَرَمِ، هَكَذَا سُمِعَ، وَهُوَ نَادِرٌ، وَفِي رِوَايَةِ خَلَّادِ بْنِ يَحْيَى: حَتَّى تَرِمَ أَوْ تَنْتَفِخَ قَدَمَاهُ، وَفِي رِوَايَةِ أَبِي عَوَانَةَ، عَنْ زِيَادٍ عِنْدَ التِّرْمِذِيِّ: حَتَّى انْتَفَخَتْ قَدَمَاهُ.
قَوْلُهُ: (قَدَمَاهُ أَوْ سَاقَاهُ)، وَفِي رِوَايَةِ خَلَّادٍ: قَدَمَاهُ وَلَمْ يَشُكَّ، وَلِلْمُصَنِّفِ فِي تَفْسِيرِ الْفَتْحِ: حَتَّى تَوَرَّمَتْ، وَلِلنَّسَائِيِّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ: حَتَّى تَزْلَعَ قَدَمَاهُ بِزَايٍ وَعَيْنٍ مُهْمَلَةٍ، وَلَا اخْتِلَافَ بَيْنَ هَذِهِ الرِّوَايَاتِ، فَإِنَّهُ إِذَا حَصَلَ الِانْتِفَاخُ أَوِ الْوَرَمُ حَصَلَ الزَّلَعُ وَالتَّشَقُّقُ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
قَوْلُهُ: (فَيُقَالُ لَهُ) لَمْ يَذْكُرِ الْمَقُولَ، وَلَمْ يُسَمِّ الْقَائِلَ، وَفِي تَفْسِيرِ الْفَتْحِ: فَقِيلَ لَهُ: غَفَرَ اللَّهُ لَكَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ. وَفِي رِوَايَةِ أَبِي عَوَانَةَ: فَقِيلَ لَهُ: أَتَتَكَلَّفُ هَذَا. وَفِي حَدِيثِ عَائِشَةَ: فَقَالَتْ لَهُ عَائِشَةُ: لِمَ تَصْنَعُ هَذَا يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَقَدْ غَفَرَ اللَّهُ لَكَ؟. وَفِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ عِنْدَ الْبَزَّارِ: فَقِيلَ لَهُ: تَفْعَلُ هَذَا، وَقَدْ جَاءَكَ مِنَ اللَّهِ أَنْ قَدْ غَفَرَ لَكَ؟
قَوْلُهُ: (أَفَلَا أَكُونُ) فِي حَدِيثِ عَائِشَةَ: أَفَلَا أُحِبُّ أَنْ أَكُونَ (عَبْدًا شَكُورًا)، وَزَادَتْ فِيهِ: فَلَمَّا كَثُرَ لَحْمُهُ صَلَّى جَالِسًا، الْحَدِيثَ. وَالْفَاءُ فِي قَوْلِهِ: أَفَلَا أَكُونُ؛ لِلسَّبَبِيَّةِ، وَهِيَ عَنْ مَحْذُوفٍ تَقْدِيرُهُ: أَأَتْرُكُ تَهَجُّدِي، فَلَا أَكُونُ عَبْدًا شَكُورًا، وَالْمَعْنَى أَنَّ الْمَغْفِرَةَ سَبَبٌ لِكَوْنِ التَّهَجُّدِ شُكْرًا، فَكَيْفَ أَتْرُكُهُ؟ قَالَ ابْنُ بَطَّالٍ: فِي هَذَا الْحَدِيثِ أَخْذُ الْإِنْسَانِ عَلَى نَفْسِهِ بِالشِّدَّةِ فِي الْعِبَادَةِ، وَإِنْ أَضَرَّ ذَلِكَ بِبَدَنِهِ؛ لِأَنَّهُ ﷺ إِذَا فَعَلَ ذَلِكَ مَعَ عِلْمِهِ بِمَا سَبَقَ لَهُ، فَكَيْفَ بِمَنْ لَمْ يَعْلَمْ بِذَلِكَ، فَضْلًا عَمَّنْ لَمْ يَأْمَنْ أَنَّهُ اسْتَحَقَّ النَّارَ. انْتَهَى. وَمَحَلُّ ذَلِكَ مَا إِذَا لَمْ يُفْضِ إِلَى الْمَلَالِ؛ لِأَنَّ حَالَ النَّبِيِّ ﷺ كَانَتْ أَكْمَلَ الْأَحْوَالِ، فَكَانَ لَا يَمَلُّ مِنْ عِبَادَةِ رَبِّهِ، وَإِنْ أَضَرَّ ذَلِكَ بِبَدَنِهِ، بَلْ صَحَّ أَنَّهُ قَالَ: وَجُعِلَتْ قُرَّةُ عَيْنِي فِي الصَّلَاةِ، كَمَا أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ، فَأَمَّا غَيْرُهُ ﷺ فَإِذَا خَشِيَ الْمَلَلَ لَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يُكْرِهَ نَفْسَهُ، وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ قَوْلُهُ ﷺ: خُذُوا مِنَ الْأَعْمَالِ مَا تُطِيقُونَ، فَإِنَّ اللَّهَ لَا يَمَلُّ حَتَّى تَمَلُّوا.
