نَافِعٍ.
قَوْلُهُ: (نَعْيٌ) بِفَتْحِ النُّونِ وَسُكُونِ الْمُهْمَلَةِ، وَتَخْفِيفِ الْيَاءِ - وَكَسْرِ الْمُهْمَلَةِ، وَتَشْدِيدِ الْيَاءِ - هُوَ الْخَبَرُ بِمَوْتِ الشَّخْصِ، وَأَبُو سُفْيَانَ هُوَ ابْنُ حَرْبِ بْنِ أُمَيَّةَ وَالِدُ مُعَاوِيَةَ.
قَوْلُهُ: (دَعَتْ أُمُّ حَبِيبَةَ) هِيَ بِنْتُ أَبِي سُفْيَانَ الْمَذْكُورِ. وَفِي قَوْلِهِ: مِنَ الشَّامِ نَظَرٌ، لِأَنَّ أَبَا سُفْيَانَ مَاتَ بِالْمَدِينَةِ بِلَا خِلَافٍ بَيْنَ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالْأَخْبَارِ، وَالْجُمْهُورُ عَلَى أَنَّهُ مَاتَ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَثَلَاثِينَ، وَقِيلَ: سَنَةَ ثَلَاثٍ، وَلَمْ أَرَ فِي شَيْءٍ مِنْ طُرُقِ هَذَا الْحَدِيثِ تَقْيِيدَهُ بِذَلِكَ إِلَّا فِي رِوَايَةِ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ هَذِهِ، وَأَظُنُّهَا وَهْمًا، وَكُنْتُ أَظُنُّ أَنَّهُ حُذِفَ مِنْهُ لَفْظُ ابْنِ لِأَنَّ الَّذِي جَاءَ نَعْيُهُ مِنَ الشَّامِ وَأُمُّ حَبِيبَةَ فِي الْحَيَاةِ هُوَ أَخُوهَا يَزِيدُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ الَّذِي كَانَ أَمِيرًا عَلَى الشَّامِ، لَكِنْ رَوَاهُ الْمُصَنِّفُ فِي الْعِدَدِ مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ وَمِنْ طَرِيقِ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، كِلَاهُمَا عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أبي بَكْرِ بْنِ حَزْمٍ، عَنْ حُمَيْدِ بْنِ نَافِعٍ، بِلَفْظِ: حِينَ تُوُفِّيَ عَنْهَا أَبُوهَا أَبُو سُفْيَانَ بْنُ حَرْبٍ. فَظَهَرَ أَنَّهُ لَمْ يَسْقُطْ مِنْهُ شَيْءٌ، وَلَمْ يَقُلْ فِيهِ وَاحِدٌ مِنْهُمَا مِنَ الشَّامِ، وَكَذَا أَخْرَجَهُ ابْنُ سَعْدٍ فِي تَرْجَمَةِ أُمِّ حَبِيبَةَ مِنْ طَرِيقِ صَفِيَّةَ بِنْتِ أَبِي عُبَيْدٍ عَنْهَا. ثُمَّ وَجَدَتِ الْحَدِيثَ فِي مُسْنَدِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ حُمَيْدِ بْنِ نَافِعٍ - وَلَفْظُهُ - جَاءَ نَعْيُ أَخِي أُمِّ حَبِيبَةَ، أَوْ حَمِيمٍ لَهَا، فَدَعَتْ بِصُفْرَةٍ، فَلَطَّخَتْ بِهِ ذِرَاعَيْهَا. وَكَذَا رَوَاهُ الدَّارِمِيُّ، عَنْ هَاشِمِ بْنِ الْقَاسِمِ، عَنْ شُعْبَةَ لَكِنْ بِلَفْظِ: إِنَّ أَخًا لِأُمِّ حَبِيبَةَ مَاتَ أَوْ حَمِيمًا لَهَا.
وَرَوَاهُ أَحْمَدُ، عَنْ حَجَّاجٍ، وَمُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ جَمِيعًا، عَنْ شُعْبَةَ بِلَفْظِ: إِنَّ حَمِيمًا لَهَا مَاتَ. مِنْ غَيْرِ تَرَدُّدٍ، وَإِطْلَاقُ الْحَمِيمِ عَلَى الْأَخِ أَقْرَبُ مِنْ إِطْلَاقِهِ عَلَى الْأَبِ، فَقَوِيَ الظَّنُّ عِنْدَ هَذَا أَنْ تَكُونَ الْقِصَّةُ تَعَدَّدَتْ لِزَيْنَبَ مَعَ أُمِّ حَبِيبَةَ عِنْدَ وَفَاةِ أَخِيهَا يَزِيدَ، ثُمَّ عِنْدَ وَفَاةِ أَبِيهَا أَبِي سُفْيَانَ، لَا مَانِعَ مِنْ ذَلِكَ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
قَوْلُهُ: (بِصُفْرَةٍ) فِي رِوَايَةِ مَالِكٍ الْمَذْكُورَةِ: بِطِيبٍ فِيهِ صُفْرَةُ خَلُوقٍ. وَزَادَ فِيهِ: فَدَهَنَتْ مِنْهُ جَارِيَةً، ثُمَّ مَسَّتْ بِعَارِضَيْهَا؛ أَيْ بِعَارِضَيْ نَفْسِهَا.
قَوْلُهُ: (حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ) هُوَ ابْنُ أَبِي أُوَيْسِ ابْنِ أُخْتِ مَالِكٍ، وَسَاقَ الْحَدِيثَ هُنَا مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ مُخْتَصَرًا، وَأَوْرَدَهُ مُطَوَّلًا مِنْ طَرِيقِهِ فِي الْعِدَدِ كَمَا سَيَأْتِي.
قَوْلُهُ: (ثُمَّ دَخَلْتُ) هُوَ مَقُولُ زَيْنَبَ بِنْتِ أُمِّ سَلَمَةَ، وَهُوَ مُصَرَّحٌ بِهِ فِي الرِّوَايَةِ الَّتِي فِي الْعِدَدِ، وَظَاهِرُهُ أَنَّ هَذِهِ الْقِصَّةَ وَقَعَتْ بَعْدَ قِصَّةِ أُمِّ حَبِيبَةَ، وَلَا يَصِحُّ ذَلِكَ إِلَّا إِنْ قُلْنَا بِالتَّعَدُّدِ، وَيَكُونُ ذَلِكَ عَقِبَ وَفَاةِ يَزِيدَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ، لِأَنَّ وَفَاتَهُ سَنَةَ ثَمَانِ عَشْرَةَ أَوْ تِسْعَ عَشْرَةَ، وَلَا يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ عِنْدَ وَفَاةِ أَبِيهِ، لِأَنَّ زَيْنَبَ بِنْتَ جَحْشٍ مَاتَتْ قَبْلَ أَبِي سُفْيَانَ بِأَكْثَرَ مِنْ عَشْرِ سِنِينَ عَلَى الصَّحِيحِ الْمَشْهُورِ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالْأَخْبَارِ، فَيُحْمَلُ عَلَى أَنَّهَا لَمْ تُرِدْ تَرْتِيبَ الْوَقَائِعِ، وَإِنَّمَا أَرَادَتْ تَرْتِيبَ الْأَخْبَارِ. وَقَدْ وَقَعَ فِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُدَ بِلَفْظِ: وَدَخَلْتُ. وَذَلِكَ لَا يَقْتَضِي التَّرْتِيبَ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
قَوْلُهُ: (حِينَ تُوُفِّيَ أَخُوهَا) لَمْ أَتَحَقَّقْ مِنَ الْمُرَادِ بِهِ، لِأَنَّ لِزَيْنَبَ ثَلَاثَةَ إِخْوَةٍ: عَبْدَ اللَّهِ، وَعَبْدُ بِغَيْرِ إِضَافَةٍ، وَعُبَيْدَ اللَّهِ بِالتَّصْغِيرِ، فَأَمَّا الْكَبِيرُ فَاسْتُشْهِدَ بِأُحُدٍ، وَكَانَتْ زَيْنَبُ إِذْ ذَاكَ صَغِيرَةً جِدًّا، لِأَنَّ أَبَاهَا أَبَا سَلَمَةَ مَاتَ بَعْدَ بَدْرٍ، وَتَزَوَّجَ النَّبِيُّ ﷺ أُمَّهَا أُمَّ سَلَمَةَ وَهِيَ صَغِيرَةٌ تَرْضَعُ، كَمَا سَيَأْتِي فِي الرَّضَاعِ: أَنَّ أُمَّهَا حَلَّتْ مِنْ عِدَّتِهَا مِنْ أَبِي سَلَمَةَ بِوَضْعِ زَيْنَبَ هَذِهِ، فَانْتَفَى أَنْ يَكُونَ هُوَ الْمُرَادُ هُنَا، وَإِنْ كَانَ وَقَعَ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْمُوَطَّآتِ بِلَفْظِ: حِينَ تُوُفِّيَ أَخُوهَا عَبْدُ اللَّهِ، كَمَا أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ وَغَيْرِهِ، عَنْ مَالِكٍ.
وَأَمَّا عَبْدٌ بِغَيْرِ إِضَافَةٍ، فَيُعْرَفُ بِأَبِي حُمَيْدٍ، وَكَانَ شَاعِرًا أَعْمَى، وَعَاشَ إِلَى خِلَافَةِ عُمَرَ، وَقَدْ جَزَمَ ابنُ إِسْحَاقَ وَغَيْرُهُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالْأَخْبَارِ بِأَنَّهُ مَاتَ بَعْدَ أُخْتِهِ زَيْنَبَ بِسَنَةٍ، وَرَوَى ابْنُ سَعْدٍ فِي تَرْجَمَتِهَا فِي الطَّبَقَاتِ مِنْ وَجْهَيْنِ أَنَّ أَبَا حُمَيْدٍ الْمَذْكُورَ حَضَرَ جِنَازَةَ زَيْنَبَ مَعَ عُمَرَ، وَحُكِيَ عَنْهُ مُرَاجَعَةٌ لَهُ بِسَبَبِهَا، وَإِنْ كَانَ فِي إِسْنَادِهِمَا الْوَاقِدِيُّ، لَكِنْ يُسْتَشْهَدُ بِهِ فِي مِثْلِ هَذَا، فَانْتَفَى أَنَّ يكَوْنَ هَذَا الْأَخِيرُ الْمُرَادَ، وَأَمَّا عُبَيْدُ اللَّهِ الْمُصَغَّرُ قَدِيمًا، وَهَاجَرَ بِزَوْجَتِهِ أُمِّ حَبِيبَةَ بِنْتِ أَبِي سُفْيَانَ إِلَى الْحَبَشَةِ، ثُمَّ تَنَصَّرَ هُنَاكَ، وَمَاتَ فَتَزَوَّجَ النَّبِيُّ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute