للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

مُسْتَنَدٍ، وَكَأَنَّهُ اسْتَبْعَدَ أَنْ يَقَعَ لِعُثْمَانَ ذَلِكَ لِحِرْصِهِ عَلَى مُرَاعَاةِ الْخَاطِرِ الشَّرِيفِ. وَيُجَابُ عَنْهُ بِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ مَرَضُ الْمَرْأَةِ طَالَ وَاحْتَاجَ عُثْمَانُ إِلَى الْوِقَاعِ، وَلَمْ يَظُنَّ عُثْمَانُ أَنَّهَا تَمُوتُ تِلْكَ اللَّيْلَةَ، وَلَيْسَ فِي الْخَبَرِ مَا يَقْتَضِي أَنَّهُ وَاقَعَ بَعْدَ مَوْتِهَا، بَلْ وَلَا حِينَ احْتِضَارِهَا، وَالْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى.

وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ جَوَازُ الْبُكَاءِ كَمَا تَرْجَمَ لَهُ، وَإِدْخالُ الرِّجَالِ الْمَرْأَةَ قَبْرَهَا لِكَوْنِهِمْ أَقْوَى عَلَى ذَلِكَ مِنَ النِّسَاءِ، وَإِيثَارُ الْبَعِيدِ الْعَهْدِ عَنِ الْمَلَاذِ فِي مُوَارَاةِ الْمَيِّتِ - وَلَوْ كَانَ امْرَأَةً - عَلَى الْأَبِ وَالزَّوْجِ، وَقِيلَ: إِنَّمَا آثَرَهُ بِذَلِكَ لِأَنَّهَا كَانَتْ صَنْعَتَهُ، وَفِيهِ نَظَرٌ، فَإِنَّ ظَاهِرَ السِّيَاقِ أَنَّهُ اخْتَارَهُ لِذَلِكَ لِكَوْنِهِ لَمْ يَقَعْ مِنْهُ فِي تِلْكَ اللَّيْلَةِ جِمَاعٌ، وَعَلَّلَ ذَلِكَ بَعْضُهُمْ بِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يَأْمَنُ مِنْ أَنْ يُذَكِّرَهُ الشَّيْطَانُ بِمَا كَانَ مِنْهُ تِلْكَ اللَّيْلَةَ، وَحُكِيَ عَنِ ابْنِ حَبِيبٍ أَنَّ السِّرَّ فِي إِيثَارِ أَبِي طَلْحَةَ عَلَى عُثْمَانَ أَنَّ عُثْمَانَ كَانَ قَدْ جَامَعَ بَعْضَ جَوَارِيهِ فِي تِلْكَ اللَّيْلَةِ، فَتَلَطَّفَ فِي مَنْعِهِ مِنَ النُّزُولِ فِي قَبْرِ زَوْجَتِهِ بِغَيْرِ تَصْرِيحٍ، وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ حَمَّادٍ الْمَذْكُورَةِ: فَلَمْ يَدْخُلْ عُثْمَانُ الْقَبْرَ. وَفِيهِ جَوَازُ الْجُلُوسِ عَلَى شَفِيرِ الْقَبْرِ عِنْدَ الدَّفْنِ، وَاسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى جَوَازِ الْبُكَاءِ بَعْدَ الْمَوْتِ، وَحَكَى ابْنُ قُدَامَةَ فِي الْمُغْنِي عَنِ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ يُكْرَهُ لِحَدِيثِ جَبْرِ بْنِ عَتِيكٍ فِي الْمُوَطَّأِ، فَإِنَّ فِيهِ: فَإِذَا وَجَبَ فَلَا تَبْكِيَنَّ بَاكِيَةٌ. يَعْنِي إِذَا مَاتَ. وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى الْأَوْلَوِيَّةِ، وَالْمُرَادُ: لَا تَرْفَعْ صَوْتَهَا بِالْبُكَاءِ، وَيُمْكِنُ أَنْ يُفَرَّقَ بَيْنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ فِي ذَلِكَ، لِأَنَّ النِّسَاءَ قَدْ يُفْضِي بِهِنَّ الْبُكَاءُ إِلَى مَا يُحْذَرُ مِنَ النَّوْحِ لِقِلَّةِ صَبْرِهِنَّ، وَاسْتَدَلَّ بِهِ بَعْضُهُمْ عَلَى جَوَازِ الْجُلُوسِ عَلَيْهِ مُطْلَقًا، وَفِيهِ نَظَرٌ، وَسَيَأْتِي الْبَحْثُ فِيهِ فِي بَابٍ مُفْرَدٍ، إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.

وَفِيهِ فَضِيلَةٌ لِعُثْمَانَ لِإِيثَارِهِ الصِّدْقَ وَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ فِيهِ غَضَاضَةٌ.

الْحَدِيثُ الثَّالِثُ:

قَوْلُهُ: (عَبْدَ اللَّهِ) هُوَ ابْنُ الْمُبَارَكِ.

قَوْلُهُ: (بِنْتٌ لِعُثْمَانَ) هِيَ أُمُّ أَبَانَ كَمَا سَيَأْتِي مِنْ رِوَايَةِ أَيُّوبَ.