وَفِيهِ مَشْرُوعِيَّةُ الصَّلَاةِ لِلشُّكْرِ، وَفِيهِ أَنَّ الشُّكْرَ يَكُونُ بِالْعَمَلِ، كَمَا يَكُونُ بِاللِّسَانِ، كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿اعْمَلُوا آلَ دَاوُدَ شُكْرًا﴾، وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ: ظَنَّ مَنْ سَأَلَهُ عَنْ سَبَبِ تَحَمُّلِهِ الْمَشَقَّةَ فِي الْعِبَادَةِ أَنَّهُ إِنَّمَا يَعْبُدُ اللَّهَ خَوْفًا مِنَ الذُّنُوبِ، وَطَلَبًا لِلْمَغْفِرَةِ وَالرَّحْمَةِ، فَمَنْ تَحَقَّقَ أَنَّهُ غُفِرَ لَهُ لَا يَحْتَاجُ إِلَى ذَلِكَ، فَأَفَادَهُمْ أَنَّ هُنَاكَ طَرِيقًا آخَرَ لِلْعِبَادَةِ، وَهُوَ الشُّكْرُ عَلَى الْمَغْفِرَةِ وَإِيصَالُ النِّعْمَةِ لِمَنْ لَا يَسْتَحِقُّ عَلَيْهِ فِيهَا شَيْئًا، فَيَتَعَيَّنُ كَثْرَةُ الشُّكْرِ عَلَى ذَلِكَ، وَالشُّكْرُ: الِاعْتِرَافُ بِالنِّعْمَةِ، وَالْقِيَامُ بِالْخِدْمَةِ، فَمَنْ كَثُرَ ذَلِكَ مِنْهُ سُمِّيَ شَكُورًا، وَمِنْ ثَمَّ قَالَ ﷾: ﴿وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ﴾. وَفِيهِ مَا كَانَ النَّبِيُّ ﷺ عَلَيْهِ مِنَ الِاجْتِهَادِ فِي الْعِبَادَةِ وَالْخَشْيَةِ مِنْ رَبِّهِ، قَالَ الْعُلَمَاءُ: إِنَّمَا أَلْزَمَ الْأَنْبِيَاءُ أَنْفُسَهُمْ بِشِدَّةِ الْخَوْفِ لِعِلْمِهِمْ بِعَظِيمِ نِعْمَةِ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْهِمْ، وَأَنَّهُ ابْتَدَأَهُمْ بِهَا قَبْلَ اسْتِحْقَاقِهَا، فَبَذَلُوا مَجْهُودَهُمْ فِي عِبَادَتِهِ لِيُؤَدُّوا بَعْضَ شُكْرِهِ، مَعَ أَنَّ حُقُوقَ اللَّهِ أَعْظَمُ مِنْ أَنْ يَقُومَ بِهَا الْعِبَادُ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.