عَنْهَا فَقَالَتْ رَحِمَ اللَّهُ عُمَرَ وَاللَّهِ مَا حَدَّثَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ إِنَّ اللَّهَ لَيُعَذِّبُ الْمُؤْمِنَ بِبُكَاءِ أَهْلِهِ عَلَيْهِ وَلَكِنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قال: "إِنَّ اللَّهَ لَيَزِيدُ الْكَافِرَ عَذَابًا بِبُكَاءِ أَهْلِهِ عَلَيْهِ" وَقَالَتْ حَسْبُكُمْ الْقُرْآنُ ﴿وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى﴾ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ ﵄ عِنْدَ ذَلِكَ وَاللَّهُ ﴿هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكَى﴾ قَالَ ابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ: وَاللَّهِ مَا قَالَ ابْنُ عُمَرَ ﵄ شَيْئًا"
[الحديث ١٢٨٨ - طرفاه في: ١٢٨٩، ٣٩٧٨]
١٢٨٩ - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَمْرَةَ بِنْتِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّهَا أَخْبَرَتْهُ أَنَّهَا سَمِعَتْ عَائِشَةَ ﵂ زَوْجَ النَّبِيِّ ﷺ قَالَتْ "إِنَّمَا مَرَّ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ عَلَى يَهُودِيَّةٍ يَبْكِي عَلَيْهَا أَهْلُهَا فَقَالَ: "إِنَّهُمْ لَيَبْكُونَ عَلَيْهَا وَإِنَّهَا لَتُعَذَّبُ فِي قَبْرِهَا"
١٢٩٠ - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ خَلِيلٍ حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مُسْهِرٍ حَدَّثَنَا أَبُو إِسْحَاقَ وَهْوَ الشَّيْبَانِيُّ عَنْ أَبِي بُرْدَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ "لَمَّا أُصِيبَ عُمَرُ ﵁ جَعَلَ صُهَيْبٌ يَقُولُ وَا أَخَاهُ فَقَالَ عُمَرُ أَمَا عَلِمْتَ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ: "إِنَّ الْمَيِّتَ لَيُعَذَّبُ بِبُكَاءِ الْحَيِّ"
قَوْلُهُ: (بَابُ قَوْلِ النَّبِيِّ ﷺ: يُعَذَّبُ الْمَيِّتُ بِبَعْضِ بُكَاءِ أَهْلِهِ عَلَيْهِ إِذَا كَانَ النَّوْحُ مِنْ سُنَّتِهِ) هَذَا تَقْيِيدٌ مِنَ الْمُصَنِّفِ لِمُطْلَقِ الْحَدِيثِ، وَحمْلٌ مِنْهُ لِرِوَايَةِ ابْنِ عَبَّاسٍ الْمُقَيَّدَةِ بِالْبَعْضِيَّةِ عَلَى رِوَايَةِ ابْنِ عُمَرَ الْمُطْلَقَةِ كَمَا سَاقَهُ فِي الْبَابِ عَنْهُمَا، وَتَفْسِيرٌ مِنْهُ لِلْبَعْضِ الْمُبْهَمِ فِي رِوَايَةِ ابْنِ عَبَّاسٍ بِأَنَّهُ النَّوْحُ، وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّ الْمَحْذُورَ بَعْضُ الْبُكَاءِ لَا جَمِيعُهُ، كَمَا سَيَأْتِي بَيَانُهُ.
وقَوْلُهُ: (إِذَا كَانَ النَّوْحُ مِنْ سُنَّتِهِ) يُوهِمُ أَنَّهُ بَقِيَّةُ الْحَدِيثِ الْمَرْفُوعِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ، بَلِ الْمُصَنِّفُ قَالَهُ تَفَقُّهًا، وَبَقِيَّةُ السِّيَاقِ يُرْشِدُ إِلَى ذَلِكَ، وَهَذَا الَّذِي جَزَمَ بِهِ هُوَ أَحَدُ الْأَقْوَالِ فِي تَأْوِيلِ الْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ كَمَا سَيَأْتِي بَيَانُهُ. وَاخْتُلِفَ فِي ضَبْطِ قَوْلِهِ: مِنْ سُنَّتِهِ، فَلِلْأَكْثَرِ فِي الْمَوْضِعَيْنِ بِضَمِّ الْمُهْمَلَةِ وَتَشْدِيدِ النُّونِ؛ أَيْ طَرِيقَتُهُ وَعَادَتُهُ، وَضَبَطَهُ بَعْضُهُمْ بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ بَعْدَهَا مُوَحَّدَتَانِ: الْأُولَى مَفْتُوحَةٌ، أَيْ مِنْ أَجْلِهِ، قَالَ صَاحِبُ الْمَطَالِعِ: حُكِيَ عَنْ أَبِي الْفَضْلِ بْنِ نَاصِرٍ أَنَّهُ رَجَّحَ هَذَا، وَأَنْكَرَ الْأَوَّلَ، فَقَالَ: وَأَيُّ سُنَّةٍ لِلْمَيِّتِ؟ انْتَهَى. وَقَالَ الزَّيْنُ بْنُ الْمُنِيرِ: بَلِ الْأَوَّلُ أَوْلَى لِإِشْعَارِهِ بِالْعِنَايَةِ بِذَلِكَ، إِذْ لَا يُقَالُ: مِنْ سُنَّتِهِ إِلَّا عِنْدَ غَلَبَةِ ذَلِكَ عَلَيْهِ، وَاشْتِهَارِهِ بِهِ. قُلْتُ: وَكَأَنَّ الْبُخَارِيَّ أُلْهِمَ هَذَا الْخِلَافَ، فَأَشَارَ إِلَى تَرْجِيحِ الْأَوَّلِ حَيْثُ اسْتَشْهَدَ بِالْحَدِيثِ الَّذِي فِيهِ؛ لِأَنَّهُ أَوَّلُ مَنْ سَنَّ الْقَتْلَ، فَإِنَّهُ يُثْبِتُ مَا اسْتَبْعَدَهُ ابْنُ نَاصِرٍ بِقَوْلِهِ: وَأَيُّ سُنَّةٍ لِلْمَيِّتِ؟ وَأَمَّا تَعْبِيرُ الْمُصَنِّفِ بِالنَّوْحِ، فَمُرَادُهُ مَا كَانَ مِنَ الْبُكَاءِ بِصِيَاحٍ وَعَوِيلٍ، وَمَا يَلْتَحِقُ بِذَلِكَ مِنْ لَطْمِ خَدٍّ وَشَقِّ جَيْبٍ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْمَنْهِيَّاتِ.
قَوْلُهُ: (لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: ﴿قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا﴾ وَجْهُ الِاسْتِدْلَالِ لِمَا ذَهَبَ إِلَيْهِ مِنْ هَذِهِ الْآيَةِ أَنَّ هَذَا الْأَمْرَ عَامٌّ فِي جِهَاتِ الْوِقَايَةِ، وَمِنْ جُمْلَتِهَا أَنْ لَا يَكُونَ الْأَصْلُ مُولَعًا بِأَمْرٍ مُنْكَرٍ، لِئَلَّا يَجْرِيَ أَهْلُهُ عَلَيْهِ بَعْدَهُ، أَوْ يَكُونَ قَدْ عَرَفَ أَنَّ لِأَهْلِهِ عَادَةٌ بِفِعْلِ أَمْرٍ مُنْكَرٍ، وَأَهْمَلَ نَهْيَهَمْ عَنْهُ، فَيَكُونَ لَمْ يَقِ نَفْسَهُ وَلَا أَهْلَهُ.
قَوْلُهُ: (وَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ: كُلُّكُمْ رَاعٍ. . . الْحَدِيثَ) هُوَ طَرَفٌ مِنْ حَدِيثٍ لِابْنِ عُمَرَ تَقَدَّمَ مَوْصُولًا فِي الْجُمُعَةِ، وَوَجْهُ الِاسْتِدْلَالِ مِنْهُ مَا تَقَدَّمَ، لِأَنَّ مِنْ جُمْلَةِ رِعَايَتِهِ لَهُمْ أَنْ يَكُونَ الشَّرُّ مِنْ طَرِيقَتِهِ، فَيَجْرِيَ أَهْلُهُ عَلَيْهِ، أَوْ يَرَاهُمْ يَفْعَلُونَ الشَّرَّ فَلَا يَنْهَاهُمْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute