أَوْجَبَ. حَسَّنَهُ التِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ (١)، وَفِي رِوَايَةٍ لَهُ إِلَّا غُفِرَ لَهُ قَالَ الطَّبَرِيُّ: يَنْبَغِي لِأَهْلِ الْمَيِّتِ إِذَا لَمْ يَخْشَوْا عَلَيْهِ التَّغَيُّرَ أَنْ يَنْتَظِرُوا بِهِ اجْتِمَاعَ قَوْمٍ يَقُومُ مِنْهُمْ ثَلَاثَةُ صُفُوفٍ لِهَذَا الْحَدِيثِ. انْتَهَى. وَتَعَقَّبَ بَعْضُهُمُ التَّرْجَمَةَ بِأَنَّ أَحَادِيثَ الْبَابِ لَيْسَ فِيهَا صَلَاةٌ عَلَى جِنَازَةٍ، وَإِنَّمَا فِيهَا الصَّلَاةُ عَلَى الْغَائِبِ أَوْ عَلَى مَنْ فِي الْقَبْرِ، وَأُجِيبَ بِأَنَّ الِاصْطِفَافَ إِذَا شُرِعَ وَالْجِنَازَةُ غَائِبَةٌ فَفِي الْحَاضِرَةِ أَوْلَى. وَأَجَابَ الْكِرْمَانِيُّ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْجِنَازَةِ فِي التَّرْجَمَةِ الْمَيِّتُ سَوَاءٌ كَانَ مَدْفُونًا أَوْ غَيْرُ مَدْفُونٍ، فَلَا مُنَافَاةَ بَيْنَ التَّرْجَمَةِ وَالْحَدِيثِ.
قَوْلُهُ: (عَنْ سَعِيدٍ) هُوَ ابْنُ الْمُسَيَّبِ كَذَا رَوَاهُ أَصْحَابُ مَعْمَرٍ الْبَصْرِيُّونَ عَنْهُ، وَكَذَا هُوَ فِي مُصَنَّفِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ، وَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ رَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، فَقَالَ فِيهِ: عَنْ سَعِيدٍ، وَأَبِي سَلَمَةَ. وَكَذَا أَخْرَجَهُ ابْنُ حِبَّانَ مِنْ طَرِيقِ يُونُسَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْهُمَا، وَكَذَا ذَكَرَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي غَرَائِبِ مَالِكٍ مِنْ طَرِيقِ خَالِدِ بْنِ مَخْلَدٍ وَغَيْرِهِ عَنْ مَالِكٍ، وَالْمَحْفُوظُ عَنْ مَالِكٍ لَيْسَ فِيهِ ذِكْرُ أَبِي سَلَمَةَ، كَذَا هُوَ فِي الْمُوَطَّأِ، وَكَذَا أَخْرَجَهُ الْمُصَنِّفُ كَمَا تَقَدَّمَ فِي أَوَائِلِ الْجَنَائِزِ، وَالْمَحْفُوظُ عَنِ الزُّهْرِيِّ أَنَّ نَعْيَ النَّجَاشِيِّ وَالْأَمْرَ بِالِاسْتِغْفَارِ لَهُ عِنْدَهُ عَنْ سَعِيدٍ، وَأَبِي سَلَمَةَ جَمِيعًا. وَأَمَّا قِصَّةُ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ وَالتَّكْبِيرُ، فَعِنْدَهُ عَنْ سَعِيدٍ وَحْدَهُ، كَذَا فَصَّلَهُ عُقَيْلٌ عَنْهُ، كَمَا سَيَأْتِي بَعْدَ خَمْسَةِ أَبْوَابٍ، وَكَذَا يَأْتِي فِي هِجْرَةِ الْحَبَشَةِ مِنْ طَرِيقِ صَالِحِ بْنِ كَيْسَانَ عَنْهُ، وَذَكَرَ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي الْعِلَلِ الِاخْتِلَافَ فِيهِ وَقَالَ: إِنَّ الصَّوَابَ مَا ذَكَرْنَاهُ.
قَوْلُهُ: (نَعَى النَّجَاشِيَّ) بِفَتْحِ النُّونِ وَتَخْفِيفِ الْجِيمِ وَبَعْدَ الْأَلِفِ شِينٌ مُعْجَمَةٌ، ثُمَّ يَاءٌ ثَقِيلَةٌ كَيَاءِ النَّسَبِ، وَقِيلَ: بِالتَّخْفِيفِ، وَرَجَّحَهُ الصَّغَانِيُّ، وَهُوَ لَقَبُ مَنْ مَلَكَ الْحَبَشَةَ، وَحَكَى الْمُطَرِّزِيُّ تَشْدِيدَ الْجِيمِ عَنْ بَعْضِهِمْ وَخَطَّأَهُ.
قَوْلُهُ: (ثُمَّ تَقَدَّمَ) زَادَ ابْنُ مَاجَهْ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الْأَعْلَى، عَنْ مَعْمَرٍ: فَخَرَجَ وَأَصْحَابُهُ إِلَى الْبَقِيعِ، فَصَفَّنَا خَلْفَهُ. وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي أَوَائِلِ الْجَنَائِزِ مِنْ رِوَايَةِ مَالِكٍ بِلَفْظِ: فَخَرَجَ بِهِمْ إِلَى الْمُصَلَّى. وَالْمُرَادُ بِالْبَقِيعِ بَقِيعُ بَطْحَانَ، أَوْ يَكُونُ الْمُرَادُ بِالْمُصَلَّى مَوْضِعًا مُعَدًّا لِلْجَنَائِزِ بِبَقِيعِ الْغَرْقَدِ غَيْرَ مُصَلَّى الْعِيدَيْنِ وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ، وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي الْعِيدَيْنِ أَنَّ الْمُصَلَّى كَانَ بِبَطْحَانَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
قَوْلُهُ: (حَدَّثَنَا مُسْلِمٌ) هُوَ ابْنُ إِبْرَاهِيمَ، وَحَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ الْمَذْكُورُ سَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَيْهِ بَعْدَ اثْنَيْ عَشَرَ بَابًا.
قَوْلُهُ: (قَدْ تُوُفِّيَ الْيَوْمَ رَجُلٌ صَالِحٌ مِنَ الْحَبَشِ) بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ وَالْمُوَحَّدَةِ بَعْدَهَا مُعْجَمَةٌ، فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ مِنْ طَرِيقِ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ: مَاتَ الْيَوْمَ عَبْدٌ لِلَّهِ صَالِحٌ أَصْحَمَةُ. وَلِلْمُصَنِّفِ فِي هِجْرَةِ الْحَبَشَةِ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ عُيَيْنَةَ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ: فَقُومُوا فَصَلُّوا عَلَى أَخِيكُمْ أَصْحَمَةَ. وَسَيَأْتِي ضَبْطُ هَذَا الِاسْمِ بَعْدُ فِي بَابِ التَّكْبِيرِ عَلَى الْجِنَازَةِ.
قَوْلُهُ: (فَصَلَّى النَّبِيُّ ﷺ زَادَ الْمُسْتَمْلِي فِي رِوَايَتِهِ وَنَحْنُ صُفُوفٌ وَبِهِ يَصِحُّ مَقْصُودُ التَّرْجَمَةِ. وَقَالَ الْكِرْمَانِيُّ: يُؤْخَذُ مَقْصُودُهَا مِنْ قَوْلِهِ: فَصَفَفْنَا لِأَنَّ الْغَالِبَ أَنَّ الْمُلَازِمِينَ لَهُ ﷺ كَانُوا كَثِيرًا، وَلَا سِيَّمَا مَعَ أَمْرِهِ لَهُمْ بِالْخُرُوجِ إِلَى الْمُصَلَّى.
قَوْلُهُ: (قَالَ أَبُو الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ: كُنْتُ فِي الصَّفِّ الثَّانِي) وَصَلَهُ النَّسَائِيُّ مِنْ طَرِيقِ شُعْبَةَ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ بِلَفْظِ: كُنْتُ فِي الصَّفِّ الثَّانِي يَوْمَ صَلَّى النَّبِيُّ ﷺ عَلَى النَّجَاشِيِّ. وَوَهِمَ مَنْ نَسَبَ وَصْلَ هَذَا التَّعْلِيقِ لِرِوَايَةِ مُسْلِمٍ، فَإِنَّهُ أَخْرَجَهُ مِنْ طَرِيقِ أَيُّوبَ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ وَلَيْسَ فِيهِ مَقْصُودُ التَّعْلِيقِ.
وَفِي الْحَدِيثِ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ لِلصُّفُوفِ عَلَى الْجِنَازَةِ تَأْثِيرًا وَلَوْ كَانَ الْجَمْعُ كَثِيرًا، لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ الَّذِينَ خَرَجُوا مَعَهُ ﷺ كَانُوا عَدَدًا كَثِيرًا، وَكَانَ الْمُصَلَّى فَضَاءً، وَلَا يَضِيقُ بِهِمْ لَوْ صَفُّوا فِيهِ صَفًّا وَاحِدًا، وَمَعَ ذَلِكَ فَقَدْ صَفَّهُمْ، وَهَذَا هُوَ الَّذِي فَهِمَهُ مَالِكُ بْنُ هُبَيْرَةَ الصَّحَابِيُّ الْمُقَدَّمُ ذِكْرُهُ، فَكَانَ يَصُفُّ مَنْ يَحْضُرُ الصَّلَاةَ عَلَى الْجِنَازَةِ ثَلَاثَةَ صُفُوفٍ سَوَاءٌ قَلُّوا
(١) لكن في أشناده محمد بن اسحاق، وهو مدلس، وقد رواه بالعنعنة وهي علة مؤثرة في حق المدلس، وعليه بهذا الحديث سبعة يوجد ما يشهد له بالصحة، والله أعلم