للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

قَوْلِهِ: أَحَدِكُمْ التَّعْمِيمُ فِي الْمُخَاطَبِينَ، وَمَنْ فِي مَعْنَاهُمْ، وَيُمْكِنُ أَنْ يَخُصَّ مِنْهُ مَنْ تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ، وَمَنْ وَرَدَ فِي حَقِّهِ أَنَّهُ يُحْفَظُ مِنَ الشَّيْطَانِ كَالْأَنْبِيَاءِ، وَمَنْ تَنَاوَلَهُ قَوْلُهُ: ﴿إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ﴾ وَكَمَنْ قَرَأَ آيَةَ الْكُرْسِيِّ عِنْدَ نَوْمِهِ فَقَدْ ثَبَتَ أَنَّهُ يُحْفَظُ مِنَ الشَّيْطَانِ حَتَّى يُصْبِحَ، وَفِيهِ بَحْثٌ سَأَذْكُرُهُ فِي آخِرِ شَرْحِ هَذَا الْحَدِيثِ، إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.

قَوْلُهُ: (إِذَا هُوَ نَامَ) كَذَا لِلْأَكْثَرِ، وَلِلْحَمَوِيِّ، وَالْمُسْتَمْلِي: إِذَا هُوَ نَائِمٌ؛ بِوَزْنِ فَاعِلٍ، وَالْأَوَّلُ أَصْوَبُ، وَهُوَ الَّذِي فِي الْمُوَطَّأِ.

قَوْلُهُ: (يَضْرِبُ عَلَى مَكَانِ كُلِّ عُقْدَةٍ) كَذَا لِلْمُسْتَمْلِي، وَلِبَعْضِهِمْ بِحَذْفِ: عَلَى، ولِلكُشْمِيهَنِيِّ بِلَفْظِ: عِنْدَ مَكَانِ. وَقَوْلُهُ: يَضْرِبُ؛ أَيْ بِيَدِهِ عَلَى الْعُقْدَةِ تَأْكِيدًا وَإِحْكَامًا لَهَا قَائِلًا ذَلِكَ، وَقِيلَ: مَعْنَى يَضْرِبُ: يَحْجُبُ الْحِسَّ عَنِ النَّائِمِ حَتَّى لَا يَسْتَيْقِظَ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿فَضَرَبْنَا عَلَى آذَانِهِمْ﴾؛ أَيْ: حَجَبْنَا الْحِسَّ أَنْ يَلِجَ فِي آذَانِهِمْ فَيَنْتَبِهُوا، وَفِي حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ: مَا أَحَدٌ يَنَامُ إِلَّا ضُرِبَ عَلَى سِمَاخِهِ بِجَرِيرٍ مَعْقُودٍ. أَخْرَجَهُ الْمُخَلِّصُ فِي فَوَائِدِهِ، وَالسِّمَاخُ بِكَسْرِ الْمُهْمَلَةِ وَآخِرِهِ مُعْجَمَةٌ، وَيُقَالُ: بِالصَّادِ الْمُهْمَلَةِ بَدَلَ السِّينِ، وَعِنْدَ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ بِسَنَدٍ جَيِّدٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ: مَا أَصْبَحَ رَجُلٌ عَلَى غَيْرِ وِتْرٍ إِلَّا أَصْبَحَ عَلَى رَأْسِهِ جَرِيرٌ قَدْرَ سَبْعِينَ ذِرَاعًا.

قَوْلُهُ: (عَلَيْكَ لَيْلٌ طَوِيلٌ) كَذَا فِي جَمِيعِ الطُّرُقِ عَنِ الْبُخَارِيِّ بِالرَّفْعِ، وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ أَبِي مُصْعَبٍ فِي الْمُوَطَّأِ، عَنْ مَالِكٍ: عَلَيْكَ لَيْلًا طَوِيلًا. وَهِيَ رِوَايَةُ ابْنِ عُيَيْنَةَ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عِنْدَ مُسْلِمٍ، قَالَ عِيَاضٌ: رِوَايَةُ الْأَكْثَرِ عَنْ مُسْلِمٍ بِالنَّصْبِ عَلَى الْإِغْرَاءِ، وَمَنْ رَفَعَ فَعَلَى الِابْتِدَاءِ، أَيْ بَاقٍ عَلَيْكَ، أَوْ بِإِضْمَارِ فِعْلٍ؛ أَيْ: بَقِيَ. وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ: الرَّفْعُ أَوْلَى مِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى؛ لِأَنَّهُ الْأَمْكَنُ فِي الْغُرُورِ مِنْ حَيْثُ إِنَّهُ يُخْبِرُهُ عَنْ طُولِ اللَّيْلِ، ثُمَّ يَأْمُرُهُ بِالرُّقَادِ بِقَوْلِهِ: فَارْقُدْ، وَإِذَا نُصِبَ عَلَى الْإِغْرَاءِ لَمْ يَكُنْ فِيهِ إِلَّا الْأَمْرُ بِمُلَازَمَةِ طُولِ الرُّقَادِ، وَحِينَئِذٍ يَكُونُ قَوْلُهُ: فَارْقُدْ ضَائِعًا، وَمَقْصُودُ الشَّيْطَانِ بِذَلِكَ تَسْوِيفُهُ بِالْقِيَامِ وَالْإِلْبَاسُ عَلَيْهِ.

