للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

قَوْلُهُ: (بَابُ صَلَاةِ الضُّحَى فِي السَّفَرِ) ذُكِرَ فِيهِ حَدِيثُ مُوَرِّقٍ: قُلْتُ لِابْنِ عُمَرَ أَتُصَلِّي الضُّحَى؟ قَالَ: لَا. قُلْتُ: فَعُمَرُ؟ قَالَ: لَا. قُلْتُ: فَأَبُو بَكْرٍ؟ قَالَ: لَا. قُلْتُ: فَالنَّبِيُّ ؟ قَالَ: لَا إِخَالُهُ. وَحَدِيثُ أُمِّ هَانِئٍ فِي صَلَاةِ الضُّحَى يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ. وَقَدْ أَشْكَلَ دُخُولُ هَذَا الْحَدِيثِ فِي هَذِهِ التَّرْجَمَةِ، وَقَالَ ابنُ بَطَّالٍ: لَيْسَ هُوَ مِنْ هَذَا الْبَابِ، وَإِنَّمَا يَصْلُحُ فِي بَابِ مَنْ لَمْ يُصَلِّ الضُّحَى، وَأَظُنُّهُ مِنْ غَلَطِ النَّاسِخِ. وَقَالَ ابْنُ الْمُنِيرِ: الَّذِي يَظْهَرُ لِي أَنَّ الْبُخَار يَّ لَمَّا تَعَارَضَتْ عِنْدَهُ الْأَحَادِيثُ نَفْيًا كَحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ هَذَا، وَإِثْبَاتًا كَحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي الْوَصِيَّةِ لَهُ أَنَّهُ يُصَلِّي الضُّحَى، نَزَلَ حَدِيثُ النَّفْيِ عَلَى السَّفَرِ، وَحَدِيثُ الْإِثْبَاتِ عَلَى الْحَضَرِ، وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ أَنَّهُ تَرْجَمَ لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ: صَلَاةُ الضُّحَى فِي الْحَضَرِ، وَتَقَدَّمَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: لَوْ كُنْتُ مُسَبِّحًا لَأَتْمَمْتُ فِي السَّفَرِ. وَأَمَّا حَدِيثُ أُمِّ هَانِئٍ فَفِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّهَا تُصَلَّي فِي السَّفَرِ بِحَسَبَ السُّهُولَةِ لِفِعْلِهَا، وَقَالَ ابْنُ رَشِيدٍ: لَيْسَ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ التَّصْرِيحُ بِالْحَضَرِ، لَكِنْ اسْتَنَدَ ابْنُ الْمُنِيرِ إِلَى قَوْلِهِ فِيهِ: وَنَمْ عَلَى وِتْرٍ، فَإِنَّهُ يُفْهَمُ مِنْهُ كَوْنُ ذَلِكَ فِي الْحَضَرِ، لِأَنَّ الْمُسَافِرَ غَالِبُ حَالِهِ الِاسْتِيفَازُ وَسَهَرُ اللَّيْلِ، فَلَا يَفْتَقِرُ لِإِيصَاءٍ أَنْ لَا يَنَامَ إِلَّا عَلَى وِتْرٍ، وَكَذَا التَّرْغِيبُ فِي صِيَامِ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ.

قَالَ ابْنُ رَشِيدٍ: وَالَّذِي يَظْهَرُ لِي أَنَّ الْمُرَادَ بَابُ صَلَاةِ الضُّحَى فِي السَّفَرِ نَفْيًا وَإِثْبَاتًا، وَحَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ ظَاهِرُهُ نَفْيُ ذَلِكَ حَضَرًا وَسَفَرًا، وَأَقَلُّ مَا يُحْمَلُ عَلَيْهِ نَفْيُ ذَلِكَ فِي السَّفَرِ لِمَا تَقَدَّمَ فِي بَابِ مَنْ لَمْ يَتَطَوَّعْ فِي السَّفَرِ عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: صَحِبْتُ النَّبِيَّ ، فَكَانَ لَا يَزِيدُ عَلَى رَكْعَتَيْنِ. قَالَ: وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُقَالَ: لَمَّا نَفَى صَلَاتَهَا مُطْلَقًا مِنْ غَيْرِ تَقْيِيدٍ بِحَضَرٍ وَلَا سَفَرٍ - وَأَقَلُّ مَا يَتَحَقَّقُ حَمْلُ اللَّفْظِ عَلَيْهِ السَّفَرُ، وَيَبْعُدُ حَمْلُهُ عَلَى الْحَضَرِ دُونَ السَّفَرِ - فَحُمِلَ عَلَى السَّفَرِ لِأَنَّهُ الْمُنَاسِبُ لِلتَّخْفِيفِ، لِمَا عُرِفَ مِنْ عَادَةِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ لَا يَتَنَفَّلُ فِي السَّفَرِ نَهَارًا. قَالَ: وَأَوْرَدَ حَدِيثَ أُمِّ هَانِئٍ لِيُبَيِّنَ أَنَّهَا إِذَا كَانَتْ فِي السَّفَرِ حَالُ طُمَأْنِينَةٍ تُشْبِهُ حَالَةَ الْحَضَرِ كَالْحُلُولِ بِالْبَلَدِ شُرِعَتِ الضُّحَى، وَإِلَّا فَلَا. قُلْتُ: وَيَظْهَرُ لِي أَيْضًا أَنَّ الْبُخَارِيَّ أَشَارَ بِالتَّرْجَمَةِ الْمَذْكُورَةِ إِلَى مَا رَوَاهُ أَحْمَدُ مِنْ طَرِيقِ الضَّحَّاكِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْقُرَشِيِّ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى فِي السَّفَرِ سُبْحَةَ الضُّحَى ثَمَانِ رَكَعَاتٍ. فَأَرَادَ أَنَّ تَرَدُّدَ ابْنِ عُمَرَ فِي كَوْنِهِ صَلَّاهَا أَوْ لَا، لَا يَقْتَضِي رَدَّ مَا جَزَمَ بِهِ أَنَسٌ، بَلْ يُؤَيِّدُهُ حَدِيثُ أُمِّ هَانِئٍ فِي ذَلِكَ، وَحَدِيثُ أَنَسٍ الْمَذْكُورُ صَحَّحَهُ ابْنُ خُزَيْمَةَ، وَالْحَاكِمُ.

قَوْلُهُ: (عَنْ تَوْبَةَ) بِمُثَنَّاةٍ مَفْتُوحَةٍ، وَوَاوٍ سَاكِنَةٍ، ثُمَّ مُوَحَّدَةٍ مَفْتُوحَةٍ، وهُوَ ابْنُ كَيْسَانَ الْعَنْبَرِيُّ الْبَصْرِيُّ، تَابِعِيٌّ صَغِيرٌ مَا لَهُ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ سِوَى هَذَا الْحَدِيثِ وَحَدِيثٍ آخَرَ.

قَوْلُهُ: (عَنْ مُوَرِّقٍ) بِفَتْحِ الْوَاوِ، وَكَسْرِ الرَّاءِ الثَّقِيلَةِ، وَفِي رِوَايَةِ غُنْدَرٍ، عَنْ شُعْبَةَ عِنْدَ الْإِسْمَاعِيلِيِّ: سَمِعْتُ مُوَرِّقًا الْعِجْلِيَّ، وَهُوَ بَصْرِيٌّ ثِقَةٌ، وَكَذَا مَنْ دُونَهُ فِي الْإِسْنَادِ، وَلَيْسَ لِمُوَرِّقٍ فِي الْبُخَارِيِّ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ سِوَى هَذَا الْحَدِيثِ.

قَوْلُهُ: (لَا إِخَالُهُ) بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ، وَتُفْتَحُ أَيْضًا، وَالْخَاءُ مُعْجَمَةٌ أَيْ: لَا أَظُنُّهُ. وَكَأَنَّ سَبَبَ تَوَقُّفِ ابْنِ عُمَرَ فِي ذَلِكَ أَنَّهُ بَلَغَهُ عَنْ غَيْرِهِ أَنَّهُ صَلَّاهَا، وَلَمْ يَثِقْ بِذَلِكَ عَمَّنْ ذَكَرَهُ، وَقَدْ جَاءَ عَنْهُ الْجَزْمُ بِكَوْنِهَا مُحْدَثَةً، فَرَوَى سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، أَنَّهُ قَالَ: إِنَّهَا مُحْدَثَةٌ، وَإِنَّهَا لَمِنْ أَحْسِنِ مَا أَحْدَثُوا. وَسَيَأْتِي فِي أَوَّلِ أَبْوَابِ الْعُمْرَةِ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: دَخَلْتُ أَنَا وَعُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ الْمَسْجِدَ، فَإِذَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ جَالِسٌ إِلَى حُجْرَةِ عَائِشَةَ، وَإِذَا نَاسٌ يُصَلُّونَ الضُّحَى، فَسَأَلْنَاهُ عَنْ صَلَاتِهِمْ، فَقَالَ: بِدْعَةٌ. وَرَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ، عَنِ الْحَكَمِ بْنِ الْأَعْرَجِ، عَنِ الْأَعْرَجِ قَالَ: سَأَلْتُ ابْنَ عُمَرَ عَنْ صَلَاةِ الضُّحَى، فَقَالَ: بِدْعَةٌ، وَنِعْمَتِ الْبِدْعَةُ. وَرَوَى عَبْدُ الرَّزَّاقِ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَنْ سَالِمٍ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: لَقَدْ قُتِلَ عُثْمَانُ، وَمَا أَحَدٌ يُسَبِّحُهَا، وَمَا أَحْدَثَ النَّاسُ شَيْئًا أَحَبَّ إِلَيَّ مِنْهَا. وَرَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: