للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

قَوْلُهُ: (فَزَعَمَتْ) أَيْ عَائِشَةُ وَهُوَ مَقُولُ عَمْرَةَ، وَالزَّعْمُ قَدْ يُطْلَقُ عَلَى الْقَوْلِ الْمُحَقَّقِ، وَهُوَ الْمُرَادُ هُنَا.

قَوْلُهُ: (أَنَّهُ قَالَ) فِي الرِّوَايَةِ الْآتِيَةِ بَعْدَ أَرْبَعَةِ أَبْوَابٍ: أَنَّ النَّبِيَّ Object قَالَ.

قَوْلُهُ: (فَاحْثُ) بِضَمِّ الْمُثَلَّثَةِ وَبِكَسْرِهَا، يُقَالُ: حَثَا يَحْثُو وَيَحْثِي.

قَوْلُهُ: (التُّرَابَ) فِي الرِّوَايَةِ الْآتِيَةِ: مِنَ التُّرَابِ.

قَالَ الْقُرْطُبِيُّ: هَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُنَّ رَفَعْنَ أَصْوَاتَهُنَّ بِالْبُكَاءِ، فَلَمَّا لَمْ يَنْتَهِينَ أَمَرَهُ أَنْ يَسُدَّ أَفْوَاهَهُنَّ بِذَلِكَ، وَخَصَّ الْأَفْوَاهَ بِذَلِكَ لِأَنَّهَا مَحَلُّ النَّوْحِ بِخِلَافِ الْأَعْيُنِ مَثَلًا. انْتَهَى. وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ كِنَايَةً عَنِ الْمُبَالَغَةِ فِي الزَّجْرِ، أَوِ الْمَعْنَى: أَعْلِمْهُنَّ أَنَّهُنَّ خَائِبَاتٌ مِنَ الْأَجْرِ الْمُتَرَتِّبِ عَلَى الصَّبْرِ لِمَا أَظْهَرْنَ مِنَ الْجَزَعِ كَمَا يُقَالُ لِلْخَائِبِ: لَمْ يُحَصِّلْ فِي يَدِهِ إِلَّا التُّرَابَ. لَكِنْ يُبْعِدُ هَذَا الِاحْتِمَالَ قَوْلُ عَائِشَةَ الْآتِي. وَقِيلَ: لَمْ يُرَدْ بِالْأَمْرِ حَقِيقَتُهُ. قَالَ عِيَاضٌ: هُوَ بِمَعْنَى التَّعْجِيزِ، أَيْ أَنَّهُنَّ لَا يَسْكُتْنَ إِلَّا بِسَدِّ أَفْوَاهِهِنَّ، وَلَا يَسُدُّهَا إِلَّا أَنْ تُمْلَأَ بِالتُّرَابِ، فَإِنْ أَمْكَنَكَ فَافْعَلْ. وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ: يَحْتَمِلُ أَنَّهُنَّ لَمْ يُطِعْنَ النَّاهِيَ لِكَوْنِهِ لَمْ يُصَرِّحْ لَهُنَّ بِأَنَّ النَّبِيَّ Object نَهَاهُنَّ، فَحُمِلَ ذَلِكَ عَلَى أَنَّهُ مُرْشِدٌ لِلْمَصْلَحَةِ مِنْ قِبَلِ نَفْسِهِ، أَوْ عَلِمْنَ ذَلِكَ لَكِنْ غَلَبَ عَلَيْهِنَّ شِدَّةُ الْحُزْنِ لِحَرَارَةِ الْمُصِيبَةِ. ثُمَّ الظَّاهِرُ أَنَّهُ كَانَ فِي بُكَائِهِنَّ زِيَادَةٌ عَلَى الْقَدْرِ الْمُبَاحِ، فَيَكُونُ النَّهْيُ لِلتَّحْرِيمِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ كَرَّرَهُ، وَبَالَغَ فِيهِ، وَأَمَرَ بِعُقُوبَتِهِنَّ إِنْ لَمْ يَسْكُتْنَ. وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ بُكَاءً مُجَرَّدًا، وَالنَّهْيُ لِلتَّنْزِيهِ، وَلَوْ كَانَ لِلتَّحْرِيمِ لَأَرْسَلَ غَيْرَ الرَّجُلِ الْمَذْكُورِ لِمَنْعِهِنَّ، لِأَنَّهُ لَا يُقِرُّ عَلَى بَاطِلٍ.

وَيَبْعُدُ تَمَادِي الصَّحَابِيَّاتِ بَعْدَ تَكْرَارِ النَّهْيِ عَلَى فِعْلِ الْأَمْرِ الْمُحَرَّمِ، وَفَائِدَةُ نَهْيِهِنَّ عَنِ الْأَمْرِ الْمُبَاحِ خَشْيَةَ أَنْ يَسْتَرْسِلْنَ فِيهِ، فَيُفْضِي بِهِنَّ إِلَى الْأَمْرِ الْمُحَرَّمِ لِضَعْفِ صَبْرِهِنَّ، فَيُسْتَفَادُ مِنْهُ جَوَازُ النَّهْيِ عَنِ الْمُبَاحِ عِنْدَ خَشْيَةِ إِفْضَائِهِ إِلَى مَا يَحْرُمُ.

قَوْلُهُ: (فَقُلْتُ) هُوَ مَقُولُ عَائِشَةَ.

