للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

صَلَّى الضُّحَى، فَطَوَّلَ فِيهَا. أَخْرَجَهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ مِنْ حَدِيثِ حُذَيْفَةَ. وَاسْتُدِلَّ بِهَذَا الْحَدِيثِ عَلَى إِثْبَاتِ سُنَّةِ الضُّحَى، وَحَكَى عِيَاضٌ عَنْ قَوْمٍ أَنَّهُ لَيْسَ فِي حَدِيثِ أُمِّ هَانِئٍ دَلَالَةٌ عَلَى ذَلِكَ، قَالُوا: وَإِنَّمَا هِيَ سُنَّةُ الْفَتْحِ، وَقَدْ صَلَّاهَا خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ فِي بَعْضِ فُتُوحِهِ كَذَلِكَ.

وَقَالَ عِيَاضٌ أَيْضًا: لَيْسَ حَدِيثُ أُمِّ هَانِئٍ بِظَاهِرٍ فِي أَنَّهُ قَصَدَ بِهَا سُنَّةَ الضُّحَى، وَإِنَّمَا فِيهِ أَنَّهَا أَخْبَرَتْ عَنْ وَقْتِ صَلَاتِهِ فَقَطْ، وَقَدْ قِيلَ: إِنَّهَا كَانَتْ قَضَاءً عَمَّا شُغِلَ عَنْهُ تِلْكَ اللَّيْلَةَ مِنْ حِزْبِهِ فِيهِ. وَتَعَقَّبَهُ النَّوَوِيُّ بِأَنَّ الصَّوَابَ صِحَّةُ الِاسْتِدْلَالِ بِهِ، لِمَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَغَيْرُهُ مِنْ طَرِيقِ كُرَيْبٍ، عَنْ أُمِّ هَانِئٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى سُبْحَةَ الضُّحَى، وَلِمُسْلِمٍ فِي كِتَابِ الطَّهَارَةِ مِنْ طَرِيقِ أَبِي مُرَّةَ، عَنْ أُمِّ هَانِئٍ فِي قِصَّةِ اغْتِسَالِهِ يَوْمَ الْفَتْحِ: ثُمَّ صَلَّى ثَمَانَ رَكَعَاتٍ سُبْحَةَ الضُّحَى.

وَرَوَى ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ فِي التَّمْهِيدِ مِنْ طَرِيقِ عِكْرِمَةَ بْنِ خَالِدٍ، عَنْ أُمِّ هَانِئٍ قَالَتْ: قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ مَكَّةَ، فَصَلَّى ثَمَانَ رَكَعَاتٍ، فَقُلْتُ: مَا هَذِهِ؟ قَالَ: هَذِهِ صَلَاةُ الضُّحَى، وَاسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى أَنَّ أَكْثَرَ صَلَاةِ الضُّحَى ثَمَانِ رَكَعَاتٍ. وَاسْتَبْعَدَهُ السُّبْكِيُّ، وَوُجِّهَ بِأَنَّ الْأَصْلَ فِي الْعِبَادَةِ التَّوَقُّفُ، وَهَذَا أَكْثَرُ مَا وَرَدَ فِي ذَلِكَ مِنْ فِعْلِهِ ، وَقَدْ وَرَدَ مِنْ فِعْلِهِ دُونَ ذَلِكَ، كَحَدِيثِ ابْنِ أَبِي أَوْفَى، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى الضُّحَى رَكْعَتَيْنِ. أَخْرَجَهُ ابْنُ عَدِيٍّ، وَسَيَأْتِي مِنْ حَدِيثِ عِتْبَانَ قَرِيبًا مِثْلُهُ.

وَحَدِيثُ عَائِشَةَ عِنْدَ مُسْلِمٍ: كَانَ يُصَلِّي الضُّحَى أَرْبَعًا. حَدِيثُ جَابِرٍ عِنْدَ الطَّبَرَانِيِّ فِي الْأَوْسَطِ، أَنَّهُ صَلَّى الضُّحَى سِتَّ رَكَعَاتٍ، وَأَمَّا مَا وَرَدَ مِنْ قَوْلِهِ فَفِيهِ زِيَادَةٌ عَلَى ذَلِكَ كَحَدِيثِ أَنَسٍ مَرْفُوعًا: مَنْ صَلَّى الضُّحَى ثِنْتَيْ عَشْرَةَ رَكْعَةً بَنَى اللَّهُ لَهُ قَصْرًا فِي الْجَنَّةِ. أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ، وَاسْتَغْرَبَهُ. وَلَيْسَ فِي إِسْنَادِهِ مَنْ أُطْلِقَ عَلَيْهِ الضَّعْفُ.

وَعِنْدَ الطَّبَرَانِيِّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي الدَّرْدَاءِ مَرْفُوعًا: مَنْ صَلَّى الضُّحَى رَكْعَتَيْنِ لَمْ يُكْتَبْ مِنَ الْغَافِلِينَ، وَمَنْ صَلَّى أَرْبَعًا كُتِبَ مِنَ التَّائِبِينَ (١)، وَمَنْ صَلَّى سِتًّا كُفِيَ ذَلِكَ الْيَوْمَ، وَمَنْ صَلَّى ثَمَانِيًا كُتِبَ مِنَ الْعَابِدِينَ، وَمَنْ صَلَّى ثِنْتَيْ عَشْرَةَ بَنَى اللَّهُ لَهُ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ. وَفِي إِسْنَادِهِ ضَعْفٌ أَيْضًا، وَلَهُ شَاهِدٌ مِنْ حَدِيثِ أَبِي ذَرٍّ رَوَاهُ الْبَزَّارُ، وَفِي إِسْنَادِهِ ضَعْفٌ أَيْضًا، وَمِنْ ثَمَّ قَالَ الرُّويَانِيُّ وَمَنْ تَبِعَهُ: أَكْثَرُهَا ثِنْتَا عَشْرَةَ. وَقَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ: فِيهِ حَدِيثٌ ضَعِيفٌ، كَأَنَّهُ يُشِيرُ إِلَى حَدِيثِ أَنَسٍ، لَكِنْ إِذَا ضُمَّ إِلَيْهِ حَدِيثُ أَبِي ذَرٍّ، وَأَبِي الدَّرْدَاءِ قَوِيَ وَصَلُحَ لِلِاحْتِجَاجِ بِهِ. وَنَقَلَ التِّرْمِذِيُّ، عَنْ أَحْمَدَ: أَنَّ أَصَحَّ شَيْءٍ وَرَدَ فِي الْبَابِ حَدِيثُ أُمِّ هَانِئٍ. وَهُوَ كَمَا قَالَ، وَلِهَذَا قَالَ النَّوَوِيُّ فِي الرَّوْضَةِ: أَفْضَلُهَا ثَمَانٍ وَأَكْثَرُهَا ثِنْتَا عَشْرَةَ، فَفَرَّقَ بَيْنَ الْأَكْثَرِ وَالْأَفْضَلِ. وَلَا يُتَصَوَّرُ ذَلِكَ إِلَّا فِيمَنْ صَلَّى الِاثْنَتَيْ عَشْرَةَ بِتَسْلِيمَةٍ وَاحِدَةٍ، فَإِنَّهَا تَقَعُ نَفْلًا مُطْلَقًا عِنْدَ مَنْ يَقُولُ: إِنَّ أَكْثَرَ سُنَّةِ الضُّحَى ثَمَانِ رَكَعَاتٍ، فَأَمَّا مَنْ فَصَّلَ فَإِنَّهُ يَكُونُ صَلَّى الضُّحَى، وَمَا زَادَ عَلَى الثَّمَانِ يَكُونُ لَهُ نَفْلًا مُطْلَقًا، فَتَكُونُ صَلَاتُهُ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ فِي حَقِّهِ أَفْضَلُ مِنْ ثَمَانٍ، لِكَوْنِهِ أَتَى بِالْأَفْضَلِ وَزَادَ، وَقَدْ ذَهَبَ قَوْمٌ، مِنْهُمْ أَبُو جَعْفَرٍ الطَّبَرِيُّ وَبِهِ جَزَمَ الْحَلِيمِيُّ، وَالرُّويَانِيُّ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ إِلَى أَنَّهُ لَا حَدَّ لِأَكْثَرِهَا.

وَرَوَى مِنْ طَرِيقِ إِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ، قَالَ: سَأَلَ رَجُلٌ الْأَسْوَدَ بْنَ يَزِيدَ: كَمْ أُصَلِّي الضُّحَى؟ قَالَ: كَمْ شِئْتَ. وَفِي حَدِيثِ عَائِشَةَ عِنْدَ مُسْلِمٍ: كَانَ يُصَلِّي الضُّحَى أَرْبَعًا، وَيَزِيدُ مَا شَاءَ اللَّهُ. وَهَذَا الْإِطْلَاقُ قَدْ يُحْمَلُ عَلَى التَّنفيذ، فَيُؤَكِّدُ أَنَّ أَكْثَرَهَا اثْنَتَا عَشْرَةَ رَكْعَةً، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَذَهَبَ آخَرُونَ إِلَى أَنَّ أَفْضَلَهَا أَرْبَعُ رَكَعَاتٍ، فَحَكَى الْحَاكِمُ فِي كِتَابِهِ الْمُفْرَدِ فِي صَلَاةِ الضُّحَى عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ أَئِمَّةِ الْحَدِيثِ، أَنَّهُمْ كَانُوا يَخْتَارُونَ أَنْ تُصَلَّى الضُّحَى أَرْبَعًا لِكَثْرَةِ الْأَحَادِيثِ الْوَارِدَةِ فِي ذَلِكَ كَحَدِيثِ أَبِي الدَّرْدَاءِ، وَأَبِي ذَرٍّ عِنْدَ التِّرْمِذِيِّ مَرْفُوعًا عَنِ اللَّهِ تَعَالَى: ابْنَ آدَمَ، ارْكَعْ لِي أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ مِنْ أَوَّلِ النَّهَارِ أَكْفِكَ آخِرَهُ. وَحَدِيثِ نُعَيْمِ بْنِ حَمَّادٍ عِنْدَ النَّسَائِيِّ، وَحَدِيثِ أَبِي أُمَامَةَ، وَعَبْدِ اللَّهِ


(١) في مخطوطة الرياض "من القانتين"