قَوْلُهُ. (وَإِنِّي لَجَالِسٌ بَيْنَهُمَا، أَوْ قَالَ: جَلَسْتُ إِلَى أَحَدِهِمَا) هَذَا شَكٌّ مِنَ ابْنِ جُرَيْجٍ، وَلِمُسْلِمٍ مِنْ طَرِيقِ أَيُّوبَ، عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ قَالَ: كُنْتُ جَالِسًا إِلَى جَنْبِ ابْنِ عُمَرَ وَنَحْنُ نَنْتَظِرُ جِنَازَةَ أُمِّ أَبَانَ بِنْتِ عُثْمَانَ، وَعِنْدَهُ عَمْرُو بْنُ عُثْمَانَ، فَجَاءَ ابْنُ عَبَّاسٍ يَقُودُهُ قَائِدُهُ فَأُرَاهُ أَخْبَرَهُ بِمَكَانِ ابْنِ عُمَرَ فَجَاءَ حَتَّى جَلَسَ إِلَى جَنْبِي، فَكُنْتُ بَيْنَهُمَا، فَإِذَا صَوْتٌ مِنَ الدَّارِ. وَفِي رِوَايَةِ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ عِنْدَ الْحُمَيْدِيِّ: فَبَكَى النِّسَاءُ. فَظَهَرَ السَّبَبُ فِي قَوْلِ ابْنِ عُمَرَ، لِعَمْرِو بْنِ عُثْمَانَ مَا قَالَ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمَكَانَ الَّذِي جَلَسَ فِيهِ ابْنُ عَبَّاسٍ كَانَ أَوْفَقَ لَهُ مِنَ الْجُلُوسِ بِجَنْبِ ابْنِ عُمَرَ، أَوِ اخْتَارَ أَنْ لَا يُقِيمَ ابْنَ أَبِي مُلَيْكَةَ مِنْ مَكَانِهِ وَيَجْلِسُ فِيهِ لِلنَّهْيِ عَنْ ذَلِكَ.

قَوْلُهُ: (فَلَمَّا أُصِيبَ عُمَرُ) يَعْنِي بِالْقَتْلِ، وَأَفَادَ أَيُّوبُ فِي رِوَايَتِهِ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ عَقِبَ الْحَجَّةِ الْمَذْكُورَةِ، وَلَفْظُهُ: فَلَمَّا قَدِمْنَا لَمْ يَلْبَثْ عُمَرُ أَنْ أُصِيبَ وَفِي رِوَايَةِ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ: لَمْ يَلْبَثْ أَنْ طُعِنَ.

قَوْلُهُ: (قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: فَلَمَّا مَاتَ عُمَرُ) هَذَا صَرِيحٌ فِي أَنَّ حَدِيثَ عَائِشَةَ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْهَا، وَرِوَايَةُ مُسْلِمٍ تُوهِمُ أَنَّهُ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ عَنْهَا، وَالْقِصَّةُ كَانَتْ بَعْدَ مَوْتِ عَائِشَةَ لِقَوْلِهِ فِيهَا: فَجَاءَ ابْنُ عَبَّاسٍ يَقُودُهُ قَائِدُهُ فَإِنَّهُ إِنَّمَا عَمِيَ فِي أَوَاخِرِ عُمُرِهِ، وَيُؤَيِّدُ كَوْنَ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ لَمْ يَحْمِلْهُ عَنْهَا أَنَّ عِنْدَ مُسْلِمٍ فِي أَوَاخِرِ الْقِصَّةِ قَالَ ابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ: وَحَدَّثَنِي الْقَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ: لَمَّا بَلَغَ عَائِشَةَ قَوْلُ ابْنِ عُمَرَ قَالَتْ: إِنَّكُمْ لَتُحَدِّثُونَنِي عَنْ غَيْرِ كَاذِبِينَ وَلَا مُكَذَّبِينَ، وَلَكِنَّ السَّمْعَ يُخْطِئُ. وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ ابْنَ عُمَرَ كَانَ قَدْ حَدَّثَ بِهِ مِرَارًا. وَسَيَأْتِي فِي الْحَدِيثِ الَّذِي بَعْدَهُ أَنَّهُ حَدَّثَ بِذَلِكَ أَيْضًا لَمَّا مَاتَ رَافِعُ بْنُ خَدِيجٍ.

قَوْلُهُ: (وَلَكِنْ رَسُولُ اللَّهِ بِسُكُونِ نُونِ لَكِنْ، وَيَجُوزُ تَشْدِيدُهَا.

قَوْلُهُ: (حَسْبُكُمْ) بِسُكُونِ السِّينِ الْمُهْمَلَةِ؛ أَيْ كَافِيكُمْ. (الْقُرْآنُ)؛ أَيْ فِي تَأْيِيدِ مَا ذَهَبْتُ إِلَيْهِ مِنْ رَدِّ الْخَبَرِ.

قَوْلُهُ: (قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ عِنْدَ ذَلِكَ) أَيْ عِنْدَ انْتِهَاءِ حَدِيثِهِ عَنْ عَائِشَةَ (وَاللَّهُ هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكَى) أَيْ أَنَّ الْعَبْرَةَ لَا يَمْلِكُهَا ابْنُ آدَمَ وَلَا تَسَبُّبَ لَهُ فِيهَا، فَكَيْفَ يُعَاقَبُ عَلَيْهَا فَضْلًا عَنِ الْمَيِّتِ. وَقَالَ الدَّاوُدِيُّ: مَعْنَاهُ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَذِنَ فِي الْجَمِيلِ مِنَ