قَوْلُهُ: (أَرْغَمَ اللَّهُ أَنْفَكَ) بِالرَّاءِ وَالْمُعْجَمَةِ أَيِ أِلْصَقَهُ بِالرَّغَامِ بِفَتْحِ الرَّاءِ وَالْمُعْجَمَةِ، وَهُوَ التُّرَابُ إِهَانَةً وَإِذْلَالًا، وَدَعَتْ عَلَيْهِ مِنْ جِنْسِ مَا أَمَرَ أَنْ يَفْعَلَهُ بِالنِّسْوَةِ لِفَهْمِهَا مِنْ قَرَائِنِ الْحَالِ أَنَّهُ أَحْرَجَ النَّبِيَّ Object بِكَثْرَةِ تَرَدُّدِهِ إِلَيْهِ فِي ذَلِكَ.

قَوْلُهُ: (لَمْ تَفْعَلْ) قَالَ الْكِرْمَانِيُّ: أَيْ لَمْ تُبَلِّغِ النَّهْيَ، وَنَفَتْهُ وَإِنْ كَانَ قَدْ نَهَى، وَلَمْ يُطِعْنَهُ، لِأَنَّ نَهْيَهُ لَمْ يَتَرَتَّبْ عَلَيْهِ الِامْتِثَالُ، فَكَأَنَّهُ لَمْ يَفْعَلْ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ تَكُونَ أَرَادَتْ لَمْ تَفْعَلْ؛ أَيِ الْحَثْوَ بِالتُّرَابِ. قُلْتُ: لَفْظَةُ لَمْ يُعَبَّرُ بِهَا عَنِ الْمَاضِي، وَقَوْلُهَا ذَلِكَ وَقَعَ قَبْلَ أَنْ يَتَوَجَّهَ، فَمِنْ أَيْنَ عَلِمَتْ أَنَّهُ لَمْ يَفْعَلْ؟ فَالظَّاهِرُ أَنَّهَا قَامَتْ عِنْدَهَا قَرِينَةٌ بِأَنَّهُ لَا يَفْعَلُ، فَعَبَّرَتْ عَنْهُ بِلَفْظِ الْمَاضِي مُبَالَغَةً فِي نَفْيِ ذَلِكَ عَنْهُ، وَهُوَ مُشْعِرٌ بِأَنَّ الرَّجُلَ الْمَذْكُورَ كَانَ مَنِ أَلْزَامِ (١) النِّسْوَةِ الْمَذْكُورَاتِ، وَقَدْ وَقَعَ فِي الرِّوَايَةِ الْآتِيَةِ بَعْدَ أَرْبَعَةِ أَبْوَابٍ: فَوَاللَّهِ مَا أَنْتَ بِفَاعِلٍ ذَلِكَ. وَكَذَا لِمُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ، فَظَهَرَ أَنَّهُ مِنْ تَصَرُّفِ الرُّوَاةِ.

قَوْلُهُ: (مِنَ الْعَنَاءِ) بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ وَالنُّونِ وَالْمَدِّ؛ أَيِ الْمَشَقَّةِ وَالتَّعَبِ، وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ: مِنَ الْعِيِّ بِكَسْرِ الْمُهْمَلَةِ وَتَشْدِيدِ التَّحْتَانِيَّةِ، وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ الْعُذْرِيِّ: الْغَيِّ بِفَتْحِ الْمُعْجَمَةِ، بِلَفْظٍ ضِدَّ الرُّشْدِ. قَالَ عِيَاضٌ: وَلَا وَجْهَ لَهُ هُنَا. وَتُعُقِّبَ بِأَنَّ لَهُ وَجْهًا، وَلَكِنَّ الْأَوَّلَ أَلْيَقُ لِمُوَافَقَتِهِ لِمَعْنَى الْعَنَاءِ الَّتِي هِيَ رِوَايَةُ الْأَكْثَرِ، قَالَ النَّوَوِيُّ: مُرَادُهَا أَنَّ الرَّجُلَ قَاصِرٌ عَنِ الْقِيَامِ بِمَا أُمِرَ بِهِ مِنَ الْإِنْكَارِ وَالتَّأْدِيبِ، وَمَعَ ذَلِكَ لَمْ يُفْصِحْ بِعَجْزِهِ عَنْ ذَلِكَ لِيُرْسِلَ غَيْرَهُ فَيَسْتَرِيحَ مِنَ التَّعَبِ.

وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ مِنَ الْفَوَائِدِ أَيْضًا جَوَازُ الْجُلُوسِ لِلْعَزَاءِ بِسَكِينَةٍ وَوَقَارٍ، وَجَوَازُ نَظَرِ النِّسَاءِ الْمُحْتَجِبَاتِ إِلَى الرِّجَالِ الْأَجَانِبِ، وَتَأْدِيبِ مَنْ نُهِيَ عَمَّا لَا يَنْبَغِي لَهُ فِعْلُهُ إِذَا لَمْ يَنْتَهِ، وَجَوَازُ الْيَمِينِ لِتَأْكِيدِ الْخَبَرِ.

(تَنْبِيهٌ): هَذَا الْحَدِيثُ لَمْ يَرْوِهِ عَنْ عَمْرَةَ إِلَّا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، وَقَدْ رَوَاهُ عَنْ عَائِشَةَ أَيْضًا الْقَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدٍ، أَخْرَجَهُ ابْنُ إِسْحَاقَ فِي الْمَغَازِي، قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْقَاسِمِ عَنْ أَبِيهِ. فَذَكَرَ نَحْوَهُ. وَفِيهِ مِنَ الزِّيَادَةِ فِي أَوَّلِهِ: قَالَتْ عَائِشَةُ: وَقَدْ نَهَانَا خَيْرُ النَّاسِ عَنِ التَّكَلُّفِ (٢).

قَوْلُهُ:


(١) كذا في النسخ، وليس بظاهر المعنى، فليتأمل
(٢) في نسخة أخرى "وقديما ما ضر الناس التكليف"