وَقَدِ اخْتُلِفَ فِي هَذِهِ الْعُقَدِ، فَقِيلَ: هُوَ عَلَى الْحَقِيقَةِ، وَأَنَّهُ كَمَا يَعْقِدُ السَّاحِرُ مَنْ يَسْحَرُهُ، وَأَكْثَرُ مَنْ يَفْعَلُهُ النِّسَاءُ؛ تَأْخُذُ إِحْدَاهُنَّ الْخَيْطَ، فَتَعْقِدُ مِنْهُ عُقْدَةً وَتَتَكَلَّمُ عَلَيْهِ بِالسِّحْرِ، فَيَتَأَثَّرُ الْمَسْحُورُ عِنْدَ ذَلِكَ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ﴾، وَعَلَى هَذَا، فَالْمَعْقُودُ شَيْءٌ عِنْدَ قَافِيَةِ الرَّأْسِ، لَا قَافِيَةُ الرَّأْسِ نَفْسُهَا، وَهَلِ الْعُقَدُ فِي شَعْرِ الرَّأْسِ أَوْ فِي غَيْرِهِ؟ الْأَقْرَبُ الثَّانِي؛ إِذْ لَيْسَ لِكُلِّ أَحَدٍ شَعْرٌ، وَيُؤَيِّدُهُ مَا وَرَدَ فِي بَعْضِ طُرُقِهِ أَنَّ عَلَى رَأْسِ كُلِّ آدَمِيٍّ حَبْلًا، فَفِي رِوَايَةِ ابْنِ مَاجَهْ، وَمُحَمَّدِ بْنِ نَصْرٍ مِنْ طَرِيقِ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا: عَلَى قَافِيَةِ رَأْسِ أَحَدِكُمْ حَبْلٌ فِيهِ ثَلَاثُ عُقَدٍ، وَلِأَحْمَدَ مِنْ طَرِيقِ الْحَسَنِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ بِلَفْظِ: إِذَا نَامَ أَحَدُكُمْ عُقِدَ عَلَى رَأْسِهِ بِجَرِيرٍ. وَلِابْنِ خُزَيْمَةَ، وَابْنِ حِبَّانَ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ مَرْفُوعًا: مَا مِنْ ذَكَرٍ وَلَا أُنْثَى إِلَّا عَلَى رَأْسِهِ جَرِيرٌ مَعْقُودٌ حِينَ يَرْقُدُ. الْحَدِيثَ، وَفِي الثَّوَابِ لِآدَمَ بْنِ أَبِي إِيَاسٍ مِنْ مُرْسَلِ الْحَسَنِ نَحْوُهُ. وَالْجَرِيرُ بِفَتْحِ الْجِيمِ هُوَ الْحَبْلُ، وَفَهِمَ بَعْضُهُمْ مِنْ هَذَا أَنَّ الْعُقَدَ لَازِمَةٌ، وَيَرُدُّهُ التَّصْرِيحُ بِأَنَّهَا تَنْحَلُّ بِالصَّلَاةِ، فَيَلْزَمُ إِعَادَةُ عَقْدِهَا، فَأُبْهِمَ فَاعِلُهُ فِي حَدِيثِ جَابِرٍ، وَفُسِّرَ فِي حَدِيثِ غَيْرِهِ. وَقِيلَ هُوَ عَلَى الْمَجَازِ، كَأَنَّهُ شَبَّهَ فِعْلَ الشَّيْطَانِ بِالنَّائِمِ بِفِعْلِ السَّاحِرِ بِالْمَسْحُورِ، فَلَمَّا كَانَ السَّاحِرُ يَمْنَعُ بِعَقْدِهِ ذَلِكَ تَصَرُّفَ مَنْ يُحَاوِلُ عَقْدَهُ، كَانَ هَذَا مِثْلَهُ مِنَ الشَّيْطَانِ لِلنَّائِمِ.

وَقِيلَ: الْمُرَادُ بِهِ عَقْدُ الْقَلْبِ وَتَصْمِيمُهُ عَلَى الشَّيْءِ، كَأَنَّهُ يُوَسْوِسُ لَهُ بِأَنَّهُ بَقِيَ مِنَ اللَّيْلَةِ قِطْعَةٌ طَوِيلَةٌ فَيَتَأَخَّرُ عَنِ الْقِيَامِ. وَانْحِلَالُ الْعُقَدِ كِنَايَةٌ عَنْ عِلْمِهِ بِكَذِبِهِ فِيمَا وَسْوَسَ بِهِ. وَقِيلَ: الْعُقَدُ كِنَايَةٌ عَنْ تَثْبِيطِ الشَّيْطَانِ لِلنَّائِمِ بِالْقَوْلِ الْمَذْكُورِ، وَمِنْهُ عَقَدْتُ فُلَانًا عَنِ امْرَأَتِهِ؛ أَيْ: مَنَعْتُهُ عَنْهَا، أَوْ عَنْ تَثْقِيلِهِ عَلَيْهِ النَّوْمَ، كَأَنَّهُ قَدْ شَدَّ عَلَيْهِ شِدَادًا. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: الْمُرَادُ بِالْعُقَدِ الثَّلَاثِ: الْأَكْلُ وَالشُّرْبُ وَالنَّوْمُ؛ لِأَنَّ مَنْ أَكْثَرَ الْأَكْلَ وَالشُّرْبَ كَثُرَ نَوْمُهُ. وَاسْتَبْعَدَهُ الْمُحِبُّ الطَّبَرِيُّ؛ لِأَنَّ الْحَدِيثَ يَقْتَضِي أَنَّ الْعُقَدَ تَقَعُ عِنْدَ النَّوْمِ. فَهِيَ غَيْرُهُ،